"إسرائيل" تنزف.. الهجرة المعاكسة خطر يتنامى بصعود اليمين المتطرف

الحقيقة التي لا تستطيع "إسرائيل" إخفاءها أنها تعيش أزمة تفكك داخلي غير مسبوقة مع اشتداد وطأة الصراعات والانقسامات.

  • "إسرائيل" تنزف.. الهجرة المعاكسة خطر يتنامى بصعود اليمين المتطرف

كشفت معطيات إسرائيلية رسمية وحديثة إقبالاً إسرائيلياً ملحوظاً للحصول على الجنسيات الأوروبية بهدف الهجرة من "إسرائيل" إلى دول أوروبا وأميركا، في حين بدأت منظمة إسرائيلية تطلق حملات تدعو الإسرائيليين إلى الهجرة من "إسرائيل"، ووضعت لنفسها هدفاً أولياً بإقناع 10 آلاف إسرائيلي بالهجرة السريعة من "إسرائيل" في أعقاب صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف وسيطرته على مقاليد الحكم.

وفقاً للمعطيات الإسرائيلية التي كشفتها صحيفة "زمان إسرائيل" العبرية، فقد سُجل ارتفاع بنسبة 13% في طلبات الحصول على الجنسية الفرنسية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في وقت زادت طلبات الحصول على الجنسيتين الألمانية والبرتغالية بنسبة 10%، يضاف إليها الارتفاع الأخير في طلبات الجنسيات الأوروبية الذي بدأ عام 2021، والذي زادت فيه النسبة 68% مقارنة بالسنوات التي سبقتها.

مشهد كهذا يعكس خشية إسرائيلية كبيرة وخطراً يتهدد مستقبل "إسرائيل" في ظل حكم يميني عنصري متشدد وتصاعدٍ في الصراعات بين مكونات المجتمع فيها إلى درجة غير مسبوقة. يعود ذلك إلى مجموعة أسباب، أبرزها جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والعنصرية التي باتت ترفضها أوساط إسرائيلية كبيرة، وحالة الاستقطاب المتصاعدة والانشقاقات والصراعات السياسية، وتردي الوضع الأمني في "إسرائيل"، واستمرار التهديد الإيراني القائم لمستقبل "إسرائيل" في المنطقة.

عندما يتركَّز النشاط والدعوات على الهجرة من "إسرائيل"، وتتصاعد هذه الظاهرة بشكل ملحوظ من قبل منظمات ومعارضين لحكم اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو، فهذا يعني أننا أمام مسألة تستحق التوقف عندها، لكونها تختصّ بفئة من المنظمات الواعية بحقيقة ما يدور في المجتمع الإسرائيلي من صراعات واستقطاب.

لعلَّ الإسرائيليين أدركوا أنَّ المشروع الصهيوني شارف على نهاياته، وأن الأمل في دولة لها مستقبل على الأراضي الفلسطينية المحتلة هو حلم يتهاوى وأوهام بدأت تتبخر أمام حالة انعدام الأمن والأمل معاً في البقاء ضمن سياق المشروع الصهيوني.

علينا أن نتوقف أمام تصريحات ينيف غورليك، أحد القائمين على منظمة "لنترك البلاد معاً"، لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، وهو الذي اشترك سابقاً في التظاهرات الداعية إلى رحيل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو: "بعد سنوات من تهريب اليهود من اليمن وأفغانستان وسوريا وأوكرانيا إلى إسرائيل، قررت مساعدة الإسرائيليين في الهجرة إلى الولايات المتحدة. إنني أرى كراهية كبيرة في المجتمع، وأرى الإيرانيين بصواريخهم الدقيقة الموجهة إلى إسرائيل نصب عيني".

الحقيقة الأخرى التي لا تستطيع "إسرائيل" إخفاءها، أنها، ومع اشتداد وطأة الصراعات والانقسامات، تعيش أزمة تفكك داخلي غير مسبوقة، إذ أصبحت نقطة ضعفها في ذاتها، وهذا ما سيسرع من انهيارها، وعلينا أن نتوقف أمام ما قاله الصهيوني السابق والمفكر جون روز صاحب مؤلف "إسرائيل الدولة الخاطفة... كلب حراسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط": "هناك تراجع ملحوظ في الهجرة إلى إسرائيل. يوجد الآن إسرائيليون كثر يغادرون إسرائيل، فقد سئموا من السياسة والفشل في ضمان الحماية لأنفسهم، عاجلاً أو آجلاً. هذا الوضع داخل هذه الدولة سينهار، ولا أرى مستقبلاً لإسرائيل في المدى البعيد".

وعلينا أن نتوقف أيضاً أمام ما قاله واعترف به الكاتب في صحيفة "معاريف" شلومو ماعوز: "الهجرة العكسية تحيي مخاوف إسرائيلية قديمة من تأثر أعداد اليهود الملتحقين بصفوف الجيش، فضلاً عن كون المسألة قد تحمل في طياتها فكرة التخلي عن إسرائيل، رغم أن هؤلاء المهاجرين العكسيين قد يكونون غادروا الدولة لأسباب مختلفة، اقتصادية أو أمنية أو شخصية أو للالتحاق بالأسرة الممتدة".

ويشير الكاتب إلى أن الإحصائيات المتعلقة بالهجرة المعاكسة هي ظاهرة لا بد من التوقف عندها، إذ إن تصاعد الظاهرة عام 2022 يعيد إلى أذهان الإسرائيليين ظاهرة مشابهة برزت في عام 1990، حين غادر الدولة 14200 يهودي بسبب تدهور الوضع الأمني الناجم عن انتفاضة الحجارة التي اندلعت في 1987، واستمرت بكامل قوتها حتى حرب الخليج ومؤتمر مدريد في 1991، ثم ارتفعت مرة أخرى إلى معدل حاد بلغ 18200 مهاجر عكسي في 1993. وفي عام 1995، حصلت قفزة أخرى في الهجرة إلى الخارج بلغت 18700 مهاجر. هذه الأرقام مثيرة للقلق على المدى الطويل، بحسب الكاتب.

الإحصائيات الحديثة في هذا السياق تبدو أكثر وضوحاً، إذ بلغ عدد المهاجرين اليهود من "إسرائيل" إلى الخارج 756 ألفاً مع نهاية عام 2020، وهم يقيمون حالياً في الخارج. هذا الرقم لا يشمل العائدين خلال عام، بل هو عدد المغادرين وفقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي، الذي كشف أن ما بين 572 -612 ألف يهودي يعيشون خارج "إسرائيل"، ولا يشمل هذا التقدير عدد اليهود الذين ولدوا في الخارج، ما أعاد من جديد المخاوف الإسرائيلية من نقص أعدادهم لأسباب كثيرة.

رغم أن "إسرائيل" وظفت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا لمصلحتها من خلال تدشين حملة دبلوماسية لاستقدام الآلاف من اليهود في العالم وإفساح المجال أمام هجرة اليهود الروس والأوكرانيين، لكن الحقيقة أن بيانات الهجرة من داخل "إسرائيل" إلى خارجها تشهد قفزة حادة في أعدادهم لأسباب مختلفة، ما يجعل المخاوف الإسرائيلية من تنامي ظاهرة الهجرة اليهودية المعاكسة قائمة ومتصاعدة مع اشتداد الأزمة الداخلية في "إسرائيل"، إذ تعيد إلى الأذهان أبرز نتائج استطلاع الرأي التي كشف عنها في كانون الثاني/يناير الماضي، والتي أكدت أن ما نسبته 40% من الإسرائيليين باتوا يفكرون فعلياً في الهجرة المعاكسة.

ثمة نتيجة أصبحت واضحة لا تستطيع "إسرائيل" إنكارها، وتعززت أكثر بعد سيطرة اليمين الإسرائيلي وتصاعد وتيرة الانقسامات والصراعات السياسية وحالة التناحر غير المسبوقة أمام استمرار التظاهرات الرافضة لائتلاف نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وسياساته وانعكاساته على البيئة الإسرائيلية الداخلية.

هذه النتيجة تشير إلى أن الصورة في "إسرائيل" لن تتوقف عند حد الدعوات إلى هجرة معاكسة، بل يتعزز مؤشر كبير مفاده أنها مقبلة مع الحكم اليميني الإسرائيلي المتطرف على فوضى تشريعية وصراعات سياسية بدأت تتنامى أكثر، وأزمة ديمقراطية ستتضح معالمها في المنظور القريب، وتباينات كبيرة ستطغى على المشهد السياسي، يعكسها مشهد تعلوه لغة العنصرية والتهديد والوعيد للمعارضين في الوقت الذي يتزايد الاستقطاب الحزبي الإسرائيلي الداخلي.

الحال التي تعيشها "إسرائيل" من جراء انعكاسات الأزمة الداخلية الحادة والمتشعبة فيها أو أزمة الهجرة المعاكسة التي بدأت تتنامى يوماً تلو الآخر، هي أنها وصلت إلى مرحلة عنوانها صراع البقاء في كيان مشتّت يتألف من عدد لا حصر له من القوميات، يجمعها الدين اليهودي فقط، لكننا في المقابل نقف أمام حقيقة مرة في "إسرائيل"، مفادها أن العنصرية والفاشية التي مارستها بحق الفلسطينيين منذ احتلالها فلسطين عام 1948 تدور الدائرة عليها وتتذوقها على يد بن غفير وسموتريتش وزعامات الصهيونية الدينية الآخرين.