إيلي كوهين في البحرين..التسارع غير المدروس
لا أحد في البحرين يعتقد أن ثمة مصلحة اقتصادية حقيقية من التقارب مع "إسرائيل"، بل الاعتقاد ينصب في المخاطر الأمنية التي سيجلبها الكيان الصهيوني إلى المملكة الخليجية الصغيرة.
وسط غضب شعبي عارم في البحرين، زار وزير خارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين المنامة؛ لفتح سفارة الكيان يوم الأحد 3 أيلول/سبتمبر الجاري، وهي الزيارة الرسمية الأولى له إلى دولة خليجية.
مُهرت الزيارة بعنوان عريض وهو فتح السفارة، لكن ثمة اتفاقيات تجارية مطروحة على الطاولة قد يبحثها الوزير مع المسؤولين في البحرين، خصوصاً وأن الوفد المرافق للوزير الصهيوني يضم عدداً من المسؤولين الاقتصاديين ورجال الأعمال.
الغضب الشعبي تُرجم باستنكار شديد من جانب شخصيات سياسية ووطنية ومن عامة الناس، كون التطبيع محل تندّر شعبي واضح، لكن نظراً إلى عدم وجود مؤسسات ديمقراطية في البلاد، يتبخر الصوت الرافض للتطبيع، وتمضي الإرادة السياسية للملك حمد في تمتين هذه العلاقة بين بلد صغير لا يتحمل هزات الإقليم المحتملة، وبين كيان مهزوز فاضت مشكلاته الداخلية والخارجية وبات أضعف من ذي قبل.
السياسة الخارجية للبحرين، وكما ذكرتُ مراراً، لا تجري باستقلالية عن رأي الأشقاء الخليجيين الداعمين للنظام، لكن في الوقت نفسه، ثمة رغبة لدى العائلة الحاكمة أن تكسر التقليد الذي مشت عليه المنامة لعشرات العقود، وكسر هذا التقليد له أسبابه السياسية والاقتصادية والأمنية التي طالما تحدثنا عنها بالتفصيل في مقالات سابقة، لكن ثمة أمر مهم في حلقة هذا التيه السياسي، وهو أن المسؤولين البحرينيين يعتقدون أن المسارعة إلى التطبيع ستؤدي إلى المسارعة في كسب الغنائم المحتملة منه.
فرغم أن التطبيع بدأ قبل ثلاث سنوات، فإن الآثار انحصرت في الأضرار لا الفوائد، فهناك ما عُرف بتهويد المنامة، عبر شراء اليهود عدداً من العقارات لبيعها عبر أكثر من وسيط إلى صهاينة يرغبون في استيطانها، كما أن ثمة أنشطة ثقافية لـ"إسرائيل" تعمل على تنفيذها على أرض الواقع، غير أن التحكم بتقنية المياه والأمن يدر على "إسرائيل" حظوة سياسية أكثر مما يفيد البحرين من الناحيتين التقنية والاقتصادية.
وتسعى السلطة جاهدة عبر التطبيع الاقتصادي والثقافي إلى جر الناس إلى التأقلم مع هذا الفعل، ويتذكر البحرينيون ما قاله وزير الصناعة والتجارة والسياحة زايد بن راشد الزياني في كانون الأول/ديسمبر 2020 لموقع "تايمز أوف إسرائيل" إنه "لن يمنع أي منتج إسرائيلي"، علماً أن البضائع المكتوب عليها "صنع في إسرائيل" شوهدت في الأسواق البحرينية منذ تموز/يوليو 2009.
ثمة إصرار رسمي على الانغماس في العلاقة مع "إسرائيل"، رغم كل التحديات والأضرار المحتملة، ورغم كل السخط الشعبي الذي يعبّر عنه الكبير والصغير، وهذا الإصرار الذي نعتّهُ بــ "المسارعة"، يعبّر عن تيه سياسي فاقع، كمن يقوم بضر نفسه بأعمال غير مدروسة من شدة الاضطراب أو العجلة.
وحتى لو كان الجانب الرسمي يتبع تعليمات إماراتية وسعودية في هذا المجال، لشق طريق التطبيع وتعبيده لدول أخرى، فإن المسارعة في حدّ ذاتها تعجل من النتائج التي غالباً ما تكون عكسية.
لم يزدهر جنوب السودان، ولم تخرج مصر من أزمتها ولم تتشاف الأردن من مشكلتها الاقتصادية وكل الدول التي طبعت مع الكيان الصهيوني إما أنها دول مانحة، أو دول متضررة، وهذا الحديث لا يخفى على المسؤولين البحرينيين بطبيعة الحال، فهل الكيان الغاصب لعنة؟
القياسات بطبيعة الحال تختلف، وإذا ما أردنا الحديث على المستوى السياسي، فقد يقال إن أحد مصادر الرخاء النسبي في كردستان العراق هو العلاقة مع "إسرائيل"، لكن لو صح ذلك على المستوى الاقتصادي-وهو غير صحيح-فإن هذا الكيان جلب لكردستان العراق المزيد من الكوارث، ثم أن النفط الكردي يباع إلى "تل أبيب" بثمن بخس أقل من سعر السوق، وسياسة الاستحواذ-على العقارات والتجارة- التي يقوم بها الإسرائيليون لم تستثن كردستان، وهكذا سيجري في البحرين إن مضت قُدماً في تطبيعها المرفوض من جانب البحرينيين.
نعم؛ قد تعين "إسرائيل" الأمن البحريني على قمع المعارضين عبر تقنيات تجسس عالية وأساليب استخبارية جديدة، وهذه إن سُميت فائدة فهي بالتأكيد ليست فائدة وطنية، أي لا تصب في صالح الأمن القومي والرفاه الاجتماعي، بل ستزيد من هوة الفجوة ما بين النظام الحاكم والشعب.
ثم أن أي حديث عن فوائد حقيقية على المستوى التجاري مشكوك في نجاحه لعدة أسباب، إن كانت التجارة البينية ستشمل البضائع الاستهلاكية من غذاء وأجهزة وما شاكلهما، فإن سيف المقاطعة سينزل على هذا النوع من التجارة، وكذلك فإن السياحة لن تكون ساحة مريحة للإسرائيليين في البحرين، أما إذا كانت التجارة تتصل بما تصدره المنامة من نفط وألمنيوم، ففي الأمر نقاش، كون النفط المستهلك داخل الكيان يسد معظمه النفط الكردي، فبحسب تقرير نشرته "الفايننشل تايمز" الأميركية في 2015 فإن 77% من حاجة الاستهلاك داخل "إسرائيل" يغطى من النفط الآتي من كردستان، في حين أن أربيل وثقت العلاقة على كل المستويات مع الكيان الصهيوني في السنوات التي تلت 2015.
أما شراء الكيان الغاصب للألمنيوم البحريني، فقد تحدث السفير الإسرائيلي إيتان نائيه العام الماضي، وتحديداً في كانون الثاني/يناير 2022، في مقابلة له مع صحيفة "الأيام" المقربة من الديوان الملكي، عن أن "إسرائيل" بدأت بالفعل باستيراد الألمنيوم من البحرين من دون تقديم أي أرقام حول حجم الاستيراد أو سعره، وفعلياً لن يضيف ذلك إلى البحرين شيئاً؛ لأن كمية التصدير محددة ولا تتوقف على بلد ما، أي أن الألمنيوم البحريني مطلوب كون شركة "ألبا" من أجود مصدري الألمنيوم في الشرق الأوسط، بحسب بعض التقارير.
لا أحد في البحرين يعتقد أن ثمة مصلحة اقتصادية حقيقية من التقارب مع "إسرائيل"، بل الاعتقاد ينصب في المخاطر الأمنية التي سيجلبها الكيان الصهيوني إلى المملكة الخليجية الصغيرة.