حظر تطبيق "تيك توك" بين الهواجس الأمنية والأبعاد السياسية
يعدّ تطبيق "تيك توك" من أكثر التطبيقات شعبيةً في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يستخدمه أكثر من 100 مليون شخص. وسيلقى حظر التطبيق معارضة شديدة من الشباب الأميركي الذي يحقق الشهرة والمال من خلاله.
لم يكد موضوع المنطاد الصيني يخبو حتى هبَّت من جديد عاصفة تطبيق "تيك توك" الذي تملكه شركة "بايت دانس" الصينية؛ فقد أقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، بضغط من الجمهوريين، مشروع قرار يمنح الرئيس الأميركي جو بايدن سلطة حظر تطبيق "تيك توك" وتطبيقات أجنبية أخرى. وقد عارض الديمقراطيون في اللجنة القرار، لأنهم يرغبون في إجراء المزيد من الحوار والمحادثات مع الشركة الصينية التي تملك التطبيق.
وفي السياق نفسه، طلب البيت الأبيض من الوكالات الفيدرالية إزالة التطبيق من جميع الأجهزة الحكومية خلال 30 يوماً. وفي وقت سابق، فرضت ولايات أميركية حظراً على استخدام تطبيق "تيك توك" في الأجهزة التابعة لحكوماتها، وطبّق الحظر أيضاً مجلس النواب الأميركي على الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمها أعضاؤه وموظفوه.
وعلى خطى الولايات المتحدة الأميركية، حظرت الحكومة الكندية والبرلمان الأوروبي تطبيق "تيك توك" في كل هواتفهم وأجهزتهم. وكذلك، حثّ البرلمان الدنماركي موظفيه ونوابه على عدم استخدام تطبيق "تيك توك" في هواتف العمل.
يرجع الهجوم على تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة الأميركية إلى العام 2019، عندما طلب أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي من جوزيف ماغواير، القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية، التحقيق في ما إذا كان تطبيق "تيك توك" يشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي.
وطلب السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من لجنة الاستثمار الأجنبي مراجعة استحواذ شركة "بايت دانس" الصينية على تطبيق "Musical.ly" عام 2017 في مقابل مبلغ مليار دولار أميركي.
وساهمت عوامل عدة في شن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حرباً على تطبيق "تيك توك" الصيني، فإزاء الانتشار السريع والواسع للتطبيق في الولايات المتحدة الأميركية ومنافسته التطبيقات الأميركية، مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، ضغطت شركات الإنترنت الأميركية على ترامب للحد من التطبيقات الصينية المنافسة.
كما أن العلاقات الصينية الأميركية شهدت تدهوراً كبيراً بعدما فرض ترامب رسوماً جمركية على السلع الصينية، واتهم الصين بأنها مصدر فيروس كورونا المستجد، فضلاً عن المخاوف الأمنية من التطبيق.
أمام هذا الواقع، وجدت الإدارة الأميركية نفسها أمام 3 خيارات للتعامل مع تطبيق "تيك توك": إما حظر التطبيق كلياً، وإما بيعه لشركة أميركية، وإما الطلب من لجنة الاستثمار الأجنبي فتح تحقيق في مخاطر وجود التطبيق في البلاد، على أن تقدم بعد ذلك توصيتها للرئيس الأميركي.
وبعد مناقشات داخل الإدارة الأميركية، أصدر ترامب في شهر آب/أغسطس 2020 أمراً تنفيذياً بحظر تطبيق "تيك توك" في حال لم توافق شركة "بايت دانس" على بيعه لشركة أميركية خلال فترة زمنية محددة.
وقد وافقت الشركة الصينية على التخلي عن التطبيق، إلا أنَّ الحكومة الصينية عارضت ذلك بشدة، فقد كانت تفضل وقف التطبيق نهائياً، لأن بيعه قسراً لواشنطن سيجعل بكين تبدو ضعيفة أمامها، وتفادياً أيضاً لوضع الولايات المتحدة الأميركية يدها على الخوارزميات التي يقوم عليها التطبيق.
بعد ذلك، جاء الرئيس جو بايدن إلى السلطة، وألغى قرار الحظر الذي اتخذه ترامب واستبدله بأمر آخر يدعو إلى مراجعة أوسع لعدد من التطبيقات الخاضعة للسيطرة الأجنبية، والتي يمكن أن تشكل خطراً أمنياً على الأميركيين وبياناتهم، ولكن مع تزايد التوتر بين واشنطن وبكين، عاد تطبيق "تيك توك" إلى الواجهة، وتعالت أصوات من داخل الكونغرس الأميركي تطالب بحظر التطبيق كاملاً.
وكانت إدارة بايدن قد دخلت في مفاوضات عبر لجنة الاستثمار الأجنبي مع شركة "بايت دانس"، التي أنفقت أكثر من 1.5 مليار دولار أميركي على مشروع "تكساس" (Project Texas)، وهو خطة لإعادة هيكلة الشركات لحماية بيانات المستخدمين من خلال شراكة مع مجموعة البرامج السحابية الأميركية "Oracle"، إذ سيتم توجيه جميع بيانات المستخدمين إلى "Oracle cloud"، وسيتم تخزين البيانات الجديدة حصرياً على الخادم الخاص بها.
وحالياً، يتمّ إنشاء "Tiktok US Data Security Inc" كشركة فرعية جديدة لـ"تيك توك" يرأسها مجلس إدارة مستقلّ يشرف على فرق من الموظفين، ولكن، كما يبدو، فإنَّ الولايات المتحدة الأميركية تعرقل صفقة "Tiktok Oracle".
منذ إطلاقه عام 2016 في الصين، وفي عام 2017 خارج الصين، حظي تطبيق "تيك توك" بشعبية كبيرة، وخصوصاً بين المراهقين. وحالياً، يستخدمه أكثر من 1.5 مليار شخص في أكثر من 150 بلداً.
ويستمد التطبيق معظم دخله من الإعلانات، ومن المقرر أن تصل عائدات إعلاناته إلى 18.04 مليار دولار أميركي عام 2023، بزيادة قدرها 55% عن العام السابق، إذ سجلت الإيرادات السنوية للتطبيق من الإعلانات 11.04 مليار دولار أميركي، فيما كان في عام 2019 نحو 340 مليون دولار أميركي، ولكن إذا حظرت الولايات المتحدة الأميركية التطبيق كاملاً، فإن العديد من الدول سيحظره أيضاً، الأمر الذي سينعكس سلباً على إيراداته.
مما لا شكَّ فيه أنَّ هناك عدة عوامل مجتمعة وراء حظر تطبيق "تيك توك"، فأميركا ترى أنه يجمع بيانات المستخدمين ويسلمها للحكومة الصينية، مع العلم أن جزءاً كبيراً من تطبيقات الإنترنت هو وسيلة للمراقبة.
وقد أعلن المدير التنفيذي لشركة "فيسبوك" (ميتا)، مثلاً، أن الشركة راقبت عام 2018 الرسائل الشخصية التي يتداولها المستخدمون في تطبيق "ماسنجر"، كما أن برنامج التجسس الإلكتروني الإسرائيلي "بيغاسوس" قام بالتجسس على السياسيين والصحافيين والناشطين.
من ناحية أخرى، لدى واشنطن قلق من تأثير محتوى الفيديوهات التي تعرض في المراهقين، ولكن يبقى العامل الأهم هو خوف الولايات المتحدة الأميركية من سيطرة الصين على الشبكة العنكبوتية بعدما كانت المهيمنة عليها عالمياً، فإذا أخذنا مثلاً التطبيقات الأكثر شهرةً وانتشاراً، مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر"، فإنها جميعاً تطبيقات أميركية، ومن ثم يأتي تطبيق صيني، ويحظى بانتشار واسع، ويكتسح التطبيقات الأميركية، وهذا ما لن تقبله الولايات المتحدة الأميركية التي تريد أن تبقى متربعة على عرش الإنترنت.
كشف تقرير عن ارتفاع ملحوظ في عائدات تطبيق "تيك توك" من مشتريات المستخدمين في التطبيق، إذ تخطى "تيك توك" إجمالي ما حققته الشبكات الأميركية "إنستغرام" و"تويتر" و"سناب شات" و"فيسبوك" بنحو 205 ملايين دولار، وذلك منذ مطلع 2023 حتى الآن.
تطبيق "تيك توك" هو واحد من ضمن قضايا خلافية بين بكين وواشنطن. ترى الولايات المتحدة الأميركية في الصين المنافس الوحيد القادر على تغيير النظام العالمي القائم. لذلك، تسعى بوسائل شتى لتطويقها وإعاقة تطورها.
وفي الآونة الأخيرة، ركّز الرئيس بايدن على تطويق الصين تكنولوجياً، إذ فرض قيوداً على بيع رقائق أشباه الموصلات الأكثر تقدماً ومعدات تصنيع الرقائق للصين، لضمان عدم استمرار تقدمها في مجال أشباه الموصلات، وتضغط واشنطن على الدول الأخرى، مثل اليابان وهولندا، لعدم التعاون مع الصين في مجال الرقائق الإلكترونية.
ويعمل بايدن حالياً على إعداد برنامج يحظر الاستثمار الأميركي في قطاعات معينة في الصين، يمكن أن تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي.
قبل الحرب على تطبيق "تيك توك"، شنّت الولايات المتحدة الأميركية حرباً على شركة "هواوي" الصينية، بذريعة أنها تهدد الأمن القومي الأميركي وتفرض قيوداً عليها، ولكن سبب الهجوم على الشركة الصينية هو أنها كانت تحقق انتشاراً كبيراً في مجال الهواتف الذكية، وأن مبيعاتها تخطت مبيعات "آبل" الأميركية، وأنها احتلّت المركز الأول من حيث بيع الهواتف الذكية، متخطية "سامسونغ" عام 2020.
ونتيجة لعقوبات واشنطن على "هواوي"، تراجع سوق الهواتف الذكية في الشركة وتراجعت إيراداتها. وتخشى شركة "بايت دانس" أن تلقى مصير شركة "هواوي". لذلك، دخلت في مفاوضات مع إدارة الرئيس بايدن للوصول إلى اتفاق حول التطبيق.
وربما سيتوقف مصير الشركة على أداء رئيسها التنفيذي شو زي تشيو عندما يحضر أمام لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب في 23 آذار/مارس الجاري، فمن المتوقع استجوابه في ما إذا كان بإمكان الحزب الشيوعي الصيني الوصول إلى البيانات المستخدمين، وبشأن تأثير التطبيق في الأطفال والمراهقين أيضاً.
يعدّ تطبيق "تيك توك" من أكثر التطبيقات شعبية في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يستخدمه أكثر من 100 مليون شخص. وسيلقى حظر التطبيق معارضة شديدة من الشباب الأميركي الذي يحقق الشهرة والمال من خلاله. وسبق أن رفع عدد من المؤثرين في تطبيق "تيك توك" دعوى ضد قرار الرئيس ترامب حظر التطبيق.
ومع تزايد عدد مستخدمي التطبيق منذ عام 2020 حتى اليوم، فإن حظره سيلقى معارضة واسعة جداً بين الشباب الذين لا يرون أنّه يهدّد بياناتهم، وهم يشكّلون وسيلة ضغط على إدارة بايدن لإعادة النظر في موقفها حيال حظر التطبيق والاستمرار في المفاوضات مع شركة "بايت دانس" الصينية.