فساد إردوغان وصهره يؤدّي إلى انهيار الاقتصاد التركيّ
عندما وصل إردوغان إلى السّلطة في العام 2003، كان يُنظر إلى حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه على أنه بداية جديدة بعد الحكومات الفاسدة السابقة.
كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد خطّط لتتويج نفسه بأطول مدة رئاسية لتركيا، وذلك في العام 2023، عندما تحتفل تركيا بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، لكن الأزمة الاقتصادية والرقابة والفساد واستطلاعات الرأي المنخفضة تجعل حلمه غير مؤكّد.
لقد حكم إردوغان تركيا منذ العام 2003، أولاً كرئيس للوزراء، والآن كرئيس للدولة التركية، وتمكَّن من توسيع صلاحياته ضمن سلطات واسعة لنفسه قبل 3 سنوات، لكنه دفع البلاد منذ ذلك الحين إلى تضخّم مفرط وانهيار للعملة، بينما أقال 3 رؤساء للبنوك المركزية منذ العام 2019، وأقال 3 من صانعي السياسات في البنوك في تشرين الأول/أكتوبر.
كان البنك المركزي يتصرَّف وفقاً لأهوائه التي تتعارض بشكل مباشر مع الفكر الاقتصادي التقليدي. بدلاً من رفع أسعار الفائدة لتعويض انخفاض الليرة بنسبة 56% هذا العام، أصرَّ إردوغان على خفض أسعارها.
اتهامات إردوغان بالفساد
عندما وصل إردوغان إلى السّلطة في العام 2003، كان يُنظر إلى حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه على أنه بداية جديدة بعد الحكومات الفاسدة السابقة، وخصوصاً فضيحة الفساد في العام 1996، والتي كشفت عن علاقات وثيقة بين الحكومة والقوميين اليمينيين والجريمة المنظمة. ومع ذلك، تعرَّض إردوغان وأقاربه وبعض الأعضاء الرئيسيين في الحكومة للفضائح.
العام 2013
بعد فضيحة الفساد في العام 2013 في تركيا، أظهر تحقيق جنائي تورّط العديد من الأشخاص الرئيسيين في الحكومة التركية، والذين كانوا على صلة بحزب العدالة والتنمية، في جرائم الرشوة والفساد والاحتيال وغسيل الأموال وتهريب الذهب. وشملت القضيّة نجلي إردوغان، بلال وبوراك، وآخرين من نشطاء "القاعدة".
رداً على ذلك، أقال إردوغان 350 ضابط شرطة، بمن فيهم رؤساء الوحدات التي تتعامل مع الجرائم المالية والتهريب والجريمة المنظّمة. وتمَّ تداول مقطع فيديو يُظهِر علي إردوغان، ابن شقيقه، والحارس الشخصي لرئيس الوزراء، وهو يأمر مفوّض الشرطة بالإساءة إلى المحتجزين الذين احتجّوا على عمّه.
في 23 كانون الأول/ديسمبر، عُثر على هاكان يوكسكداغ (35 عاماً)، مفوض الشرطة في إدارة التهريب ومعركة الجرائم المنظمة في دليل أمن محافظة أنقرة، مقتولاً في سيارته. في اليوم التالي، توفي عبدي ألتينوك، مساعد رئيس الشرطة في دليل أمن مقاطعة إسبرطة. هاتان الحالتان كانتا تُسميان رسمياً انتحاراً.
العام 2014
أُقيل 4 قضاة بعد أن حقّقوا في مزاعم فساد ضد الدائرة المقرّبة من إردوغان. أسقطت الفضيحة 4 وزراء في الحكومة. تم الكشف عن تحقيق الفساد في 17 كانون الأول/ديسمبر 2013، مع مداهمات الشرطة التي أدت إلى اعتقال عشرات الأشخاص المتحالفين مع إردوغان. وتم إسقاط جميع التّهم الموجّهة إلى المسؤولين الحكوميين المرتبطين بالتحقيق رسمياً.
العام 2015
اتهمت موسكو إردوغان بإدارة "شركة عائلية" في تهريب نفط "داعش"، إذ تمت الإشارة إلى دور بيرات البيرق، صهر إردوغان ووزير الطاقة التركي، بإمداد الإرهابيين بالنفط. نفى الأتراك هذه المزاعم، لكن روسيا أنتجت صوراً بالأقمار الصناعية تظهر بوضوح ناقلات النفط التي يستخدمها "داعش" في سوريا خلال عبورها الحدود التركية في الريحانية من دون عوائق.
العام 2019
بثت قناة تلفزيونية مجموعة من المكالمات الهاتفية المسربة التي تمت في كانون الأول/ديسمبر 2013 بين إردوغان ونجله بلال حول التخلّص من مبالغ نقدية كبيرة كانت بحوزتهما بعد فضِّ قضية فساد من قبل السلطات التركية.
أمر إردوغان نجله بنقل الأموال على الفور. في المحادثات ذهاباً وإياباً، يناقش إردوغان وابنه ملايين الدولارات التي يحتاجون إليها لإخفاء واستخدام ابنة إردوغان وأخته وزوجها في نقل الأموال غير المشروعة.
العام 2020
تعرَّض بيرات البيرق، صهر إردوغان الذي شغل منصب وزير المالية في تركيا آخر مرة، لانتقادات عالمية لجني الأموال والسيطرة على الفساد المالي. أدت قضية فساد تورطت فيها أسرة إردوغان إلى إضعاف جهوده للمطالبة بقيادة المجتمع العالمي الإسلامي، كما أدّت إلى حدوث فوضى على المستوى المحلي.
وقد برزت قضية فساد في تركيا أظهرت تورط إردوغان في غسل الأموال والفساد. ويواجه البيرق أيضاً اتهامات بتقاسم الأرباح مع النخب السياسية، ولا سيَّما في حزب إردوغان. تمّ تسليط الضوء على قضية غسيل الأموال هذه بعد القبض على مساعده رضا ضراب في ميامي في العام 2016.
العام 2021
أنتج زعيم الجريمة المنظمة سيدات بيكر، الذي يعيش في المنفى، سلسلة من مقاطع الفيديو على مدار أسبوعين، تتهم المقربين من إردوغان بالاغتصاب وتجارة المخدرات والوفيات المشبوهة.
في البداية، اتّهم بيكر مجموعة "Pelikan"، وهي زمرة تتمركز حول بيرات البيرق، صهر إردوغان، وقدّم أوصافاً للاقتتال الداخلي المرير بين الجماعات المتنافسة حول إردوغان والروابط الغامضة بين كبار المسؤولين والغوغاء، والتي كانت مدمرة للغاية.
كشف بيكر الاستيلاء غير القانوني على الميناء من قبل شخص داخل الحكومة، واستخدامه لاحقاً لتهريب المخدرات، ووفاة امرأة قدمت شكوى باعتداء جنسيّ ضد أحد نواب حزب العدالة والتنمية. كان لدى بيكر ما يصل إلى 4 ملايين مشاهد قاموا بضبط مقاطع الفيديو الخاصة به، والتي توضح بالتفصيل مزاعمه.
وقال أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق الذي اختلف مع إردوغان وأسَّس حزب المستقبل المعارض، في بيان: "يتم فتح صندوق باندورا مختلف كل يوم".
تمّ تسريب وثائق تنظيمية من مؤسَّسة الشباب التركي (TUGVA)، والتي يعتبر نجل الرئيس بلال إردوغان أحد قادتها. تحتوي المعلومات الواردة في هذه الوثائق التي نشرتها "El País" على نسخ من المراسلات مع مختلف السلطات البلدية والإقليمية والحكومية المركزية، والسير الذاتية، وسجلات الممتلكات، وكشوف الحساب، وحتى قائمات أعضاء المؤسسة الذين يُوصى بوضعهم في مختلف هيئات الدولة، من إدارة المؤسسات التعليمية إلى المناصب في الشرطة والقوات المسلحة.
لطالما اتهمت المعارضة التركية الجمعية بأنَّها أصبحت "هيكل دولة موازياً". وقال أحد المديرين الإقليميين السابقين لـ"TUGVA"، تامر أوزسوي، إنَّ جميع المعلومات التي ظهرت إلى الضوء "ليست سوى غيض من فيض".
إردوغان والإخوان المسلمون
انخفض مستوى معيشة الأتراك بسبب التضخّم المفرط وانهيار الليرة. وقالت أديلين فان هوت، المحلّلة الأوروبية في "إيكونوميست إنتليجنس يونيت": "ارتفاع الأسعار والليرة التركية الضعيفة، إلى جانب الاستياء العام من الفساد المستشري، أمور مضرة بالحكومة".
يعدّ الإخوان المسلمون (MB) منظَّمة عالمية تضمّ مجموعات وكيانات سياسية مختلفة متّحدة وفق أيديولوجية سياسية مشتركة. تم تصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية في دول مثل مصر والبحرين والمملكة العربية السعودية وروسيا والإمارات العربية المتحدة وسوريا. أصبحت تركيا مركزاً لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المنفيين بعد "الربيع العربي". ومنذ العام 2013، برزت قطر وتركيا كداعمين رئيسيين للإخوان المسلمين.
سمح حزب إردوغان الحاكم، حزب العدالة والتنمية(AKP) ، للمنظمات الإسلامية بالعمل علانيةً في مجالات التعليم والمساعدات الاجتماعية والاقتصادية، مثل منظمة الإغاثة الإنسانية (IHH)، وهي منظَّمة غير حكومية إسلامية تركية نشطة في أكثر من 115 دولة.
كان يُنظر إلى تركيا على أنَّها دولة حديثة وعلمانية على أبواب الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، قرَّر إردوغان في وقت مبكر أن نجاحه في الحفاظ على منصبه سيتحقّق من خلال اللعب على المشاعر المحافظة المتطرّفة بين بعض المجتمعات في الأمة الإسلامية.
لقد كان الإخوان المسلمون جزءاً من نظام الدعم الخاص به، إذ تتوافق أيديولوجيتهم السياسية مع حزب العدالة والتنمية. وقد اتُهم إردوغان بتحويل المجتمع العلماني إلى مجتمع إسلامي، وهو ما لا يتماشى مع السياسات التي وضعها أتاتورك؛ مؤسس تركيا الحديثة.
في الآونة الأخيرة، كانت قطر تحاول إعادة تنظيم نفسها مرة أخرى في قالب دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يترك إردوغان وحيداً كزعيم جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
إردوغان ومستقبل انتخابات تركيا
من المقرّر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في حزيران/يونيو 2023، وتظهر استطلاعات الرأي أنَّه سيكون من الصعب على إردوغان الفوز، إذ يتخلَّف الآن عن منافسيه الرئيسيين في السباق. ودعا زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، كمال كليجدار أوغلو، إلى إجراء انتخابات مبكرة في العام 2022، بعد أن أظهر استطلاع لشركة "متروبول" أنَّ 41% فقط من الأتراك وافقوا على أداء إردوغان في أيلول/سبتمبر، بعد أن كانوا حوالى 59% في العام 2015، و64% من المستجيبين لم يوافقوا على ذلك. أعتقد أنَّ إردوغان يمكن أن يحلّ الوضع الاقتصادي الكارثي في البلاد.
قال داوود أوغلو: "كما رأينا في جميع الحكومات القديمة التي تقترب من نهايتها، هناك صراع داخلي داخل الحكومة"، مضيفاً: "نظراً إلى أنَّ نهاية النفق مرئية الآن، يحاول الجميع تأمين أقوى حماية ممكنة قبل الوصول إلى النهاية".
قال مراد يوسر وأتيلا يسيلادا في مقال لـ"GlobalSource Partners"، والذي يقدم تحليلاً للأسواق الناشئة: "تركيا لم تعد بلد إردوغان. الإدارة تواجه أيضاً معارضة متجدّدة وموحّدة تشمّ رائحة النصر، أو حيواناً مفترساً جريحاً يعرج بعيداً إلى بر الأمان، بدلاً من الصياد، كما كان من قبل."
المصادر:
https://www.al-monitor.com/originals/2021/12/turkey-not-yet-ready-give-muslim-brotherhood
https://www.nytimes.com/2021/05/18/world/europe/turkey-erdogan-crime-corruption.html