التدخل العسكري في اليمن لا فائدة منه لإعادة الهدوء إلى البحر الأحمر
سواء كانت أزمة البحر الأحمر الحالية أو الحرب الدائرة في غزة، فإن الحل الحقيقي لهما كان واضحاً جداً، وهو الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة.
شنت الولايات المتحدة وبريطانيا غارات على العاصمة اليمنية صنعاء وعلى مدينة الحديدة، غربي البحر الأحمر، وعلى محافظة صعدة شمالي اليمن، في ليلة الـ12 من كانون الثاني/يناير الجاري، الأمر الذي أدى إلى جولة جديدة من التوترات ومزيد من الأخطار في البحر الأحمر. وزعمت الولايات المتحدة وبريطانيا أن هدف العملية العسكرية، التي قامتا بها، هو "حماية سلامة الملاحة الدولية"، لكنها في الواقع تهدف إلى صرف الاهتمام الدولي وتخفيف انتقادات المجتمع الدولي لموقف الولايات المتحدة المتحيز إلى "إسرائيل".
تُعَدّ مياه البحر الأحمر ممرّاً تجارياً دولياً مهماً للسلع والطاقة، ويتعلق استقرارها بالمصالح المشتركة للمجتمع الدولي. إن استخدام القوة من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا ضد اليمن، من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، صبّ الزيت على نار التوترات في البحر الأحمر، وسيزيد بلا شك في المخاطر الأمنية في المنطقة.
بعد الهجمات، أعرب بعض دول الشرق الأوسط، بما فيها الأردن وعُمان، عن القلق من خروج الوضع عن نطاق السيطرة. وحثت السعودية، جارةُ اليمن، على تجنب تصعيد الوضع. وهناك أيضاً كثير من الأصوات المعارضة داخل الولايات المتحدة، بحيث قال نائب الرئيس السابق للبعثة الأميركية في اليمن إن الهجوم على اليمن كان "خطأً جسيماً" و"فشلاً للدبلوماسية الأميركية"، وإن الولايات المتحدة أصبحت فعلاً "مشاركة مباشرة" في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لا بد من التأكيد أن الوضع المتوتر في البحر الأحمر هو مظهر بارز لامتداد الصراع المستمر في غزة، وتكون الأولوية القصوى في الوقت الحالي تهدئة الوضع في غزة في أقرب وقت ممكن، ومنع تصعيد الصراع أو توسيعه، حتى لا يخرج عن السيطرة. ومن الضروري أن تتحمل كلّ الأطراف المسؤولية لحماية أمن ممرات الشحن في مياه البحر الأحمر، وفقاً للقانون، مع الاحترام الجاد لسيادة أراضي البلدان المحيطة بالبحر الأحمر، وسلامتها، بما في ذلك اليمن.
في الوقت الحاضر، إن الوضع في المنطقة خطر للغاية، إذ إن الحرب في غزة لا تزال مستمرة، والتوترات الناتجة منها في البحر الأحمر ما زالت تتصاعد وتتوسع. وتجدر الإشارة إلى أن تطور الأحداث إلى هذه النقطة ليس من قبيل الصدفة، بل هو أمر محتّم. يكمن السبب الجذري في أن الولايات المتحدة تتمسك بمنطقها وأسلوبها القائمين على الهيمنة، وتتمسك بموقف متحيز إلى "إسرائيل" في الحرب على غزة، من أجل مصالحها الأنانية، الأمر الذي أدى إلى استمرار الصراع وانتشار المخاطر.
إن استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع قضية الشرق الأوسط المعقدة والمتشابكة سيئة وتعسفية. تظل الوسائل العسكرية الطريقة الأكثر شيوعاً وتفضيلاً ومهارة للولايات المتحدة، وتم استخدامها في العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا، والآن اليمن، ويبدو أن الولايات المتحدة تعتمد على القوة دائماً.
لكن الدروس الدامية في هذه الدول علمتنا أن استخدام القوة كوسيلة أساسية لا يمكن أن يحل المشاكل، بل سيزيد الوضع سوءاً وتعقيداً. وفي نهاية المطاف، لا يمكن حل المشاكل إلا وفق الطريقة السياسية، وينطبق الشيء نفسه على الحرب على غزة.
سواء كانت أزمة البحر الأحمر الحالية أو الحرب الدائرة في غزة، فإن الحل الحقيقي لهما كان واضحاً جداً، وهو الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة. لكن، بالنسبة إلى هذا المطلب الأساسي، تفتقر الولايات المتحدة إلى الشجاعة لاتخاذ إجراءات حقيقية لدعمه.
قام وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خمسَ مرات، بزيارات للشرق الأوسط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لكنه لم يطلب "وقفاً فورياً لإطلاق النار"، حتى لو مرة واحدة. وإذا واصلت الولايات المتحدة موقفها وسياساتها الحالية، فلن تكون أبداً مساهمةً في حل قضية الشرق الأوسط، بل ستبقى السبب الجذري في الفوضى والمخاطر في المنطقة.
قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن الغرض من العملية العسكرية هو تحقيق توازن حساس بين الصراعات المتعددة في هذه المنطقة المضطربة. لكن، هل يمكن تحقيق التوازن الحساس من خلال الهجمات العسكرية؟ أم أنها أدّت إلى عدم التوازن؟ وهل يمكن إعادة الهدوء إلى البحر الأحمر؟ من الواضح أن الإجابة سلبية.