أفريقيا ساحة تنافس بين روسيا وفرنسا
في عام 2019، عقدت روسيا أول قمة روسية أفريقية في سوتشي، المطلّة على البحر الأسود في جنوبي روسيا. وحضر هذه القمة ممثلون عن جميع البلدان الأفريقية، البالغ عددها 54 دولة.
في موقف لافت، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن بلاده أبلغت جنوب أفريقيا رفضها حضور قادة الدول غير الصديقة لروسيا، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قمة مجموعة دول بريكس، المزمع عقدها في آب/أغسطس المقبل في جنوب أفريقيا.
وفي تعليقه على رغبة ماكرون في المشاركة في قمة بريكس، التي تضم روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، لفت ريابكوف إلى أنه على الرغم من أن الجانب المضيف هو الذي يحدد من هم المدعوّون، فإن من المهم أيضاً التشاور في لائحة المدعوّين مع الدول الأعضاء في مجموعة بريكس.
وقال ريابكوف إن قادة دول، ممن يمارسون سياسة عدائية تجاه موسكو، مثل ماكرون، ويطالبون بشدة بعزل روسيا دولياً، ويوافقون على خطط الناتو لإلحاق ما يسمونه الهزيمة الاستراتيجية بروسيا في أوكرانيا، لن يكون لهم مكان في قمة البريكس.
هذا الموقف الروسي قد يكون نابعاً من دعم فرنسا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مواجهة روسيا، ومن تزويد باريس له بالدعم اللوجستي، عسكرياً ومالياً، في مواجهة تَعُدّها موسكو حرباً بالوكالة يشنها الغرب، وضمنه فرنسا، ضد روسيا في أوكرانيا.
لكنّ لهذا الموقف أبعاداً أخرى مرتبطة بالمواجهة الدولية القائمة بين الغرب، من جهة، والقوى غير الغربية الصاعدة، وضمنها روسيا، من جهة أخرى، والتي تتخذ ابعاداً دولية، وضمنها القارة الأفريقية.
التنافس الروسي الفرنسي في أفريقيا
خلال العقد الأخير، شهدت أفريقيا تصاعداً في التنافس بين روسيا وفرنسا. وتسعى موسكو وباريس لتوسيع مصالحهما الاقتصادية والسياسية في المنطقة، بحيث تتطلع روسيا إلى تعزيز وجودها ونفوذها في القارة السمراء، بينما تسعى فرنسا للمحافظة على دورها التقليدي، كلاعب رئيس في البلدان الأفريقية المنضوية في المنظمة الفرنكوفونية.
وتعمل روسيا على تعزيز شراكاتها مع الدول الأفريقية، عبر تنويع أشكال التعاون مع الدول الأفريقية، بما فيها تعزيز مبيعات الأسلحة والاستثمارات والدعم العسكري. كما تعمل روسيا على إقامة شراكات مع المنظمات الإقليمية الأفريقية، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي. بالإضافة إلى ذلك، تقدّم روسيا المساعدة العسكرية والتدريب إلى عدد من البلدان الأفريقية، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومالي وغينيا بيساو.
في المقابل، فإن فرنسا تعمل على تعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية بأفريقيا، كما تقوم بالتدخل عسكرياً في عدد من البلدان الأفريقية، مثل ليبيا ودول الساحل الأفريقي، وضمنها مالي والنيجر والتشاد، بذريعة مكافحة الإرهاب.
مجموعة فاغنر.. أداة روسية في أفريقيا
في مقابل الحضور العسكري الفرنسي التقليدي في غربي أفريقيا ووسطها، فإن روسيا تسعى لتدعيم حضورها العسكري عبر مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة. ومجموعة فاغنر هي منظمة شبه عسكرية خاصة، يملكها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، المقرّب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولوحظ مؤخراً أن هذه المجموعة العسكرية باتت نشطة في عدد من الدول الأفريقية، وضمنها ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى وتشاد ومالي وغينيا بيساو.
ففي جمهورية أفريقيا الوسطى، تقوم مجموعة فاغنر بدعم الحكومة في حربها ضد الجماعات الإرهابية المسلحة، كما تقوم بتدريب الجيش في أفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى قوات الأمن الأخرى. وفي السودان، قامت مجموعة فاغنر بتقديم المشورة إلى تنظيم قوات الأمن التابعة للرئيس المخلوع، عمر البشير. وبعد إطاحة البشير ارتبطت مجموعة فاغنر بعلاقات قوية بمجموعة الدعم السريع، التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو، الذي يخوض حالياً صراعاً مع الحاكم الفعلي للسودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
أمّا في ليبيا، فتقوم مجموعة فاغنر بتقديم الدعم إلى الجنرال خليفة حفتر، المؤيد للبرلمان الليبي، ومقره طبرق، والمعارض لحكومة الوفاق الوطني، ومقرها في طرابلس الغرب. كذلك، فإن المجموعة تعمل في عدد آخر من الدول الأفريقية، وكان لها دور كبير في دعم الحكومة العسكرية في مالي لطرد القوات الفرنسية من ذلك البلد. وأثار هذا الأمر حفيظة القوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا، التي ترى في حضور مجموعة فاغنر تدعيماً لدور روسيا ونفوذها في أفريقيا على حساب نفوذ باريس.
العلاقات السياسية الروسية الأفريقية
تعود العلاقات الروسية الأفريقية إلى الحقبة السوفياتية، عندما دعم الاتحاد السوفياتي حركات التحرر المناهضة للاستعمار في أفريقيا. لكن، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، تراجع الحضور الروسي في أفريقيا. لكن استعادة قوة روسيا ودورها مع الرئيس فلاديمير بوتين، بعد عام 2000، أعادت تنشيط العلاقات الروسية الأفريقية، وخصوصاً في ظل التنافس بين موسكو وحلفائها الأوراسيين، وعلى رأسهم الصين وإيران، من جهة، مع القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، من جهة أخرى، على النفوذ في العالم، وضمنه أفريقيا.
وفي عام 2019، عقدت روسيا أول قمة روسية أفريقية في سوتشي، المطلّة على البحر الأسود في جنوبي روسيا. وحضر هذه القمة ممثلون عن جميع البلدان الأفريقية، البالغ عددها 54 دولة. وهدفت هذه القمة إلى تعزيز التجارة والاستثمار والعلاقات السياسية بين روسيا وأفريقيا.
ترى روسيا أن لها مصالح استراتيجية في أفريقيا، وضمنها الحصول على الموارد الطبيعية والطاقة والوصول إلى أسواق جديدة لسلعها وخدماتها. الجدير ذكره أن روسيا تستثمر حالياً بصورة مكثفة في قطاع التعدين، بحيث تقوم شركات التعدين الروسية بالاستكشاف والتطوير للموارد المعدنية في عدد من البلدان الأفريقية، وضمنها زيمبابوي وغينيا وجنوب أفريقيا.
ولهذا السبب، فإن موسكو عزّزت حضورها العسكري في أفريقيا، إذ وقّعت اتفاقيات تعاون عسكري مع عدد من الدول الأفريقية. وينظر القادة الأفارقة إلى روسيا على أنها شريك مهم، وخصوصاً أنها لا تربط مساعداتها الاقتصادية للدول الأفريقية بشروط سياسية، كما تفعل الدول الغربية.
العلاقات الاقتصادية الروسية الأفريقية
في موازاة تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية، تعززت العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأفريقيا من خلال زيادة التجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية. وخلال العقد الماضي، ارتفع حجم التجارة الإجمالي بصورة كبيرة بين روسيا والدول الأفريقية. وتضاعفت صادرات روسيا إلى أفريقيا لتصل إلى 4.5 مليارات دولار في عام 2019. كما زادت صادرات أفريقيا إلى روسيا، بحيث بلغ مجموعها 3 مليارات دولار في عام 2019.
وتشمل الصادرات الرئيسة لروسيا إلى أفريقيا الآليات والماكينات الزراعية والصناعية والكيميائيات والأغذية والأسلحة. في المقابل، تستورد روسيا من أفريقيا المعادن والأحجار الكريمة والذهب والنفط. كذلك، فإن روسيا تقوم بتطوير البنية التحتية في أفريقيا، بحيث توفر التمويل والخبرة لمشاريع البناء، مثل محطات الطاقة النووية والسكك الحديدية.
وأعفت روسيا دولاً أفريقية كثيرة من ديون مترتبة عليها لموسكو، بعضها يعود إلى زمن الاتحاد السوفياتي السابق. على سبيل المثال، ألغت روسيا ديوناً، تبلغ مليارات الدولارات، مستحقة على موزمبيق وتنزانيا، وهي تقوم بتقديم المساعدات الإنسانية في مواجهة تفشي الأمراض والأوبئة، مثل مواجهة وباء كورونا ومواجهة تفشي فيروس الإيبولا.
خلاصة
من المتوقع أن تستمر العلاقات الروسية الأفريقية في النمو، وخصوصاً أن روسيا حددت أفريقيا على أنها منطقة ذات أولوية بالنسبة إلى سياستها الخارجية. وترى موسكو أن أفريقيا ستكون ساحة التنافس الرئيسة مع الغرب، وتتوافق بكين معها في هذه المقاربة. في المقابل، فإن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تنظران بعين القلق إلى تزايد النفوذ الروسي، ومعه النفوذ الصيني، في القارة الأفريقية، وهذا يجعل الولايات المتحدة وأوروبا تعملان على تعزيز نفوذهما وعلاقاتهما بالدول الأفريقية.
لكن أغلبية الدول الافريقية باتت تفضّل العلاقات بروسيا والصين على العلاقات بالولايات المتحدة وفرنسا والغرب، وخصوصاً أن أفريقيا عانت، على مدى خمسة قرون، الهيمنة الأوروبية، التي ساهمت، إلى حد بعيد، في تدمير القدرات البشرية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الأفريقية. لذلك، فإن الدول الأفريقية تنظر إلى روسيا والصين على أنهما خشبة الخلاص من الهيمنة الغربية في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي.