تفجيرات لبنان.. وأهمية الاستقلال التكنولوجي وأمن سلاسل التوريد
أدى تسليح المعدات المدنية، على نطاق واسع، إلى تغيير "قواعد اللعبة" بصورة كبيرة، وشكل مثالاً سيئاً للغاية للمجتمع الدولي، وأصبح "جهاز النداء يتحول إلى قنبلة" تحدث بالفعل أمام أعيننا، ودق هذا الأمر ناقوس الخطر في العالم.
أكد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أن الصين تدعم لبنان بقوة في حماية سيادته وأمنه وكرامته الوطنية. وبغضّ النظر عن كيفية تغيّر الوضع، ستقف الصين دائماً إلى جانب العدالة، وإلى جانب الأشقاء العرب، بمن فيهم لبنان.
كما ندّد وانغ بـ "الهجمات العشوائية" ضد المدنيين. وجاءت تصريحاته هذه خلال اجتماعه بوزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، في نيويورك، في الـ23 من أيلول/سبتمبر الجاري. وطالب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي بشأن التفجيرات الأخيرة لأجهزة الاتصال في أنحاء لبنان. شهد لبنان، خلال يومي الـ17 والـ18 من أيلول/سبتمتر الجاري، تفجيرات لأجهزة البايجر والاتصال في مناطق متعددة في لبنان، أدت إلى مقتل العشرات، بينهم أطفال ونساء، وإصابة الآلاف.
أثار هذا الأمر إدانة الرأي العام الدولي. وبدوره، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية عن معارضة الصين لأي انتهاك لسيادة لبنان وأمنه، وقلقها من احتمال أن تؤدي هذه الحوادث إلى تصاعد التوترات في المنطقة.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن الانفجارات واسعة النطاق، والمتزامنة لأجهزة الاتصالات في جميع أنحاء لبنان، أمر صادم، وله تأثير غير مقبول في المدنيين. إن استهداف آلاف الأفراد في وقت واحد، سواء كانوا من المدنيين أو أعضاء جماعة مسلحة، من دون معرفة من كان يمتلك الأجهزة المستهدفة أو مواقعها أو محيطها وقت الهجوم، يشكل انتهاكاً لقانون حقوق الإنسان الدولي، والقانون الإنساني الدولي.
أثارت التفجيرات قلقاً في العالم بشأن استخدام الأجهزة الإلكترونية وسلاسل التوريد كسلاح في الصراعات الدولية. لقد أدى تسليح المعدات المدنية، على نطاق واسع، إلى تغيير "قواعد اللعبة" بصورة كبيرة، وشكل مثالاً سيئاً للغاية للمجتمع الدولي، وأصبح "جهاز النداء يتحول إلى قنبلة" تحدث بالفعل أمام أعيننا، ودق هذا الأمر ناقوس الخطر في العالم. من خلال سلسلة الانفجارات هذه، يجب أن ندرك بوضوح النقاط التالية: أولاً، التكنولوجيا سلاح ذو حدين. وعلى رغم أن التكنولوجيا الحديثة جلبت إلينا الراحة والتقدم، فإنها تنطوي أيضاً على مخاطر هائلة.
هناك عدد كبير من الأجهزة المدنية، وخصوصاً الأجهزة الإلكترونية، من المحتمل أن تكون غير آمنة، ويمكن أن يكون كل واحد منا الضحية التالية. لكن اختيار التكنولوجيا المتخلفة لا يوفر الحماية، وخصوصاً للبلد، لا يمكن تحقيق ضمان الأمن القومي وتجنب المخاطر من خلال إغلاق نفسه أمام التكنولوجيا المتقدمة.
ويُعَدّ ذلك السبب الجوهري الذي يجعل الصين تؤيد دائماً "الاستقلال" و"الابتكار المستقل" في مجال التكنولوجيا الفائقة، فقامت الحكومة الصينية بتعزيز "الابتكار المستقل" في الأعوام الأخيرة لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية، وخصوصاً في المجالات الرئيسة، مثل المحركات النفاثة وأشباه الموصلات وأنظمة التشغيل.
يُعَدّ بناء نظام "بيدو" للملاحة مثالاً على ذلك. في الـ23 من تموز/يوليو 1993، أبحرت سفينة الشحن الصينية، "يينخه"، في المحيط الهندي. وفجأةً، فقد نظام الملاحة الإشارة ولم تتمكن السفينة من مواصلة الإبحار. وعلمت لاحقاً بأن الولايات المتحدة أوقفت عمداً إشارة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في هذه المنطقة البحرية.
هذا الأمر عزز عزم الصين على تطوير نظام الملاحة الصيني المستقل، عبر الأقمار الاصطناعية. واستغرق تطوير نظام الملاحة الخاص بالصين 26 عاماً، وأكملت الصين تشكيل نظام الملاحة "بيدو" بالكامل في عام 2020، وله أهمية كبيرة المحافظة على الأمن الوطني الصيني. ثانياً، يجب على الدول التوصل إلى إجماع دولي في إطار الأمم المتحدة، والتزام المبادئ الإنسانية وضميرها، والمقاومة بحزم لاستخدام التقنيات أو المنتوجات المدنية لأغراض عسكرية أو استخبارية، وخصوصاً أدوات الاتصال والمعدات الإلكترونية ووسائل النقل، والتي يتم استخدامها على نطاق واسع من الجمهور.
ويجب ألا تكون هدفاً لهجوم عسكري، ولا يجب تحويلها عمداً إلى مادة متفجرة محتملة، وشن هجوم عشوائي، الأمر الذي يتسبب بوقوع إصابات وسقوط ضحايا واسعة النطاق بين الأبرياء. ثالثاً، أهمية أمن سلاسل التوريد. حادثة تفجيرات البايجر واللاسلكي تسلط الضوء على مدى تعقيد سلاسل التوريد، والعواقب المحتملة التي قد تنتج منها عند اختراقها. ويُظهر هذا الحادث كيف أن أمن سلاسل التوريد لم يعد مسألة تجارية فحسب، بل أصبح أيضاً مسألة استراتيجية ذات أبعاد دولية.
كما خلقت أزمة ثقة ضخمة بسلاسل التوريد العالمية، وشكلت ضربة قوية للعولمة التي واجهت الآن رياحاً معاكسة شديدة. ومن المرجح أن يمُدّ هذا الهجوم ظلال الحرب وأجواء الرعب إلى المجالات الاقتصادية والتجارية، ويقسّم العمل العالمي، وسيكون تأثيره السلبي واسع النطاق وبعيد المدى.
من ناحية أخرى، ما يجب الحذر منه هو أن بعض البلدان يستغل هذه الحادثة ليروّج عمداً نظريةَ تهديدات سلسلة التوريد وإقامة حواجز تجارية غير ضرورية. رابعاً، هذه الحادثة ليست مجرد حادثة تتعلق بالأمن والسلامة، فهي تكشف أيضاً دور التكنولوجيا الجديدة في الحروب والصراعات الحديثة ومخاطرها الهائلة المحتملة، وتشكل مثالاً سيئاً للغاية لتحول سيناريوهات الحرب الحديثة. في هذا المنعطف التاريخي الحرج، نحتاج إلى حماية رفاهية البشرية بصورة مشتركة، ورفض استخدام التكنولوجيات الجديدة في قتل الأبرياء.
كونها داعية سلام وتنمية عالميين، قد يكون للصين دور في تعزيز الأمن والشفافية في سلسلة التوريد العالمية والسماح للتكنولوجيا بإفادة رفاهية الإنسان بصورة أفضل. خلاصة القول، بينما تسعى البلدان لتحقيق الأمن المحلي والنمو الاقتصادي، لا يمكنها أن تتجاهل أهمية أمن سلاسل التوريد والاستقلال التكنولوجي في المستقبل.