الوكالة الدوليّة للطاقة الذرية والرقص على حافة الهاوية
كأنَّ الأجواء الإيجابية التي رافقت الجولتين السابعة والثامنة تحوّلت إلى سماء ملبدة بغيوم سوداء تنذر بعاصفة من التصعيد في المنطقة.
يتعقّد المشهد المحيط بمصير المفاوضات النووية في فيينا أكثر فأكثر. وكلَّما طال الوقت لاستئناف المفاوضات المعلقة منذ قرابة 3 أشهر اتسعت المسافة التي تفصل الجميع عن لحظة إعادة إحياء اتفاق عام 2015، وهي اللحظة التي تتقاطع فيها مصالح أطراف الاتفاق النووي، رغم تعارضها في ملفات أخرى، والتي كانت سبباً من أسباب إعادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقارب الساعة إلى الوراء، وتوجيه الضربة القاضية إلى مسار طويل من المفاوضات بدأ عام 2003، وأسفر عن إبرام الاتفاق النووي.
انسحب ترامب من المشهد السياسي تاركاً إرثاً ثقيلاً لخلفه جو بايدن، بعدما فخّخ طريق العودة إلى الاتفاق مع إيران بالألغام، كإدراجه حرس الثورة الإيراني في قائمة الإرهاب الأميركية، وفرضه عقوبات اقتصادية خارج إطار الاتفاق النووي، لتقييد الحكومة الأميركية وعرقلتها قدر الإمكان عن العودة إلى الاتفاق بسهولة.
ولعلَّ هاتين القضيتين تشكلان العقبة الأبرز أمام تحقيق اختراق حقيقي يؤدي إلى التوصل إلى اتفاق في المفاوضات. تقول أميركا إنها جاهزة للعودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات المرتبطة به فقط، وتصرّ إيران على رفع العقوبات بشكل مؤثر ومفيد، وترى أنَّ إبقاء حرس الثورة في لائحة الإرهاب سيتيح لأميركا فرض عقوبات على مؤسسات عديدة في إيران تتعامل مع الحرس الذي يدير أجزاء مهمة من الاقتصاد الإيراني.
لم تفلح زيارات إنريكي مورا، منسق الاتحاد الأوروبي في مفاوضات فيينا، ونقله الرسائل بين الطرفين، والمساعي التي تقوم بها قطر في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، وكأنّ الأجواء الإيجابية التي رافقت الجولتين السابعة والثامنة تحوّلت إلى سماء ملبّدة بغيوم سوداء تنذر بعاصفة جديدة من التّصعيد والتّوتر في المنطقة.
يشكّل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي يعيد بعد سنوات فتح ملف 3 مواقع إيرانية (وجد فيها مفتشو الوكالة ذرات نووية) منعطفاً مهماً في مرحلة حساسة ودقيقة تمرّ بها المفاوضات النووية، تريده الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية رسالة تحذيرية وأداة ضغط على إيران للموافقة على الشروط الأميركية والسير قدماً باتفاق ضمن رؤية البيت الأبيض، لكن مع الحرص على إبقاء أبواب الحوار والدبلوماسية مشرعة خوفاً من تعميق الهوّة، بما يؤدي إلى خلق بؤرة توتر أخرى في منطقة المياه الخليجية الاستراتيجية، سيكون العالم، وخصوصاً الأوروبيين والأميركيين الذين يعانون تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، في غنى عنها، فيما تعتبره طهران اجتماعاً مفصلياً للكشف عن حقيقة النيات الغربية ومدى جديتها في التوصل إلى اتفاق منطقي يضمن مصالح الأطراف جميعها، ومدى استقلالية الوكالة الدولية عن الضغوط الأميركية والإسرائيلية، فإما تؤدي نتيجة الاجتماع إلى مواصلة المفاوضات، وإما تزيد الأمور تعقيداً إلى الحد الذي سيدفع طهران إلى الرد عليها.
وقد يتخطى الردّ الإيراني البيانات الدبلوماسية والتقنية التي ستصدر عن الخارجية أو منظمة الطاقة النووية الإيرانية إلى ما هو أبعد من ذلك، ضمن مروحة خيارات تمتلكها طهران في حال قرر مجلس المحافظين إحالة الملف إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، وهذا مستبعد حالياً، ولا سيما أن إدارة بايدن لن تحصل على موافقة جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وستُواجَه بفيتو روسي وصيني هذه المرة.
أما الخيارات الإيرانية فهي:
- إعادة النظر في المفاوضات النووية.
- تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو إيقافه.
- رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90%.
- الانسحاب من معاهدة الحد من الانتشار النووي.
- الخروج من البروتوكول الإضافي.
لكن هذه الخيارات ستبقى مؤجلة في الوقت الراهن، بانتظار أن يتخذ الأميركيون والأوروبيون الخطوة الأولى التي لا تبدو وشيكة.