تهديد محطّة الفضاء الدوليّة وروّادها.. اتهام أميركيّ حقيقيّ أم هوليووديّ؟
من المعروف أنَّ روسيا كانت دعت منذ أكثر من 40 عاماً إلى وضع اتفاقية لحظر نشر الأسلحة أو استخدام القوة في الفضاء الخارجي، وقدَّمت مقترحاتها للجمعية العامة للأمم المتحدة.
اتّهمت وزارتا الدفاع والخارجية الأميركيتان الدولةَ الروسية بإجراء اختبار "طائش وخطر" للأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية أثناء تدميرها قمراً اصطناعياً سوفياتياً قديماً، وبأنَّ حطامه الفضائي تسبَّب بتهديد سلامة محطة الفضاء الدولية وروادها، ثم تبعتهما فرنسا، عبر صحيفة "لو فيغارو"، بنشر الادعاءات الأميركية، وبإظهار مخاوفها من الأعمال الفضائية التي تقوم بها موسكو.
وبحسب المصادر الصحافيّة لوزارة الخارجية الأميركية والوزير أنتوني بلينكن، أجرت روسيا "بتهور تجارب مدمرة لإطلاق مباشر لصاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية ضدّ أحد أقمارها الاصطناعية"، أدّى إلى ظهور "أكثر من 1.5 ألف حطام تحت المراقبة، ومئات الآلاف من شظايا الحطام الفضائي الأصغر، والتي تهدد الآن مصالح جميع البلدان"، وأبدى بلينكن مخاوفه من أن يتحوَّل الفضاء "إلى ساحة معركة بين القوى الكبرى".
كذلك، زعم رئيس الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية (ناسا)، بيل نيلسون، أنَّ ما حصل "طائش وخطر"، وعرّض طاقم محطة الفضاء الدولية ورواد الفضاء التابعين لها والمحطة المدارية الصينية للخطر، ووصف بالعمل بكونه "غير مسؤول ومزعزعاً للاستقرار"، في حين ادّعى البنتاغون، وتحديداً قيادة الفضاء للقوات المسلحة الأميركية، أن إسقاط روسيا هذا القمر "أدى إلى ظهور الحطام في مدار أرضيّ منخفض، وبأنَّ روسيا تواصل تطوير أنظمة أسلحة مضادة للفضاء، ما يقوّض الاستقرار الاستراتيجي، ويشكّل تهديداً لجميع الدول".
وقد سارعت وزارة الدفاع الروسية إلى نفي الادعاءات الأميركية، ووصفتها بالتصريحات "المنافقة"، وأكَّدت أن الاختبار الذي أجرته وزارة الدفاع الروسية يوم الإثنين، بعلم ويقين من الولايات المتحدة، ناجح من حيث زمن الاختبار والبارامترات المدارية، وأنه لم ولن يشكل تهديداً للمحطات المدارية والمركبات الفضائية والأنشطة الفضائية، وسبق أن قامت الولايات المتحدة والصين والهند بتجارب مماثلة في الفضاء الخارجي، وأن الاتهامات الأميركية تعتبر بمثابة تهديد، ولا بد لموسكو من تعزيز قدراتها الدفاعية.
كما عرضت وزارة الدفاع شريط فيديو يحاكي مسار شظايا القمر المدمر ومدار محطة الفضاء الدولية بناء على معطيات حقيقية، ويظهر حركة الأجسام في مداراتٍ ومساراتٍ مختلفة، ويحدد مسافة بعد المحطة الفضائية الدولية بـ40-60 كم، ما يثبت أنَّ محطة الفضاء الدولية ليست في خطر، إضافةً إلى لقطات مصوّرة تثبت أنَّ الحطام لم يهدد الأقمار الاصطناعية لمحطة الفضاء الدولية، وأن المزاعم الأميركية "غير واقعية".
ومن المعروف أنَّ روسيا كانت دعت منذ أكثر من 40 عاماً إلى وضع اتفاقية لحظر نشر الأسلحة أو استخدام القوة في الفضاء الخارجي، وقدَّمت مقترحاتها للجمعية العامة للأمم المتحدة، وآخرها في أكتوبر/تشرين الأول، وحثَّت جميع الدول على "عدم إنشاء واختبار ونشر أسلحة فضائيّة واستخدامها ضد أهداف على الأرض أو في الجو، والقضاء على مثل هذه الأنظمة التي تمتلكها بعض الدول فعلياً".
كما دعت إلى "عدم اختبار أو استخدام المركبات الفضائية المأهولة لأغراض عسكرية، بما في ذلك تلك المضادة للأقمار الاصطناعية". وعلى العكس تماماً، كانت قد اقترحت في شباط/فبراير فرض حظر دولي على نشر الأسلحة في الفضاء، واستخدام الفضاء "لأغراض إبداعية، لمصلحة البشرية جمعاء" فقط... في الوقت نفسه، يغيب عن الذاكرة الأميركية قيامهم في العام 2008 بإسقاط أحد أقمار التجسس الأميركية بصاروخ تم إطلاقه من المحيط الهادئ وعلى ارتفاع 246 كم فقط.
من المهم التأكيد أنّ اهتمام الإدارة الأميركية لا يرتبط بهذه الاتهامات فقط. ويبدو أنه تخطيطٌ مسبق لسَوْق الاتهامات ضد موسكو وبكين، بالترويج إلى أنّهما يعملان من أجل عسكرة الفضاء وتهديد الأقمار الاصطناعية الأميركية، في سياق الحرب الباردة التي تحرص واشنطن فيها على التصعيد الدائم.
من السّذاجة بمكان أن تدعي واشنطن أن روسيا تخاطر بأرواح رواد الفضاء، في ظل وجود رائدين روسيين في محطة الفضاء الدولية، لإخفاء الاستياء الأميركي من التفوق العسكري والعلمي والتكنولوجي الروسي، وكان عليها البحث عمن يصدق أكاذيبها، في ظل تاريخ الحكومات والرؤساء الأميركيين الشهير في الكذب، فقد تسبَّبت أكذوبة الرئيس جيمس بوك على الكونغرس في العام 1846 باندلاع الحرب المكسيكية الأميركية، وتسبَّبت أكاذيب الرئيس ويليام ماكنلي في العام 1989 باندلاع الحرب الأميركية الإسبانية.
وتبقى الأكذوبة الأشهر في العصر الحديث، تلك التي أطلقها الرئيس جورج بوش الابن، حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، واستخدمه ذريعة لشن الحرب على العراق واحتلاله وتدميره، إضافة إلى فضيحة أو أكذوبة "ووترغايت"، ناهيك بأكاذيب الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن حيال الأسلحة والقنبلة النووية الإيرانية، واتهام سوريا باستخدام الأسلحة الكيميائية عبر تزييف التقارير الأممية، فضلاً عن أكذوبة "محاربة داعش" في سوريا والعراق، في وقتٍ تيقّن العالم مسؤوليتها في صناعته وقيادة أعماله الإرهابية.
ولم تسلم الصين من الأكاذيب والادعاءات الأميركية، فقد اتّهمتها مؤخراً بإقامة قاعدة عسكرية على الحدود الطاجيكية - الصينية، في حين أنّ "القاعدة" ليست عسكرية، وتنحصر مهامها بالأعمال اللوجستية، من خلال اتفاقية أمنية أبرمتها وزارة أمن الدولة الصينية مع وزارة الداخلية الطاجيكية، لإدارة مكافحة الجريمة المنظمة وحماية الحدود.