فلسطين 2021: عام تحولات الصراع مع الاحتلال

تعدّ معركة "سيف القدس" الحدث الأبرز فلسطينياً خلال العام 2021، وما زالت تداعياتها ماثلة في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية.

  • سجّلت المعركة فشلاً ذريعاً للخطّة الاستراتيجية التي تدرَّب عليها
    سجّلت المعركة فشلاً ذريعاً للخطّة الاستراتيجية التي تدرَّب عليها "جيش" العدو لأكثر من 3 أعوام.

شهد العام 2021، الذي يُسدل عليه الستار خلال أيام، أحداثاً وتطورات مختلفة في الساحة الفلسطينية. وشهدت البيئة السياسية المحيطة بالقضية الفلسطينية، داخلياً وخارجياً، متغيرات مهمّة، أثرت في مسارات العمل الفلسطيني والمشهد الفلسطيني عموماً، وانعكست في مجملها على الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. 

تعتبر معركة "سيف القدس" التي حدثت في أيار/مايو الحدث الأبرز فلسطينياً خلال العام 2021، وما زالت تداعياتها ماثلة في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية. 

دفعت الأحداث، وجرائم الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى، وتهديد العدو الإسرائيلي بترحيل عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس، المقاومة الفلسطينية إلى تنفيذ تهديدها، وإطلاق عشرات الصواريخ تجاه القدس المحتلة، ما شكل مفاجأة من العيار الثقيل للأوساط الاستخبارية للعدو، وفجَّرت معركة استمرت 11 يوماً، تميزت بكثافة النيران الصاروخية التي وصلت إلى نحو 4000 صاروخ، ما يعتبر العدد الأكبر في تاريخ الكيان الإسرائيلي. وقد استهدفت الصواريخ والطائرات المسيرة أهدافاً عسكرية واقتصادية استراتيجيّة للعدو.

سجّلت المعركة فشلاً ذريعاً للخطّة الاستراتيجية التي تدرَّب عليها "جيش" العدو لأكثر من 3 أعوام، والتي هدفت إلى تدمير أنفاق المقاومة والقضاء على المئات من نخبتها المقاتلة، ونفّذتها أكثر من 160 طائرة حربية.

فجّرت معركة "سيف القدس" ما يشبه انتفاضة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة العام 1948، ما اعتبر، إسرائيلياً، التهديد الاستراتيجي الأخطر الذي كشفته المعركة، الأمر الذي دفع حكومة الاحتلال إلى وضع الخطط وتشكيل وحدات خاصة من "الجيش" والشرطة والشاباك، لمواجهة تداعيات هذا الخطر في المستقبل. 

نجحت السّلطة الفلسطينيّة قبل معركة "سيف القدس" في كبح المقاومة الشعبية والعسكرية في الضفة المحتلة، لكنَّها فشلت خلال المعركة وبعدها، فاستعادت الضفة روحها الثورية، ونفّذت عمليات بطولية فردية ومنظمة، كان آخرها عملية نابلس، التي أدت إلى مقتل مستوطن، وتبنّتها حركة "الجهاد الإسلامي"، ما أجبر العدو على نشر المزيد من وحداته القتالية في الضفة، التي يبدو أنها على حافة اندلاع انتفاضة ثالثة، لأسباب متعددة، أبرزها تداعيات معركة "سيف القدس". 

تمكَّنت المقاومة الفلسطينية من تحقيق نصر مهم في هذه المعركة، واستعادت وعي الشعب الفلسطيني، والأمتين العربية والإسلامية أيضاً، في مقابل كيّ الوعي الصهيوني. وفي آخر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، اعتبر 59% من الإسرائيليين أنَّ "إسرائيل" لم تنتصر في معركة "سيف القدس".

ثبّتت المعركة قضية القدس، واستعادت مكانتها المركزية في الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، بل والإنساني، وأرست معادلات القدس وعواصم عربية وإسلامية، وهي المعادلات التي عبّرت عنها مواقف قادة محور المقاومة وجماهير الأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم.

تعزّزت خلال العام 2021 مكانة تيار المقاومة في فلسطين، ويعتبر العام 2021 عام المقاومة الفلسطينية بامتياز. وصنّف العدو الجبهة الفلسطينية إحدى الجبهات الستّ الأكثر قابلية للاشتعال والأقل استقراراً، وتحديداً ساحة قطاع غزة.

شعبياً، أظهرت استطلاعات الرأي المهنية ارتفاعاً ملحوظاً في تأييد المقاومة كمسار لمواجهة الاحتلال وانتزاع الحقوق. ووطنياً، تعزَّزت العلاقة والتنسيق بين قوى المقاومة الفلسطينية، والتي عكستها الغرفة المشتركة لنحو 13 فصيلاً مقاوماً، وعلت أصوات داخل حركة "فتح" تدعو للعودة إلى الكفاح المسلح والتخلي عن نهج التسوية.

إقليمياً، تطورت العلاقة بين قوى المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، وباتت خشية العدو من حرب متعددة الجبهات في ازدياد. ودولياً، تتزايد القطاعات الشعبية المساندة للحق الفلسطيني، والمنددة بالاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.

شهد العام 2021 انتكاسة على مستوى السلطة الفلسطينية، التي تراجعت مكانتها إلى أدنى المستويات منذ نشأتها في العام 1993. إنّ تراجع مكانة السلطة الفلسطينية وشرعيتها يعود إلى عدة عوامل، أبرزها الفشل السياسي لمشروع السلطة القائم على "حل الدولتين" ومسار اتفافية "أوسلو" في العام 1993.

ويبدو أنَّ رهانات السلطة على الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، وحكومة تحالف الوسط واليسار واليمين الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت، للعودة إلى المفاوضات ومسار التسوية على أساس "حل الدولتين" تبخرت. وجلّ ما تسعى له الإدارتان الأميركية والإسرائيلية هو خفض التصعيد والاستقرار والهدوء، من خلال حوافز اقتصادية مقابل التعاون الأمني. ورغم ذلك، تعاني السلطة أزمة اقتصادية حادة.

من العوامل الرئيسية التي أدت إلى تدهور مكانة السلطة هو قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلغاء الانتخابات العامة في نيسان/أبريل 2021، مبرراً قراره برفض الاحتلال إقامتها في القدس، بينما ترجع خلفيات القرار إلى الخشية من فوز حركة "حماس" وتفكك حركة "فتح" إلى 3 قوائم، إحداها مدعومة من الأسير مروان البرغوثي، ما أدخل الحالة الفلسطينية في حالة إحباط وغضب، أجّجها استشهاد المعارض السياسي والمرشح للانتخابات التشريعية نزار بنات، واتهام الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بقتله بعد اعتقاله وتعذيبه، على خلفية نقده الحاد لسياسات السلطة، وخصوصاً مظاهر الفساد والاستبداد وقمع الحريات وحقوق الإنسان.

باتت الإدارة الأميركية والعدو الإسرائيلي يخشيان انعكاسات ضعف السلطة على الاستقرار في الضفة، واحتمالات الفوضى التي قد تنشأ في حال انهيارها، والخشية الأكبر من تعزيز أكبر لقوى المقاومة في الضفة المحتلة، ما سيزيد التهديدات الأمنية للعدو الإسرائيلي، وهي واحدة من التحولات المؤثرة في الصراع معه، في حال تحقّقت.

شهد الثلث الأخير من العام 2021 تزايداً في عمليات المقاومة في الضفة، على أثر تزايد اعتداءات الاحتلال والمستوطنين في القدس والضفة، وما زال العدو يسمح باجتياح باحات المسجد الأقصى. وفي ضوء خشيته من حرب متعددة الجبهات، أجرى العدو عدة مناورات عسكرية.

في المقابل، نفَّذت المقاومة الفلسطينية مناورة عسكرية، وتضاعف إطلاق المقاومة الفلسطينية للصواريخ التجريبية. وتتحدث مصادر مختلفة عن تمكّن المقاومة من ترميم قدراتها العسكرية بعد معركة "سيف القدس" وتطويرها كماً ونوعاً، بالتوازي مع تنسيق على مستوى أعلى بين محور المقاومة، ما يشير إلى أن مجريات الأحداث والتطورات خلال العام 2021، ولا سيما معركة "سيف القدس"، أدت إلى تحولات تجاه الصراع مع العدو داخل فلسطين، تعزز بموجبها مسار المقاومة ومشروعه، فكيف ستنعكس هذه التحولات وغيرها على حالة الصراع مع العدو خلال العام القادم 2021؟ وهل سنشهد المزيد من التصعيد والمواجهة أو أنَّ سيناريو التهدئة والاستقرار هو الأرجح؟

سنحاول سبر أغوار العام القادم في المقال المقبل.

بعد أن عشنا في عام 2021 الكثير من الأحداث المهمة والمفصلية، يشرف هذا العام على الأفول، ولكنها ليست فقط نهاية عام عادية، هي بداية حقبة في حياة شعوب المنطقة والعالم.