رئيسي يزور الصين.. هل تنجح بكين في أداء دور الوسيط بين طهران ودول الخليج؟
من مصلحة الصّين تخفيف التوترات بين إيران ودول الخليج لضمان أمن الطاقة وإنجاح مبادرة "الحزام والطريق"، ولكن ليس من السهل أن تنجح في ذلك، فالولايات المتحدة الأميركية لن تسمح بإنجاح المبادرة الصينية لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية.
سيزور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الصين بناءً على دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ من 14 إلى 16 فبراير/شباط الجاري، وسيلتقي نظيره الصيني، في ثاني لقاء بينهما بعد اللقاء الأول الذي جمعهما على هامش قمة منظمة شنغهاي في أوزبكستان في شهر أيلول/سبتمبر الماضي. وستكون هذه الزيارة الأولى للرئيس الإيراني إلى الصين منذ انتخابه عام 2021، كما سيكون أول رئيس دولة يزور الصين في السنة الصينية الجديدة.
وكانت صحيفة "الجريدة" الكويتية قد نشرت قبل أيام عدة مقالاً ذكرت فيه أن التحضير جارٍ لزيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إلى بكين. وفي اليوم التالي من نشر الخبر، كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني عن زيارة مرتقبة للرئيس رئيسي إلى الصين.
تأتي زيارة الرئيس الإيراني إلى الصين بعدما أثار بيان القمة الخليجية الصينية الَّذي تطرَّق إلى الجزر المتنازع عليها بين إيران والإمارات العربية المتحدة والاتفاق النووي الإيراني استياء طهران التي استدعت السفير الصيني لديها، وأعربت عن انزعاجها الشديد مما ورد في بيان القمة.
بدوره، شدّد السفير الصيني على احترام بلاده وحدة أراضي إيران، واعتبر أنَّ هدف زيارة الرئيس الصيني للرياض هو التوازن في العلاقات ودعم السلام والاستقرار في المنطقة واستخدام الحوار أداة لحل المشكلات.
ولتخفيف غضب طهران، أرسلت بكين نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هو تشون هوا إلى إيران، الَّذي شدد في أثناء اجتماعه بالرئيس الإيراني على تصميم الصين على تطوير شراكتها الإستراتيجية الشاملة مع إيران.
وافتتحت خلال الشهر الذي زار فيه الرئيس الصيني السعودية قنصلية صينية في منطقة بندر عباس، وصوتت ضد إخراج إيران من لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة.
وتأتي الزيارة أيضاً في وقت يحتدم الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وتأجيل وزير الخارجية الأميركي زيارته إلى بكين بعد أزمة المنطاد وخضوع شركات إيرانية وصينية لعقوبات أميركية.
ستتناول المباحثات التي سيجريها الرئيس الإيراني مع نظيره الصيني والمسؤولين الصينيين مواضيع عدة، أبرزها تعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي وقعها البلدان في آذار/مارس 2021، وبدأ تنفيذها في كانون الثاني/يناير 2022.
وسيتم توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات عدة تطال النفط، ولا سيما أن الطلب الصيني على النفط سيزداد بعد رفع الصين إجراءات فيروس كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها، والبنى التحتية، والزراعة، والصحة، والسياحة، والثقافة، والتعاون العسكري والدفاعي، وزيادة الصادرات الإيرانية إلى الصين، وزيادة الاستثمارات الصينية في إيران. وسيبحث الجانبان الملف النووي الإيراني بعد تعثر المباحثات بين أطراف الاتفاق وإمكانية أن تؤدي الصين دوراً أكبر في هذا المجال.
وسيتم التباحث في المواضع الإقليمية والدولية، منها موضوع الأوضاع الأمنية في أفغانستان والتعاون مع حركة "طالبان"، وخصوصاً بعدما هدد تنظيم "داعش" منذ عدة أيام بالاعتداء على السفارات الصينية والهندية والإيرانية في أفغانستان.
ولعلَّ أبرز موضوع سيناقشه الزعمان هو تأمين الاستقرار والأمن في المنطقة، إذ ترغب بكين في أداء دور الوسيط بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "الجريدة" الكويتية إلى مبادرة صينية كان الزعيم الصيني قد أثارها خلال زيارته الرياض في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، ونالت موافقة خليجية مبدئية.
وتتكون المبادرة الصينية من مرحلتين؛ تقوم الأولى على عقد لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية. وفي المرحلة الثانية، تتم دعوة بقية دول مجلس التعاون الخليجي إلى قمة خليجية إيرانية تعقد في الصين. وذكرت الصّحيفة أنَّ بكين عبّرت عن رغبتها في وضع هذه المبادرة على جدول أعمال الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إلى الصين.
عقدت إيران والسعودية عدة جولات من المحادثات بوساطة العراق في بغداد، وأعلنت روسيا استعدادها لأداء دور الوسيط بين طهران والرياض إذا طلبتا ذلك. المبادرة الصينية الحالية ليست هي الأولى، فقد أبدت الصين دعمها عدة مرات ورغبتها في أن تقوم بدور الوسيط بين إيران والسعودية؛ ففي آذار/مارس 2017، أعلنت استعدادها للتوسط بين الجانبين. وقد جاءت المبادرة على لسان وزير خارجيتها آنذاك وانغ يي قبيل زيارة أجراها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين.
وفي أثناء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الصين عام 2019، عادت الأخيرة وأعلنت استعدادها لأداء دور الوسيط لحل الخلافات مع إيران، وأيضاً طرحت مبادرة في أثناء زيارة وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي إلى بكين في أوائل العام الماضي.
يبدو أنَّ الصين تبذل حالياً جهداً أكبر للتوسط بين إيران ودول الخليج. ويلاحظ بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني إلى الرياض، أن هناك نية حقيقية لدى إيران والسعودية لعقد مباحثات بينهما، فقد التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان على هامش مؤتمر بغداد 2 الذي عقد أواخر العام الماضي.
كما أنَّ تصريحات الطرفين تشير إلى الاستعداد لقبول المبادرات الخارجية لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية واستعداد الطرفين للتباحث، فقد قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إنَّ بلاده مستعدة لاستئناف العلاقات مع السعودية وعقد اجتماع على مستوى وزراء الدفاع والخارجية لدول الجوار.
وعبّر عن أمل بلاده بتطبيع العلاقات مع السعودية، بما يشمل إعادة فتح سفارتي البلدين في طهران والرياض، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: "سنمد أيدينا من أجل الصداقة، وسنرحّب بأيِّ مبادرة إيجابية لإجراء محادثات وتحسين العلاقات وسندعمها". بدوره، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن إيران جزء من المنطقة، ولا مجال للاستقرار في المنطقة إلا بعلاقة جيدة بين دول الخليج وإيران.
تتمتع الصين بثقة واحترام كلٍّ من إيران ودول الخليج، إذ إنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتدعو دائماً إلى حل الخلافات عبر الحوار، ولا تقف إلى جانب دولة ضد دولة أخرى، وتحاول دائماً أن توازن في علاقاتها الخارجية.
وترتبط الصين بعلاقات جيدة مع كلٍّ من إيران والسعودية، فالأخيرة هي أكبر مصدر للنفط إلى الصين، وتربطها بها علاقات اقتصادية متينة، كما أنَّ الصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 15.795 مليار دولار أميركي في عام 2022، بزيادة 7% عن عام 2021.
من مصلحة الصّين تخفيف التوترات بين إيران ودول الخليج لضمان أمن الطاقة وإنجاح مبادرة "الحزام والطريق"، ولكن ليس من السهل أن تنجح في ذلك، فالولايات المتحدة الأميركية لن تسمح بإنجاح المبادرة الصينية لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية، وبالتالي تعزيز الحضور الصيني في المنطقة.
من جهة ثانية، من مصلحة واشنطن أن تبقى العلاقات الإيرانية السعودية متوترة. لذلك، من المحتمل أن تقطع الطريق على المبادرة الصينية. وقد تضاعف ضغوطها على الصين لوقف شراء النفط من إيران، فقد قال المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي إنَّ الولايات المتحدة الأميركية مستعدة لتكثيف المحادثات مع الصين لإقناعها بوقف شراء النفط الإيراني.