تأثير محادثات فيينا في أزمة لبنان والمنطقة
كثرت مؤخَّراً التقارير الغربية والتصريحات الإسرائيلية، والتي تحذّر من مساعدة إيران للبنان، وتُبدي قلقها من هذا الأمر، والتي أتت بعد الخطاب الأخير للسيد نصر الله.
أصبح معلوماً أن توصّل أميركا وإيران إلى اتفاق جديد هو مسألة أسابيع قليلة، مع تذليل أغلب العقبات، بحسب ما أكدته روسيا والصين عبر ممثليهما مؤخَّراً. فبعد وصول الرئيس إبراهيم رئيسي إلى سدّة الرئاسة في إيران، تمّ، في إثْرها، تأجيل الجلسة السابعة من محادثات فيينا، والتي ربما تكون الأخيرة، إلى ما بعد حفل تنصيب الرئيس رئيسي في 5 آب/أغسطس القادم.
فماذا بعد الاتفاق؟
لا شك في أن العقوبات الكثيرة التي فرضتها إدارة ترامب على إيران بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، أدت إلى تقييد الاقتصاد الإيراني. فمن الطبيعي فور إعلان التوصّل إلى اتفاق جديد، أن إيران ستصبح قادرة على تصدير نفطها إلى العالم، وعلى الاستثمار خارج حدودها، وتوقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية مع كثير من الدول الصديقة والحليفة. ومَن أكثر مِن لبنان وسوريا يحتاج إلى هذه الاستثمارات والاتفاقيات التجارية، في ظل ما تعانيه الدولتان جرّاء أزمات اقتصادية خانقة.
في سوريا، قد يكون الأمر أكثر تعقيداً من لبنان، بسبب "قانون قيصر" والحصار الغربي عليها. بينما في لبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة، كثر الحديث مؤخّراً عن احتمالات الارتطام الكبير، الذي قد يَحدث قريباً بسبب السقوط الحر للاقتصاد الذي بدأ في عام 2019.
وبعد كلام السيد حسن نصر الله، أكثر من مرّة، بشأن نيته طلبَ المساعدة من طهران، في حال تقاعس الدولة وبسبب ضعف إمكاناتها في تأمين حاجات اللبنانيين من المشتقات النفطية، فقد يكون موعد وصول هذه المشتقات قاب قوسين أو أدنى، وخصوصاً أن موعد التوصل إلى اتفاق جديد بين أميركا وإيران ورفع العقوبات عن الأخيرة بات قريباً، فلن يكون أمام لبنان الرسمي أيّ عائق أو مبرّر لرفض أي اتفاقية تبادل تجاري مع طهران، يحتاج إليها الشعب اللبناني أكثر من أيّ وقت مضى.
كثرت مؤخَّراً التقارير الغربية والتصريحات الإسرائيلية، والتي تحذّر من مساعدة إيران للبنان، وتُبدي قلقها من هذا الأمر، والتي أتت بعد الخطاب الأخير للسيد نصر الله الذي أعلن فيه صراحة أن كل شيء متعلق بالمساعدات الإيرانية للبنان، من مشتقّات نفطية وغيرها، بات جاهزا للتنفيذ والتحرك. وليس غريباً بعد القلق، إسرائيلياً وغربياً، أن تتضاعف اللقاءات الدبلوماسية في لبنان وخارجه لإيجاد حل سياسي لأزمته الحكومية. ونذكر أهمها اللقاء الذي جمع وزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية في إيطاليا، والذي تبعه لقاء جمع السفيرتين الأميركية والفرنسية ومسؤولين سعوديين في الرياض، عدا عن وصول وفد اقتصادي فرنسي، بالإضافة إلى لقاء مستشار الرئيس ماكرون رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في الضاحية الجنوبية.
فكلّما اقترب موعد تنفيذ السيد نصر الله وعده ، ازدادت رغبة المجتمع الغربي في إيجاد حلّ عاجل لأزمة لبنان، سياسياً واقتصادياً. فكيف إذا تم توقيت وصول المساعدات الإيرانية إلى لبنان مع رفع العقوبات عن طهران؟ مَن يستطيع حينها عرقلة وصولها، وبأي حجة؟
ولا نستغرب تفاؤل رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" محمد رعد، في تصريح له قبل أيام، مردّه إلى أن الأزمة في لبنان شارفت على نهايتها. فمع اقتراب موعد رفع العقوبات عن إيران وجهوزية حزب الله، بالتنسيق مع طهران، في استقبال المساعدات، يصبح القلق، إسرائيلياً وغربياً، واقعياً. وهذا المطلوب.
عمل حزب الله منذ سنوات طويلة، بسبب تراكُم خبراته منذ دخوله دهاليز السياسة في لبنان والمنطقة، على تعزيز قدراته الدبلوماسية والسياسية، لتصبح متكاملة مع مستوى قدراته العسكرية الكبيرة. فبات حزباً سياسياً يمتلك من الدبلوماسية والعلاقات الخارجية ما يخوّله أن يترجم إنجازاته العسكرية في السياسة بطريقة فعّالة، بأقلّ الخسائر الممكنة وأقصر الوسائل. وما ستؤول إليه الأمور في لبنان، من تطورات كثيرة ومتسارعة في الأسابيع والأشهر المقبلة، سيكون خير دليل على مدى دقة التخطيط وسريّة العمل وجديّة التنفيذ.
فبعد أن تُرِك لبنان لمصيره، لأكثر من عام ونصف عام بعد حراك 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، واستقالة الحريري في إثره، في ظلّ تخلّي المملكة العربية السعودية عن البراغماتية وتطرُّف موقفها تجاه لبنان تماهياً مع خطة ترامب - نتنياهو لتدجين المنطقة العربية وسَوقها إلى التطبيع عبر كل الوسائل، لم يعد أمام هذه الدول اليوم إلاّ خيار تسهيل إيجاد حلول سياسية واقتصادية لمشاكل لبنان والمنطقة، لأن هناك دولاً مترابطة جغرافياً، قادرة على أن تستغلّ سياسة الانكفاء، غربياً وعربياً، لتملأ الفراغ، ولتبني دولاً متكاملة فيما بينها، سياسياً واقتصادياً.
في الخلاصة، إذا كان المجتمع الغربي جِدياً في المحافظة على مصالحه الحالية والمستقبلية في دول شرقي المتوسط، فعليه أن يعمل جديّاً على إرساء نوع من الاستقرار في هذه المنطقة، سياسياً واقتصادياً، عبر احترام إرادة شعوبها، والتخلّي عن سياسة الضغوط القصوى والفوضى والحصار الاقتصادي.