اللاجئون الأفارقة والوجه الآخر للديمقراطية الأوروبية (1/2)
هروباً من تحمّل المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية، قفزت دول الاتحاد الأوروبي نحو تقنين الإجراءات العنصرية التي تقوم بها لمواجهة تدفق الهجرة، وتحديداً الجزئية المتعلقة بمنع وصول اللاجئين إليها.
كشف تقرير نشره التحالف الصحافي "لايتهاوس ريبورتس"، في 21 أيار/ مايو 2024، حقيقة مريرة يعيشها المهاجرون الأفارقة في دول العبور: تونس والمغرب وموريتانيا، وأكد التحقيق الاستقصائي أن "سلطات هذه الدول تقوم بترحيل المهاجرين إلى الصحراء وتتخلى عنهم هناك، وذلك بمساعدة تمويلات تتلقاها من الاتحاد الأوروبي".
وجاء في التحقيق الاستقصائي الذي نشره التحالف الصحافي "لايتهاوس" بالتعاون مع عدة وسائل إعلام، من بينها جريدة "لوموند" و"واشنطن بوست"، أن "أوروبا تدعم وتموّل وتشارك بشكل مباشر في عمليات سرية في دول من شمال أفريقيا لنقل عشرات الآلاف من السود، وتركهم في الصحراء أو مناطق نائية كل عام لمنعهم من القدوم إلى الاتحاد الأوروبي".
واعتمد التحالف الصحافي على مقابلات مع أكثر من 50 مهاجراً من ذوي البشرة السوداء، ومن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا، طردوا من بلدان شمال أفريقيا الثلاثة المغرب وتونس وموريتانيا. وتحدث التحقيق عن "نظام تهجير جماعي يدار بفضل أموال ومركبات ومعدات ومعلومات استخبارية وقوات أمن يوفرها الاتحاد الأوروبي".
أوروبا ودول شمال أفريقيا تفاهمات مقابل المساعدات
يُذكر أن الاتحاد الأوروبي أبرم اتفاقيات تعاون مع الدول الثلاث (المغرب، تونس، موريتانيا) تتضمن توفير التمويل على نحو واضح لتعزيز قدراتها على الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، إذ خصصت بروكسل 150 مليون يورو أي ما يناهز 160 مليون دولار لتونس و210 ملايين يورو لموريتانيا و624 مليون يورو للمغرب بموجب هذه الاتفاقيات.
وتحرك الاتحاد الأوروبي في عدة اتجاهات لإحكام غلق منافذ الهجرة إلى بلدانه، وتم ربط ميثاق بروكسل لإصلاح نظام الهجرة واللجوء الذي أقرّ أواخر عام 2023 بإجراءات أخرى وقائية تحد من وصول المهاجرين غير النظاميين عبر تقديم إغراءات مالية ولوجستية لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط المتعثرة اقتصادياً.
وبعد تونس وموريتانيا، وقّع الاتحاد الأوروبي في 17 آذار/ مارس 2024، اتفاقية مع القاهرة بهدف دعم السلطات المصرية لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين وتحسين ظروف استقبال اللاجئين على أراضيها، حيث تقدر منظمة الهجرة الدولية وجود نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ، بما في ذلك 4 ملايين سوداني و1.5 مليون سوري.
وأقر الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات لمصر بقيمة 8 مليارات دولار في شكل منح وقروض حتى عام 2027 لمساعدتها اقتصادياً، ويتخوف الاتحاد أساساً من أن يؤدي الصراع في السودان والحرب الإسرائيلية على غزة إلى تفاقم المشكلات المالية والاقتصادية في مصر، وبالتالي زيادة ضغوط الهجرة على أوروبا.
وكان الاتحاد الأوروبي قد وقّع مع موريتانيا في 7 آذار/ مارس 2023 إعلاناً للتعاون المشترك في مجال محاربة الهجرة غير النظامية يشمل عدة بنود، من بينها منع تدفق المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، وخصوصاً إسبانيا، وكذلك إعادة المهاجرين الموريتانيين الذين لا يتمتعون بحق الإقامة على التراب الأوروبي.
وينص الاتفاق أيضاً على تعزيز التعاون مع وكالة حرس الحدود والسواحل الأوروبية (فرونتكس) مقابل الحصول على مساعدات تتجاوز 522 مليون يورو، إضافة إلى مشاريع في قطاع النقل والطاقة، لكن الاتفاق يثير مخاوف الموريتانيين من أن يكون مقدمة لتوطين المهاجرين غير النظاميين في البلاد.
وفي 16 تموز/ يوليو 2023 وقّع الاتحاد الأوروبي "مذكرة التفاهم بشأن الشراكة الاستراتيجية والشاملة" مع تونس تنص بدورها على مساعدة بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، فضلاً عن مساعدة مالية مباشرة بقيمة 150 مليون يورو، وتهدف الاتفاقية بالأساس إلى الحد من وصول المهاجرين من تونس إلى سواحل إيطاليا، وخصوصاً جزيرة لامبيدوزا.
تقنين العنصرية الأوروبية بإجراءات جماعية
بحث الدول الأوروبية عن حلول جديدة لمواجهة تحديات الهجرة قد يكون مفهوماً، ولا سيما أن طلبات اللجوء قد تخطت المليون طلب خلال عام 2023.
لكن غير المفهوم هو تحايل الدول الأوروبية على إجراءات مواجهة الهجرة؛ بالاتفاق غير المتوازي مع دول شمال أفريقيا واستغلال حاجتها إلى الدعم المالي والتمويل لتقوم بمهمة وقف تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط، بغض النظر عن الطريقة والآلية اللتين تتم بهما عمليات مواجهة التدفق ما دامت لا تتم على الأراضي الأوروبية.
هروباً من تحمّل المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية، قفزت دول الاتحاد الأوروبي نحو تقنين الإجراءات العنصرية التي تقوم بها لمواجهة تدفق الهجرة، وتحديداً الجزئية المتعلقة بمنع وصول اللاجئين إليها، ودارت مؤخراً نقاشات اختتمت بحزمة قوانين تهدف إلى تشديد إجراءات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي وإحكام السيطرة على الحدود.
وفي 14 أيار/ مايو 2024، توصل مجلس الاتحاد الأوروبي إلى إتمام إصلاح أساسي لإجراءات اللجوء في الاتحاد الأوروبي. ويهدف الاتفاق المعروف باتفاقية الهجرة، والتي تتألف من عشرة قوانين، بشكل رئيسي إلى خفض أعداد الوافدين الجدد، وتسريع إجراءات اللجوء، ونقلها إلى الحدود الخارجية.
ويتوقع الاتفاق أن يتم ترحيل الأشخاص بشكل أسرع في المستقبل إلى الدول التي تم تصنيفها آمنة، سواء كانت دول المنشأ أو دول العبور وكلتاهما دول أفريقية.
لتحقيق ذلك، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى المزيد من الاتفاقيات مع الدول غير الأعضاء، لكي تقبل هذه الدول بإعادة قبول المهاجرين المرفوضين.
هذه الإجراءات وتلك الاستدارة الأوروبية للتخلص من اللاجئين الأفارقة بشتى الطرق، تأخذ عند البحث فيها تفاصيل موغلة في العنصرية والأبعاد اللاإنسانية؛ وهي بالمناسبة ممتدة في السلوك الأوروبي العنصري تجاه اللاجئين الأفارقة؛ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ اتهمت صحيفة "الغارديان" البريطانية الدول الأوروبية بشن "حملة قمع قاسية لا تحتمل" ضد المهاجرين غير الشرعيين في تونس، وقالت في افتتاحيتها إن الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود، يمثل تقصيراً أوروبياً في أداء الواجب تجاه المهاجرين. ودانت الصحيفة الصفقة التي أبرمتها دول أوروبية مع الحكومة التونسية لمنع تدفق المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا.
وبحسب مراسل "الغارديان"، فإن أكثر من 4000 لاجئ تم احتجازهم ثم إلقاؤهم في مناطق صحراوية نائية على حدود تونس مع ليبيا والجزائر. وقالت الصحيفة إن "التواطؤ الجبان في انتهاكات حقوق الإنسان، باسم الحدود الآمنة"، يشكل خيانة للقيم التي تدافع عنها أوروبا.