الحرب الجديدة.. السايبر الإيراني يُقلق "تل أبيب"
لا شكّ في أنَّ الحرب السيبرانية مفتوحة وتتصاعد في ظلِّ تطور البرمجيات والأدوات الاختراقية، إلا أنّ "إسرائيل" التي تعتبر الأكثر تقدماً من حيث الاعتماد على التكنولوجيا، ربما تكون الخاسر الأكبر خلال المرحلة المقبلة.
خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت الأحداث التي تشير بشكل واضح إلى أنَّ الحرب السيبرانية بين إيران وكيان الاحتلال تتصاعد بشكل غير مسبوق، وتصل إلى مراحل تؤثر بشكل فعلي في مصالحهما التجارية والاقتصادية، فيما يمكن ملاحظة الضربات المتبادلة بين الطرفين بشكل ملحوظ، والتي تمسّ أجزاء حيوية.
وتعدّ الحرب السيبرانية أحد أحدث أنواع الحروب في العقود الأخيرة، في ظلّ تجنّب الدول الكبرى الدخول في المواجهات العسكرية المباشرة، ويقدّر صانعو القرار أنَّ مثل هذه العمليات تحمل تأثيراً كبيراً في الأعداء من دون إطلاق ردود أفعال خشنة.
وهنا، يمكن استعراض أبرز الهجمات المتبادلة بين إيران وكيان الاحتلال خلال الفترة الأخيرة، إذ كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية الشهر الماضي أنّ خبراء إسرائيليين في مجال الأمن السيبراني يرجّحون أن إيران قد تكون وراء هجوم إلكتروني على شركة "فوي سنتر" التي تخدم الأسماء الرئيسة في التكنولوجيا الإسرائيلية، إذ تمكّنت المجموعة المخترقة من الاستيلاء على 15 تيرابايت من المعلومات من الشركة وشركات إسرائيلية أخرى، ثم عرضت البيانات عبر الإنترنت مقابل 1.5 مليون دولار.
مطلع الشّهر الجاري، أفادت "Cybereason Labs" الإسرائيلية بأن مجموعة إيرانيّة تعرف باسم "MalKamak" نفّذت سلسلة من الهجمات المتطورة في محاولة للحصول على معلومات حساسة والتجسس على أهداف مختلفة في "إسرائيل" والشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا، لافتةً إلى أنه خلال التحقيق تم العثور على روابط محتملة مع مجموعات إيرانية أخرى، لكنَّ التحقيق أكّد أنّ طريقة عمل المجموعة الفريدة تميّزها عن المجموعات الأخرى.
الأحداث الأخيرة تشير إلى أنّ هناك تطوراً إيرانياً كبيراً في مجال حرب السايبر، إذ إن "إسرائيل" التي تتغنى طيلة السنوات الماضية بقدراتها التقنية والسيبرانية، بما في ذلك التجسّس على الهواتف وبيع برامج للدول للتجسس، كما حدث في فضيحة شركة "NSO" عبر برنامجها "بيغاسوس"، تذوقت من الكأس ذاته بيد إيرانية، وتجد أنَّ قدراتها الدفاعية في هذا الإطار ليست كما يجب، وأن حجم الضرر الذي تتعرض له يزداد يوماً بعد يوم.
في المقابل، الهجوم السيبراني الذي تعرضت له إيران خلال الأيام الأخيرة، والذي أدّى إلى تعطيل 3 قطاعات، هي "محطات الوقود واللوحات الإعلانية وصرافات البنوك"، يشير بشكل واضح إلى حجم الأذى والضرر الكبير الّذي تعرَّض له كيان الاحتلال خلال الفترة الأخيرة، وخصوصاً الهجوم الذي استهدف العديد من الشركات والمراكز الحيوية فيه، بما فيها محطة كهرباء عسقلان.
لا شكّ في أنَّ الحرب السيبرانية مفتوحة وتتصاعد في ظلِّ تطور البرمجيات والأدوات الاختراقية، إلا أنّ "إسرائيل" التي تعتبر الأكثر تقدماً من حيث الاعتماد على التكنولوجيا، ربما تكون الخاسر الأكبر خلال المرحلة المقبلة، في ظلِّ التركيز الكبير على الحرب السيبرانية من قبل فرق الحرب السيبرانية التابعة للجمهورية الإسلامية.
تطوّر الحرب السيبرانية بين "إسرائيل" وإيران خلال الفترة المقبلة قد يؤدّي بشكل واضح إلى المزيد من التهديدات المتبادلة، كما حدث عندما طلب وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس في العام 2020 خلال اتصاله مع وزير الدفاع الروسي سيرغي لافروف نقل تهديدات إلى إيران بعد هجوم سيبراني اتهمت الأخيرة بالوقوف وراءه، وأدى إلى إيقاف منشآت حيوية في "إسرائيل".
مراقب الهجمات السيبرانية المتبادلة بين الطرفين يرى أنّ كيان الاحتلال يخرج بعد كلّ هجوم كبير يتعرّض له، ليقول إنه وجه ضربات موجعة عبر السايبر لإيران؛ ففي أيار/مايو 2020، بعد إيقاف المنشآت الحيوية في كيان الاحتلال، صرحت مصادر مقربة من وزير الأمن بيني غانتس أن وحدة السايبر الإسرائيلية ردت بقوة على ذلك الهجوم، وشلّت حواسيب الميناء المركزي في بندر عباس في إيران.
من ناحية أخرى، على الرغم من الهجمات الكبيرة التي يتعرض لها الاحتلال في مجال الحرب السيبرانية، فإنَّه يحاول دائماً إخفاء الكثير من المعلومات حول طبيعة هذه الهجمات، كما يحاول أن يظهر بأنه صاحب قدرات دفاعية سيبرانية كبيرة، بهدف عدم إغراء أطراف أخرى لتنفيذ هجمات مماثلة عليه، وأيضاً للحفاظ على هيبته "بوصفه دولة متقدمة في المنطقة" تغري العديد من الدول في المنطقة العربية وأفريقيا للاقتراب والتطبيع معها للحصول على التقنيات الإسرائيلية المتقدمة.
من وجهة نظر الاحتلال، إن الهجمات السيبرانية الأخيرة تجاه إيران تهدف إلى المساس بالمواطنين الإيرانيين وحياتهم الخاصة، لدفعهم إلى الضغط على النظام الايراني، بعد فشل الهجمات السيبرانية ضد المنشآت الحيوية والنووية الإيرانية في تنفيذ هدفها والضغط على إيران لوقف برنامجها النووي، إذ إنّ التكتيكات التي يتغنى المستوى السياسي في الاحتلال بنجاحها في مواجهة إيران، يجد أنها فاشلة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، نتيجة النفس الطويل الذي يتمتع به الإيرانيون.
العقيدة الجديدة لدى الاحتلال، والتي تهدف إلى المساس بالحاضنة الشعبية للنظام الإيراني، هي العقيدة الفاشلة نفسها التي يستخدمها الاحتلال تجاه محور المقاومة في سوريا ولبنان وقطاع غزة، وهي السياسة الفاشلة نفسها التي تعتبر البديل للمواجهات العسكرية المباشرة، التي تدل بشكل دائم على تهرب هذا الاحتلال من المواجهة الحقيقية.