روسيا والانتخابات البرلمانيّة: نحو تثبيت قاعدة بوتين الشعبيّة
يُنظر إلى انتخابات 17 أيلول/سبتمبر على أنها جزء مهم من جهود بوتين لتدعيم حكمه قبل الانتخابات الرئاسية في العام 2024. بعد العام 2020، ستحدد عدة عوامل رئيسية نتيجة الانتخابات البرلمانية لهذا العام.
يعبّر الروس عن مواقفهم العاطفية والنفسية تجاه النظام الحاكم في الانتخابات البرلمانيّة الروسيّة، فيتم التعبير عن الولاء من خلال التصويت لحزب روسيا الموحدة، وعن خيبة الأمل من خلال التصويت لمصلحة حزب روسيا العادلة، وعن العداء من خلال التصويت للحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية.
بحسب دستور الاتحاد الروسي، إن الجمعية الفيدرالية الروسية هي الهيئة التشريعية في روسيا الاتحادية - أي تمثّل البرلمان الروسي – وهي تتألف من مجلس الدوما (المجلس الأدنى) ومجلس الاتحاد (المجلس الأعلى)، بينما يتألف مجلس الاتحاد من ممثلي كيانات روسيا - وفقاً للدستور الروسي تنقسم روسيا إلى 85 كياناً إدارياً مستقلاً - ويتم انتخاب ممثلي مجلس الدوما من الشعب.
وعليه، إن مجلس الدوما هو سلطة تشريعية تتكوَّن من 450 عضواً ينتخبون لمدة 5 سنوات. وتتمثل مهامه الرئيسية في اعتماد القوانين الدستورية والفيدرالية، والرقابة على أداء الحكومة الروسية، وتعيين رؤساء البنك المركزي وإقالتهم.
إضافةً إلى هذه المهام، سعت التعديلات الدستورية التي أقرّت في العام 2020 لرفع أهمية البرلمان الاتحادي في نظام الحكم، فاكتسب مجلس الدوما سلطة الموافقة على رئيس الوزراء وجميع أعضاء الحكومة، باستثناء وزراء الأمن - الشؤون الداخلية والدفاع والعدل وما إلى ذلك، وهم الذين يعيّنهم الرئيس بعد التشاور مع مجلس الاتحاد (المجلس الأعلى).
قبل اعتماد التعديلات الدستورية، كان رئيس الدولة يعيّن رئيس الحكومة، وكان لمجلس الدوما الحق في الموافقة فقط، وكان التعيين الرسمي لجميع أعضاء الحكومة لا يزال مقتصراً على الرئيس. لذلك، يعتبر مجلس الدوما المنصة المركزيّة، إذ يتم اختبار التوجهات السياسية، وإضفاء الطابع الرسمي على القرارات، وإنشاء الأدوات التشريعية اللازمة للتنفيذ.
كما أنَّ التعديلات الجديدة تسمح للرئيس الروسي بأن يترشّح لولايتين جديدتين بعد انتهاء ولايته الجديدة. ولذلك، ينظر بوتين الى الانتخابات البرلمانية القادمة على أنها فرصة لمعرفة نسبة التأييد الفعليّة لحكمه تمهيداً للانتخابات الرئاسية في العام 2024.
تأتي انتخابات مجلس الدوما القادمة، والتي تقرّر إجراؤها على مدى 3 أيام من 17 وحتى 19 أيلول/سبتمبر 2021، في ظلِّ ظروف استثنائية داخلياً وخارجياً. داخلياً، يشارك حزب روسيا الموحّدة - المدعوم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - في الانتخابات في ظلّ تراجع كبير في شعبيته، ما يهدّد ضمانه لأكثرية دستورية في المجلس؛ ففي الانتخابات المحلية الأخيرة، واجهت روسيا الموحدة عدّة انتكاسات، في الوقت الذي تتّجه نحو اختبار رئيسي لتفويضها الشعبي في انتخابات مجلس الدوما. على سبيل المثال، وعلى الرغم من محافظة الحزب الحاكم على الأكثرية في انتخابات مجلس موسكو في العام 2018، فإنه خسر 13 مقعداً ليتراجع عدد ممثليه إلى 25، بعد أن كانوا 38 من أصل 45 مقعداً. كما أن استطلاعات الرأي تظهر أن نسبة المؤيدين للحزب المدعوم من الرئيس بوتين تتراجع منذ سنوات حتى وصلت إلى 27% في شباط/فبراير 2021، وهي أدنى نسبة في تاريخ الحزب.
في الانتخابات القادمة، يدافع حزب روسيا الموحّدة الحاكم عن أغلبيته الموجودة حالياً البالغة 336 مقعداً من أصل 450. وعلى الرغم من أنه من غير المرجّح أن تفقد روسيا الموحّدة الأكثريّة، فإنَّ الحفاظ على أغلبية كبيرة أمر أساسي لضمان تماسكها وإظهار قوّتها الشعبيّة. كما أن الحزب أمام تحدّي الحفاظ على أغلبية دستورية - المتمثّلة بالفوز في ثلثي المقاعد، أي 301 من أصل 450 مقعداً – تخوّله تعديل الدستور.
في نهاية المطاف، تظل روسيا الموحدة في موقع انتخابي قوي. ومن المرجح أن تهيمن على الحياة السياسية في الاتحاد الروسي لبعض الوقت في المستقبل. ومع تصاعد التحديات، سيتحول تركيز الحزب بشكل متزايد إلى الحفاظ على قوّته محلّياً. قد يمثل هذا انفصالاً عن الماضي، عندما تمتعت روسيا الموحدة بالحريّة التي منحها إياها الأمن الانتخابي.
قد يتعيّن على الحزب نفسه أيضاً أن يتطوّر من حيث كيفيّة تشكيل نفسه لهذا الدور الجديد وكيفية التعامل مع التوترات الداخلية التي قد تنشأ عنه. ولعلّ جميع هذه الأسباب دفعت الرئيس بوتين إلى اختيار 5 شخصيات، بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو، ليترأّسوا قائمات المرشّحين لحزب روسيا الموحّدة في الانتخابات القادمة.
من خلال هذه الاختيارات، يهدف بوتين إلى تشجيع مؤيدي الحزب على التصويت، فلافروف وشويغو من الشخصيات التي تتمتّع بشعبية كبيرة بسبب مواقفهما الثابتة من الجيش والتحديات التي تواجه الدولة، وخصوصاً من دول الغرب. وكونهم في القائمة الحزبية لا يلزمهم بأخذ مقاعد برلمانية في حال انتخابهم، بل يمكنهم إعطاء مقاعدهم لزملائهم في اللائحة الحزبيّة.
إضافةً إلى ذلك، يتزايد الحديث داخل روسيا عن مساعي الدول الأجنبية للتدخّل في سياستها الداخليّة وخلق بعض التوتّرات في الداخل الروسي، سواء عن طريق منظمات المجتمع المدني أو عبر دعم بعض الأشخاص في المعارضة؛ ففي آذار/مارس 2021، قال نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، لصحيفة "روسيسكايا جازيتا" إنه من أجل احتواء روسيا، كان الغرب يحاول زعزعة استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي فيها، وإلهام الحركة الاحتجاجية وجعلها متطرفة، وتقويض القيم الروحية والأخلاقية الروسية التقليدية.
ولذلك، نلاحظ تصنيف عدد متزايد من الهيئات والمنظمات على أنها عميلة للغرب أو مرتبطة بمنظمات غير مرغوب فيها في روسيا، ما يعني أن الدولة تتعامل مع هذه المنظمات على أنها تهديد للأمن القومي الروسي. كما أن انتخابات البرلمان هي أوّل انتخابات بعد إعلان استراتيجية الأمن القومي الجديدة لروسيا الاتحادية، والتي تحدّد توجّهات الدولة والتهديدات في مختلف المجالات، والتي حملت الكثير من الرسائل إلى القريب والبعيد.
الاستراتيجية الجديدة التي صدرت في تموز/يوليو 2021 تحدّثت عن القلق من تلاعب الحكومات الغربية بالشؤون الداخلية الروسية وأهمية تعزيز الجبهة الداخلية وتحصينها ضد محاولات الاختراق الغربية. وعليه، تأتي انتخابات مجلس الدوما في وقت تواجه روسيا محاولات الغرب للاستثمار في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لتدمير وحدته الداخليّة وتعزيز الانقسام والتحريض على حركة احتجاجيّة.
التحدّي الذي يواجه هذه الانتخابات لا ينتهي هنا، بل إن المجلس المنتخب قد يواجه أيضاً مشاكل في حال عدم اعتراف الدول الغربيّة به، فالعلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، في أسوأ أحوالها منذ سنين.
وقد أشار لافروف في أكثر من مناسبة إلى أن الغرب يتحضّر لإثارة الشكوك حول نتيجة الانتخابات النيابية القادمة في روسيا، وأن الولايات المتّحدة وأوروبا تحضّران لاتخاذ خطوات إضافية، بما في ذلك سعي البعض لمحاولة إثارة الشكوك بشأن نتائج الانتخابات وعدم الاعتراف بشرعيّة البرلمان المنتخب. ولعلّ رفض منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إرسال فريق مراقبين لانتخابات مجلس الدوما وتذرّعه بإصرار السلطات الروسية على الحد من عدد المراقبين بسبب جائحة كورونا يصبّ في هذا الإطار.
واعتبر رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما ليونيد سلوتسكي أنّ منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان اتخذا قراراً حذراً ويشكّل فضيحة، ومن الواضح أنه لأهداف مبهمة. وبحسب قوله، حاول مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان ابتزاز روسيا، وشرع في عملية التفاوض، وكان ينوي أن يكون المنظمة الدولية الرئيسية والوحيدة تقريباً التي تراقب الانتخابات في روسيا، لكن الاتحاد الروسي لم يرضخ للضغوط. لذلك، من المتوقّع أن يقوم المجلس المنتخب بالعمل على أجندة عامة وطنية واقتراحات لتدابير حمائية إضافية في وجه التحدّيات والتدخّلات الخارجية.
يُنظر إلى انتخابات 17 أيلول/سبتمبر على أنها جزء مهم من جهود بوتين لتدعيم حكمه قبل الانتخابات الرئاسية في العام 2024. بعد العام 2020 الحافل بالأحداث، ستحدد عدة عوامل رئيسية نتيجة الانتخابات البرلمانية لهذا العام.
من وجهة نظر مؤسسية، شهدت روسيا حدثين رئيسيين العام الماضي. أولاً، تم التصويت على مجموعة من التعديلات الدستورية لتصبح فاعلة، ما يسمح للرئيس بوتين بالمشاركة في الدورة الانتخابية الرئاسية المقبلة ويعطي البرلمان الروسي صلاحيات أكثر. ثانياً، تم تغيير الحكومة الروسية لأول مرة منذ العام 2012. ومن المرجّح أن تحتفظ روسيا الموحدة - الحزب الحاكم - بالسيطرة على مجلس الدوما، لكن السؤال المطروح هذا العام هو ما إذا كانت ستتمسّك بأغلبية دستورية.