الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.. فشل فاق التوقعات
يبدو أن الأحداث في المنطقة تتجه نحو المزيد من التصعيد، وبالتالي زيادة احتمالات توسع نطاق الحرب، وهو أمر، فيما لو حدث، لن يستطيع أحد التنبؤ بمآلاته وحجم الدمار الذي سينجم عنه.
لم يكن نجاح عملية طوفان الأقصى وحده هو ما فاق التوقعات، بل كان الفشل الإسرائيلي في قطاع غزة أكثر مما هو متوقع أيضاً. عند بدء عملية طوفان الأقصى، لم يكن أحد يعتقد أن من الممكن تحقيق النتائج التي حدثت على أرض الواقع، لجهة هزيمة الكيان الصهيوني وكشف عورته أمام العالم أجمع.
انتهت عملية طوفان الأقصى في اليوم الذي بدأت فيه، وسجلت نصراً حاسماً لحركة حماس على الكيان الصهيوني المحتل.
لقد كان يوم السابع من أكتوبر بمنزلة "النكسة" بالنسبة إلى كيان الاحتلال؛ نكسة شكلت بداية النهاية لهذا الكيان، وكسراً لأسطورة "الجيش الذي لا يقهر". العملية العسكرية الصهيونية ضد المدنيين في قطاع غزة كانت استكمالاً لتاريخها الحافل بالجرائم والتجاوزات بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
أثبتت تلك العملية ومنذ يومها الأول ضعف الجيش الصهيوني الذي لم يكن يمتلك أي أهداف حقيقية ليصب عليها جام حقده وغضبه، انتقاماً لهزيمته التي غيرت نظرة العالم إلى "إسرائيل" ودورها المزعوم كأداة متقدمة لحماية المصالح الغربية في المنطقة.
حالة الضعف الإسرائيلي أجبرت الولايات المتحدة على إعادة إرسال أساطيلها إلى المنطقة، لرفع معنويات الكيان من جهة، وللحيلولة دون توسع الحرب خوفاً من أن تكون "حرب التحرير الكبرى" التي لم يعد الحديث عنها ضرباً من ضروب الخيال.
الانتقال بالحرب من مرحلة إلى أخرى
بعد مرور نحو 3 أشهر على بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كان الفشل هو السمة الأبرز لتلك الحرب، وهو ما جعل الاستمرار بها أمراً غير وارد، لأسباب داخلية إسرائيلية، وعجز أميركي عن الاستمرار في تزويد "إسرائيل" بما تحتاجه لاستمرارها.
الخلافات الداخلية في "إسرائيل" وتردي الأوضاع الاقتصادية جعلا التفكير في ضرورة وقف تلك الحرب المفتوحة أمراً لا مناص منه، وهو ما جعل المتحدث باسم "جيش" الاحتلال الإسرائيلي يعلن عن نية "إسرائيل" تسريح جنود الاحتياط لأسباب اقتصادية.
ترافق ذلك مع دعوات أميركية لحكومة الاحتلال بضرورة وقف تلك الحرب، والانتقال إلى مرحلة أخرى قوامها تنفيذ عمليات محددة تستهدف قادة حماس وترك أثر معنوي لدى جيش الاحتلال.
الانتقال إلى مرحلة الاغتيالات هو العنوان الأبرز لتطورات تلك الحرب، وهو ما ينذر بحتمية توسعها، وخصوصاً أنها استهدفت قيادات مهمة لمحور المقاومة في سوريا ولبنان، وتبعتها تفجيرات ضخمة في إيران.
الاغتيالات جزء من التفكير الإسرائيلي، ففي سوريا جرى اغتيال العميد رضى موسوي؛ القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، ليتبعه اغتيال صالح العاروري؛ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت.
العاروري شخصية سياسية، وليس شخصية عسكرية. وقد تم اغتياله في منزله الذي يعيش فيه، وهو ما يجعل ما قامت به "إسرائيل" يرقى إلى مستوى جريمة حرب مكتملة الأركان.
عملية الاغتيال هذه لن تمر بسهولة، وستكون تأثيراتها أكبر من مجرد عملية اغتيال شخصية قيادية في حماس، فالعاروري من الضفة الغربية، وليس من غزة، وهذا سيعني زيادة التوتر في الضفة وزيادة انخراط فصائل المقاومة فيها للتصدي للعدوان الإسرائيلي، وهو أحد الخطوط الحمر التي تحاول حكومة العدو، وتحديداً الخط العسكري فيها، عدم الوصول إليها.
كما أن العاروري معروف باعتداله وبعلاقاته الجيدة مع كل الأطراف الفلسطينية، وبالتالي تجاوز كونه محسوباً فقط على حركة حماس، بدليل البيانات التي نعته من كل فصائل المقاومة، وفي مقدمتها شخصيات قيادية من فتح.
اغتيال العاروري ستعتبره فصائل المقاومة، داخل فلسطين وخارجها، مؤشراً على استمرار سياسية الاغتيالات الصهيونية، وستكون هناك محاولات لاغتيال شخصيات أخرى، سواء فلسطينية أو من فصائل المقاومة الأخرى، وخصوصاً أن العملية جاءت بعد اغتيال العميد رضا الموسوي في دمشق، وهو ما سيعني الاستنفار الحقيقي عند فصائل المقاومة أولاً للرد بهدف الردع، وثانياً لتصعيد المقاومة في الوقت الذي تحاول أطراف عديدة إيجاد مخارج سياسية للوضع في فلسطين المحتلة والمنطقة.
تلك الاغتيالات أسهمت وبشكل كبير في تصعيد المشهد في المنطقة وفرضت قواعد اشتباك جديدة تحتم وجود رد قاسٍ من حزب الله على جرائم الاحتلال الصهيوني.
تلك الأحداث جعلت العالم ينتظر كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وهي الكلمة التي كان قد تم تحديدها مسبقاً لمناسبة الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد القائدين سليماني والمهندس.
قبيل ذلك، وقع انفجاران في مدينة كرمان جنوبي إيران قرب مرقد اللواء قاسم سليماني. وبالتالي، فإن التصعيد بات أمراً واقعاً، ورد محور المقاومة لن يطول بكل تأكيد.
تلك المعطيات وغيرها تشير إلى أن المنطقة باتت تنتظر تصعيداً خطيراً. هذا التصعيد هو ما يريده رئيس الحكومة الصهيونية (المأزوم) الذي يسعى من خلاله لإطالة أمد الحرب، وبالتالي إطالة "عمره السياسي" قدر المستطاع.
حديث نتنياهو عن استمرار الحرب عام 2024 يؤكد فشل التقديرات الإسرائيلية، وعجز "الجيش" الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه، واستمرار حركة حماس في المقاومة واستنزاف قوات الاحتلال الصهيوني.
كما أن التهديدات الإسرائيلية باستمرارها في اغتيال قادة حماس، بما فيهم قادة الحركة الموجودون في قطر، يعد تطوراً خطيراً وينذر بتصعيد كبير، وخصوصاً أن قطر لطالما حرصت على أداء دور الوساطة بين الطرفين.
تغيرات في الموقف الأميركي
الموقف الأميركي الداعم لحكومة الاحتلال الصهيوني منذ بداية الحرب كان لا بد له من أن يتغير في ظل الفشل الكبير لتلك الحرب في تحقيق أهدافها.
التغير في الموقف الأميركي ناجم عن اعتبارات عدة، أولها فشل "الجيش" الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المعلنة خلال الفترة الزمنية التي كان قد تعهَّد للأميركيين بها، وكذلك تصاعد المواقف الدولية الرافضة لجرائم الحرب التي ترتكبها "إسرائيل" على مرأى العالم ومسمعه، وهو ما بات يعكس "عزلة أميركية" وفشلاً في التوصل إلى حشد تحالف دولي لمواجهة "التهديدات الأمنية" في منطقة باب المندب.
وكذلك، الأمر ناتج من عجز الولايات المتحدة عن تأمين حاجة "إسرائيل" من القذائف والأسلحة، بعد نفاد المخزون الأميركي خلال الحرب في أوكرانيا، وعدم قدرة معامل السلاح الأميركية على إنتاج أكثر من 10% مما تحتاجه "إسرائيل" من تلك القذائف، وفقاً لبعض التقارير.
وقد باتت الانتخابات الأميركية قريبة، وعلى الرئيس بايدن أن يتفرغ لها ، وخصوصاً أن استطلاعات الرأي تشير إلى وصول شعبيته إلى أدنى مستوى لها.
يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تدرك خطورة الاستمرار في دعم نتنياهو. لذا، باتت الخلافات الأميركية معه معلنة، وخصوصاً بعد إعلان أميركا عدم معرفتها المسبقة بقيام "إسرائيل" باغتيال العاروري في جنوب لبنان، والتأكيد أن "إسرائيل" هي من خطط للعملية ونفذها بالكامل.
"إسرائيل" من جهتها أعلنت أنها أبلغت الولايات المتحدة وقت تنفيذ العملية، بمعنى أنها لم تنتظر الموافقة الأميركية على ذلك، وهو ما تسبب ربما في تأجيل الزيارة المقررة لوزير الخارجية الأميركية بلينكن إلى المنطقة.
يبدو أن المستفيد الوحيد من هذا التصعيد هو نتنياهو شخصياً، ليقول إنه يحقق أهدافاً استراتيجية في التصدي للمقاومة الفلسطينية، ومحاولة جر الولايات المتحدة الأميركية إلى مزيد من الانخراط معه في عدوانه، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية تبدي ميلاً للتخفيف من التصعيد وإيجاد مخارج للأزمة.
وقد ترافق ذلك مع سحب حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد آر فورد" وعدة قطع بحرية من المنطقة، وهو ما اعتبرته حكومة نتنياهو مؤشراً خطيراً يتناقض مع مصالح نتنياهو الذي يدرك أن أياماً صعبة جداً بانتظاره فور توقف القتال، وستكون نتيجتها الأولى انتهاءه تماماً من الحياة السياسية، عدا عن إمكانية تحميله مسؤولية عملية طوفان الأقصى، إضافة إلى الاتهامات السابقة له بالفساد، والتي تجعل من السجن مصيره المحتوم.
يبدو أن الأحداث في المنطقة تتجه نحو المزيد من التصعيد، وبالتالي زيادة احتمالات توسع نطاق الحرب، وهو أمر، فيما لو حدث، لن يستطيع أحد التنبؤ بمآلاته وحجم الدمار الذي سينجم عنه.