الصين والولايات المتحدة.. المسار الصحيح لعلاقات البلدين

الصين لم ترغب في التنافس مع الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى من أجل الهيمنة العالمية، بل هي تريد بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، وتدعو إلى التضامن والازدهار والتعاون لتحقيق التنمية العالمية.

0:00
  • تعرب الصين دائماً عن استعدادها للعمل مع واشنطن.
    تعرب الصين دائماً عن استعدادها للعمل مع واشنطن.

في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ تهانيه إلى دونالد ترامب بمناسبة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. وسيتم تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/ يناير 2025. إلى أين ستتجه العلاقات الصينية-الأميركية، سؤال يشكل قلقاً كبيراً لشعبَي البلدين، ويحظى باهتمام بالغ من المجتمع الدولي.

في السنوات الماضية، حاولت الولايات المتحدة الأميركية محاصرة الصين وتطويقها وإعاقة نموّها وتطوّرها عبر اتباع أساليب متنوّعة، منها تقييد تصدير الرقائق الإلكترونية المتطورة إلى الصين، وفرض قيود جديدة على الاستثمارات الأميركية في البلاد، والتضييق على الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة الأميركية، وتشكيل الأحلاف والتكتلات كتحالف "أوكوس" الذي يضم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا، وعقدها قمماً مع الفلبين واليابان ومع اليابان وكوريا الجنوبية بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والدفاعية في مواجهة الصين، فضلاً عن التدريبات العسكرية التي تجريها مع حلفائها في المنطقة، ناهيك بالدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لجزيرة تايوان التي تعدّ جزءاً لا يتجرأ من الصين. 

ومن جهتها، تشدد بكين دائماً على ضرورة التعاون بين البلدين بدل التنافس، وتدعو إلى الاحترام المتبادل والعيش السلمي، وتندّد بعرقلة الولايات المتحدة الأميركية حقوق الصين المشروعة في التطور، وترفض عقلية الحرب الباردة، والمنافسة غير الصحية، وتسعى إلى تحقيق التقدم والنمو والازدهار والرخاء التي هي من الحقوق المشروعة لجميع الدول. 

فمن حقوق الصين أن تسعى إلى التقدم والتطور وتحقيق التنمية، وأن تقيم علاقات ودية مع مختلف دول العالم. وليس من حق أي دولة أن تمنعها من ممارسة حقوقها كدولة ذات سيادة واستقلال تسعى إلى تأمين الرفاهية لشعبها وشعوب العالم، والعيش بسلام بعيداً من منطق استخدام القوة وفرض العقوبات.

ودائماً، يحث الرئيس الصيني شي جين بينغ المسؤولين الأميركيين، على ضرورة التعاون مع الصين. فخلال لقاءاته مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن شدد الرئيس شي على أنه لا ينبغي لأي طرف أن يفرض إرادته على الطرف الآخر أو يحرمه من حقه المشروع في التنمية. ورأى أن العلاقات بين البلدين يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين.

العالم اليوم يعتمد على بعضه البعض، وتتشابك فيه مصالح الدول. وأظهرت الأحداث التي شهدها العالم من أزمات وحروب وأوبئة وتوترات وانهيارات اقتصادية كيف أن تأثيرها قد طال العديد من دول العالم، لذلك يجب على الدول أن تتعاون مع بعضها البعض لمعالجة المشكلات والصعوبات والعوائق التي تعترضها من أجل تحقيق نتائج مفيدة للجميع.

وبما أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر اقتصاد في العالم والصين هي ثاني أكبر اقتصاد، فإن الإضرار بالعلاقات بينهما لا يؤثر في اقتصاد البلدين فقط، بل في الاقتصاد العالمي أيضاً، لذلك يجب عليهما أن تكونا شريكتين وتساعدان بعضهما البعض على النجاح بدلاً من وضع العقبات؛ لأن تراجع الاقتصاد الصيني سينعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي، والأمر نفسه في حال تراجع الاقتصاد الأميركي؛ نظراً إلى تداخل اقتصاد البلدين.

تعرب الصين دائماً عن استعدادها للعمل مع الولايات المتحدة الأميركية بصرف النظر عما إذا كانت إدارة ديمقراطية أو جمهورية. فمثلاً، خلال إدارة الرئيس الأميركي جورج بايدن الديمقراطية، وصلت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية إلى منعطف خطير بسبب أفعال واشنطن الاستفزازية تجاه الصين، ولكن حاول الطرفان البحث عن صيغة تفاهم بينهما كي لا تنزلق العلاقات بينهما أكثر وتتحوّل المنافسة إلى صراع، ودائماً تحث الصين الولايات المتحدة الأميركية على ملاقاتها في منتصف الطريق والعمل يداً بيد لما فيه خير البشرية جمعاء.

وإذا كانت الولايات المتحدة تقول إنها تريد التعاون وتعترف بمبدأ الصين الواحدة، لكنها في المقابل، لا تفعل ما تقول، بل تدعم تايوان عسكرياً وتفرض القيود على الرقائق الإلكترونية والاستثمارات الأميركية في الصين وغيرها من الأفعال التي تناقض ما تقوله أمام المسؤولين الصينيين.

في اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الصيني بالرئيس الأميركي جو بايدن على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) الشهر الماضي، قال الرئيس شي إن الصين مستعدة للعمل مع الادارة الأميركية الجديدة للرئيس دونالد ترامب الذي هدد بفرض تعريفات جمركية على السلع الصينية. 

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم فوز ترامب في الانتخابات، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ إن الصين تحترم اختيار الشعب الأميركي، مؤكدة أن سياسة بلادها تجاه الولايات المتحدة ثابتة، وستستمر الصين في النظر إلى علاقاتها مع الولايات المتحدة والتعامل معها وفقاً لمبادئ الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين.

على الرغم من الخلافات العميقة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، فإنه يمكن للبلدان أن يتعاونا في أمور ومجالات عديدة تشمل التجارة والزراعة والطاقة والذكاء الاصطناعي والصحة العامة والعلوم والتعليم. وقد سبق التعاون بين البلدين في مجالات مختلفة منها مثلاً التعاون في مكافحة المخدرات وإنتاج الفنتانيل. فبعد عقد عدة اجتماعات بين الجانبين للتعاون في مجال مكافحة المخدرات، أعلنت الصين عن فرض قيود على المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل. ومؤخراً، وقّع البلدان اتفاقاً جديداً للتعاون العلمي والتكنولوجي لمدة خمس سنوات بعد مفاوضات استمرت أشهراً بهدف تجديد الاتفاق الذي وقّع لأول مرة عام 1979.

كما يتعاون البلدان لوضع أسس آمنة لأنظمة الذكاء الاصطناعي والتقليل من مخاطرها. فقد تم خلال لقاء الرئيسين الصيني والأميركي في البيرو الشهر الماضي الاتفاق على اتخاذ قرارات بشأن استخدام الأسلحة النووية التي يجب أن تكون بواسطة البشر وليس الذكاء الاصطناعي. كما تمّ مؤخراً تبادل السجناء بين البلدين بعد مشاورات جرت بينهما. 

تفكر الصين دائماً بالعمل على تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، بعيداً من عقلية الحرب الباردة وعلى أساس العيش المشترك والتعاون والتضامن والمنفعة المتبادلة، بينما الولايات المتحدة تسعى إلى إعاقة نمو الصين.

الحرب بين بكين وواشنطن محصلتها صفر. والصين لم ترغب في التنافس مع الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى من أجل الهيمنة العالمية، بل هي تريد بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، وتدعو إلى التضامن والازدهار والتعاون لتحقيق التنمية العالمية وبناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن العالمي.