إضراب متجدّد في سجون البحرين
قضية المعتقلين فوق أنها قضية حقوقية ثقيلة على كاهل النظام الحاكم، إلا أن ما يزيد الأمر تعقيداً أنها باتت رافداً متجدّداً للحراك في خارج السجن.
تتناغم الحالة البحرينية مع الحالة الفلسطينية في عدد من الجوانب منها حالة المعتقلين، الكيان الإسرائيلي حينما يعتقل فلسطينياً فإنه يعتقد أنه يُسكت الغضب في داخله ويسجن القضية خلف قضبانه، وهذا ما يحصل عند العقلية الأمنية في البحرين.
ومن الملفت أن المسألة لا تقف عند التشابهات التي تكاد أن تكون متطابقة في العقليتين الأمنيتين، بل تتزامن الإضرابات في السجون بالنَفَس نفسه والصلابة نفسها.
المضربون البحرينيون الذين فاق عددهم الـ 400 معتقل، يعانون من نقص في أساسيات حقوقهم، حيث يطالبون بعدم الاحتجاز الانفرادي، والسماح بالزيارات العائلية من دون حواجز زجاجية، فضلاً عن المطالب الكثيرة في الشقّ الصحي والطبي.
ولهذا كان الإضراب المفتوح عن الطعام والذي بدأ في السابع من آب/أغسطس الجاري، إذ أطلق المضربون رسائلهم عبر صوتيات مسرّبة من داخل السجن شارحين أوضاعهم وعمق صعوبتها، وللأسف فإن التشابه بين الحالة البحرينية والفلسطينية لا تكمن فقط في العقلية الأمنية، أو صلابة الضحايا، بل حتى في شكل التعاطي الدولي مع قضية الشعبين.
فواشنطن تعلم جيداً بالإضراب، وقد أكد ذلك نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، أن واشنطن على علم بالتقارير المتعلقة بالإضراب عن الطعام الذي يقوم به معتقلون داخل السجون البحرينية منذ السابع من آب/أغسطس الجاري، للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية. وصرّح بأنهم "قلقون بشأن الإضراب عن الطعام في مركز الإصلاح وإعادة التأهيل. وقد أثرنا قضايا حقوق الإنسان مع المسؤولين البحرينيين، بما في ذلك خلال اجتماع الوزير بلينكن في العشرين من تموز/يوليو الماضي مع وزير خارجية البحرين".
هذا التصريح الذي جاء على لسان المسؤول الأميركي يوم الخميس 17 آب/أغسطس، لم يكن الأول لمسؤول أميركي بشأن البحرين ولن يكون الأخير، ورغم أن واشنطن تستطيع بسهولة الضغط على المنامة بشأن الإصلاحات الحقوقية في السجون، إلا أنها لا تفعل.
البحرينيون مدركون تمام الإدراك سبب هذه المراوحة لحلفاء النظام البحريني، أهم تلك الأسباب أن الأخير يقف على نقيض من شعبه في موقفه من القضية الفلسطينية، والتي تمثّل مبدأً صلباً عند عموم الشعب، فيما يمثّل التطبيع مع الكيان المؤقت مشروعاً متصاعداً عند النظام.
وهذا السبب وغيره من الأسباب بات مألوفاً ومعروفاً للجميع، ألا أن ما يصعّب الأمر أمام النظام هو التغذية الاجتماعية من قبل المعتقلين إلى عموم الناس، وهذه المعادلة العكسية التي دأب المعتقلون على رسمها، جعلت من العسير قتل روح قضيتهم وإن كانت اليد الأمنية تسيطر على الشوارع.
فقضية المعتقلين فوق أنها قضية حقوقية ثقيلة على كاهل النظام الحاكم، إلا أن ما يزيد الأمر تعقيداً أنها باتت رافداً متجدّداً للحراك في خارج السجن، وتؤدي عوائل المعتقلين دوراً أساسياً في زجر هذا الأوار التي يُراد له أن ينخمد يوماً بعد يوم.
لكنّ ثمة تساؤلاً يثار من قبل جهات عديدة منها شعبية أو محايدة، ألا وهو: إلى متى يمكن أن يغذي الحراك الشعبي في البحرين نفسه بنفسه ليستمر في الحياة؟
السؤال يحتاج إلى تؤدة في القراءة من حيث أنه مُركّب من خلطة تاريخية واجتماعية تترجم في حراك سياسي، وهذه الخلطة لم تصنعها لحظة شباط/فبراير 2011 حيث بداية ما عُرف بــ "الثورة الشعبية"، بل هو قديم بقدم الصراع الموجود على هذه الأرض، ومما يلفت، أن النظام نفسه يغذّي شرارة مثل هذا الصراع من حيث يريد أن يُسكته، ويساعد على استمراره من حيث يريد أن يقطعه، ويدفع إلى توليد كوادر وطاقات من حيث يريد أن يدفن رجالاته.
فالتهجير والسجن والسحل كلها لم ترسم معادلتها المراد لها أن تكون، رغم أن كل تلك الإجراءات بمباركة غربية بنحو أو آخر، ولعل القراءة الناقصة للساحة في البحرين أحد تلك العوامل التي تعطي تصوّرات خاطئة على أثرها يتخذ أصحاب القرار خطوات غير مدروسة. ورغم عدم نفي الآثار السلبية على الحراك من جراء القبضة الأمنية وتوابعها العديدة، إلا أن ثمارها لم تؤتَ كما خُطط لها.
ولعل هذا يذكّرنا بالتداعيات التي جرت في 1923 حينما عُزل عيسى بن علي بسبب عدد من الأخطاء التي قام بها، مستقوياً بالبريطانيين، والبريطانيون أنفسهم هم من عزلوه. هذه الأحداث كانت تتدرّج في تخمير نتائجها عبر تراكم عقود من ظلم عيسى بن علي الذي قمع البحرينيين المطالبين بالإصلاحات والقوانين، حينها لم تكن بريطانيا في صف الإصلاحات وفرض القانون إلا من باب حفظ مصالحها، وأينما دارت مصالح الدول الكبرى دارت بوصلة ضغوطهم، سواء كان في الفوضى أو التهدئة.
وهل مثل تلك النتائج قد تُعاد بطريقة مختلفة تتناسب مع تطوّر الأحداث واختلاف نوعية النفوذ الغربي، وهذا التساؤل ليس له علاقة بمطلب فصيل من المعارضة بإسقاط النظام، فالحديث عن دوران الرحى لا يعني تزكية عمل سياسيّ بعينه.