كمال كليجدار أوغلو... وفخ التوقيت
قد تخفُت قضية الحجاب مع تسارع الأحداث داخل تركيا وخارجها، لكن لا يلبث كمال كليجدار أوغلو إلّا أن يعيد الأنظار إليه مجدَّداً عبر سهام قد لا يَسْلَم منها فعلاً.
لم تُسمِّ "طاولة الستة" المعارِضة حتى الساعة مرشحها المشترك لخوض الانتخابات الرئاسية التركية لعام 2023. وعلى رغم أن الساحة لا تخلو من الأسماء المعارضة المطروحة، كميرال إكشنار وأكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، فإن الأكثر ديناميكيةً وحضوراً يبقى رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو.
لكنّ للأخير صولات وجولات سياسية تبدو، في أحيان كثيرة، غيرَ محسوبة، كطرح مسألة الحجاب مثلاً.
قد يستغرب البعض أن أسعار السلع والطاقة، الآخذة في الارتفاع، والتي تشغل بال المواطن التركي، ليست من مواضيع الساعة لدى سياسيي تركيا. ويتعاظم الاستغراب مع عودة ملف قديم، يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، إلى تصدُّر المشهد من جديد، وهو كان تم حلّه عبر وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، ألا وهو ارتداء الحجاب.
والحقيقة أن قضية الحجاب، التي لا تتّسق مع عناوين تركيا ما بعد عام 2023 - وهي التي تسعى عبر رئيسها للتخلص من مستتبعات اتفاقية لوزان – دخلت البازار الانتخابي من بابه العريض، ولم يكن البادئ فيه سوى كليجدار أوغلو، الذي اقترح تثبيت حق المرأة في ارتداء الحجاب، من خلال مشروع قانون في البرلمان.
لا يجب تجميل الحقائق. ما يُقترح في زمن الانتخابات له أهداف تتجاوز القضية المطروحة نفسها. وهنا العين على أصوات إضافية، وهي سُنّية محافظة في الغالب، وتميل إلى حزب العدالة والتنمية.
لكن، هل يجوز اللعب بورقة الخصم الرابحة؟
الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، تلقَّف المقترح وطالب بما هو أبعد من ذلك، عبر إدراج موضوع حق ارتداء الحجاب في الدستور، الأمر الذي رد عليه كليجدار أوغلو بالمطالبة بحرية الأقليات، وعلى رأسها العلويون. وهنا، كانت مناسبة لتجديد القول إن إردوغان وحزبه هما الضمانة لواقع الحجاب في تركيا هذه الأيام. ولأن غالباً ما ينقلب السحر على الساحر في لعبة الحسابات الخاطئة، لم يتوقف الأخذ والردّ بينهما، وإنما تعدّاهما إلى المعارضة، التي رأت أن من الخطأ فتح ملفات مغلَقة، وهذا ليس إلّا تلطيفاً لخطوة يمكن وصفها بالانتهازية السياسية. كان الهدف هو الاعتذار عن "أخطاء الماضي" فإذ بكمال كليجدار أوغلو يقترف خطأً جديداً. يقول الرئيس إردوغان ساخراً إن "كليجدار أوغلو مرّر الكرة من دون أن يدري، وكان عليّ أن أسجّل الهدف. لا يدرك أني أمضيت حياتي كمهاجم" في كرة القدم.
قد تخفُت قضية الحجاب مع تسارع الأحداث داخل تركيا وخارجها، لكن لا يلبث كمال كليجدار أوغلو إلّا أن يعيد الأنظار إليه مجدَّداً عبر سهام قد لا يَسْلَم منها فعلاً. ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية ليلتقي بعض الشخصيات الداعمة للمعارضة، وبعض مؤسسات المجتمع المدني الأميركي، ومن أجل حضور مؤتمرات علمية. فهل هذا هو التوقيت الملائم لزيارة واشنطن وللقاءات كهذه؟
تأتي هذه الزيارة في ذروة التوترات بين أنقرة وأثينا، وفي خضمّ تصويب إردوغان وحزبه على الولايات المتحدة، التي يبدو أنها تميل إلى تغليب المصالح اليونانية على التركية على رغم أن البلدين عضوان في حلف الناتو. وهذا ما قاله صراحة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ومفاده أن الولايات المتحدة تقوم بما يخدم مصالحها القومية، لدى سؤاله عن المعايير المزدوجة في التعامل مع كل من تركيا واليونان.
ما يُقال، تركياً، هو أن واشنطن غيّرت سياستها بصورة كبيرة لمصلحة الجانب اليوناني، فهي تسعى لزيادة قواعدها العسكرية في الأراضي اليونانية (السعي لعسكرة ميناء أليكساندرو بولي، مثالاً)، كما أرسلت معدات عسكرية إلى اليونان، تمّ تخصيص بعضها ليكون في جزر بحر إيجه، وهو ما عُدَّ دعماً غير مباشر لخرق اليونان للقانون الدولي. فهذه الجزر ينبغي لها أن تبقى منزوعة السلاح وفق المعاهدات الدولية (إشارة هنا إلى أن المعاهدات، التي يتم استحضارها، هي اتفاقية لوزان، عام 1923، واتفاقية باريس، عام 1947، إلّا أن لأثينا قراءة قانونية مغايرة لهما عن قراءة أنقرة).
أمّا الأمر الثالث، وهو يدلّل على تغيير الموقف الأميركي، فهو رفع حظر الأسلحة المفروض منذ فترة طويلة على القبارصة اليونانيين، فضلاً عن الدعم الذي لا يتوقف للكرد في شمالي شرقي سوريا.
هذه الإشارات الأربع قد تكون كافية لحملة جديدة على جولة الأيام الخمسة لكمال كليجدار أوغلو، الذي يقول إن حزبه يعمل على رؤية سياسية جديدة لتركيا. ويضيف، من قلب الولايات المتحدة، أنه يريد إقامة نظام اقتصادي يتم بموجبه توزيع الثروة في البلاد، على نحو عادل.
"رحلة الرؤية العظيمة"، كما يصفها طاقم الحزب، تعرّضت للتشويش والإشاعات، التي من شأنها الإضرار بها، كمسألة الاختفاء لثماني ساعات، وهو في طريقه من بوسطن إلى واشنطن، والحديث عن مروره في بنسلفانيا، أي مكان وجود الداعية التركي المعارض فتح الله غولن، الذي يُصَنَّف في تركيا إرهابياً هو وجماعته.
معظم مَنْ يريد التغيير في تركيا، بعيداً عن الرئيس إردوغان، يضع آماله في كمال كليجدار أوغلو بصفته سياسياً محترماً، إذ إنه لم ينخرط في مشاريع فساد، لكن على ألّا تكون هناك خطوات أخرى غير محسوبة التوقيت، فيجعل منها ضربة قاضية له كمرشح محتمل، إلى أن يعلن عكس ذلك.