أخطار تغيّر المناخ في عالم من الأزمات السياسيّة
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنَّ 97% من علماء المناخ يرون أنَّ الاحتباس الحراري من صنع الإنسان، إذ إنّه ناجم بشكل أساسيّ عن إحراق الوقود الأحفوري.
لطالما حذّر علماء المناخ والناشطون من المخاطر الناجمة عن تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض، المعروف عالمياً بـ"الاحتباس الحراري"، والذي بات واقعاً ملموساً، فقد شهد العالم ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة خلال السنوات الـ10 الأخيرة، فضلاً عن زيادة موجات الحر، والتي باتت أشدّ وأطول أمداً من السابق، إضافةً إلى احتراق الغابات، وهي ظواهر لا تزال في بداياتها، إذ سيتّجه الكوكب بشكل أكثر شدة وخطورة نحو التصحّر والتغير في النظام البيئي الذي سيؤدي إلى موت العديد من النباتات والحيوانات، والهجرات الجماعية للحيوانات، إضافةً إلى ارتفاع منسوب البحر الناجم عن ذوبان الجليد في القطبين، ما يشكّل خطراً وجودياً على عدة مدن ساحلية. هذه المخاطر قد تودي بحياة الملايين من البشر وتهجّر غيرهم وتحدث كوارث اقتصادية لا حصر لها.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنَّ 97% من علماء المناخ يرون أنَّ الاحتباس الحراري من صنع الإنسان، إذ إنّه ناجم بشكل أساسيّ عن إحراق الوقود الأحفوري، أي الفحم والغاز والنفط، ما يؤدي إلى زيادة تركيز الغازات الدفيئة، كالميثان وثاني أوكسيد الكربون، في الغلاف الجوي، إضافة إلى أعمال أخرى، مثل تربية المواشي، والتي تفرز خلال عملية الهضم ما يقارب 18% من انبعاث الغازات الدفيئة، وخصوصاً الميثان.
تركيز هذه الغازات داخل الغلاف الجوي يتسبّب بحبس حرارة الشمس داخل الغلاف، ما يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض. ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة هذا العام إلى أن درجة الحرارة ارتفعت منذ بداية الثورة الصناعية 1.1 درجة، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.5 في العام 2030، وأن تستمر بالتزايد.
هل النظام السياسي العالمي قادر على اتخاذ إجراءات تساهم في خفض الانبعاثات؟
بدأ انبعاث الغازات الدفيئة منذ مطلع عصر الثورة الصناعية إلى اليوم. وتعتبر الدول الصناعية الكبرى، مثل الصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، الأكثر تسبباً بالانبعاث المؤدي إلى الاحتباس الحراري، إذ إن هذه الدول تعتبر المستهلك الأكبر للوقود الأحفوري الذي يدخل في جلّ الصناعات، إلا أنَّ المخاطر لن تقتصر على هذه الدول، بل ستعود على كل الكوكب، وعلى دول الجنوب "الدول النامية" بشكل أكبر، نظراً إلى ضعف بنيتها التحتيّة وجاهزيتها للتعامل مع الكوارث الطبيعية والصراعات التي تُخاض على أراضيها. ومعظم هذه الصراعات ناجم في الأساس عن تدخل الدول الكبرى في شؤون دول الجنوب.
ونظراً إلى دور الدول الصناعية في تغيّر المناخ في هذا الكوكب، طالبت المنظَّمات الدّولية بمبلغ سنويّ قدره 100 مليار دولار، لمساعدة الدول النامية على تعزيز المرونة والقدرة على الصمود في مواجهة الأخطار المرتبطة بالمناخ، والتقليل من استخدام الوقود الأحفوري (الفحم، والنفط، والغاز) إلى أقلّ ما يمكن، والاعتماد على الطاقة المتجدّدة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج والطاقة الكهرومائية، إضافةً إلى وقف الزحف العمراني على حساب الأراضي الزراعية، والاهتمام بها وزيادة رقعتها، وهو ما فشلت في تحقيقه، على الرغم من تعهّداتها بتحقيق هذه المطالب.
لم تلبِّ الاتفاقيات التي وقعت من كيوتو إلى باريس الطموحات المرجوّة، وعانت أثر المتغيرات السياسية، كانسحاب الولايات المتحدة الأميركية من اتفاقية باريس في حزيران/يونيو 2017، وذلك بعد تولي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الرئاسة، فهل سيكون لاتفاقيّة غلاسكو مصير أفضل، وهي التي فشلت في الأساس في توفير الـ100 مليار دولار المتعهد بها؟ وبفعل الضغط الغربي، لم تتضمن آلية تعويض للخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ!
أولوية الهيمنة السياسية والاقتصادية للغرب
في الوقت الذي تحاصر الولايات المتحدة وحلفاؤها الملايين من البشر في اليمن وإيران وسوريا ولبنان وكوبا وفنزويلا وغيرها من البلدان، هل ستساعد هذه الدول مالياً وعملياً في الاعتماد على الطاقة النظيفة، كما تنصّ الاتفاقيات المناخية بما يخصّ مساعدة الدول الغنيّة لدول الجنوب، في الوقت الّذي تحاول إفقارها سعياً لإسقاط أنظمتها؟
تعاني دول الجنوب بسبب سياسات الغرب الاستعماريّة على كلّ الصعد، من بنية تحتية هشّة إلى غياب المشاريع السياسية والاقتصادية، بسبب الحروب أو حكم الطبقة البرجوازية التي خلفها الاستعمار، وهو ما يجعل أثر الظواهر المناخية العنيفة والأعاصير وحرائق الغابات أكبر، ما يتسبّب بخسائر بشرية ومادية جسيمة، ويجعل من الصّعب التوجّه إلى طاقة نظيفة.
هل نتوقّع من الصين والولايات المتحدة - وهما المتسبّبتان بالكمّ الأكبر من الانبعاثات - التعاون لإيجاد حلول للأزمة المناخية في خضم حرب اقتصادية وعقوبات متبادلة؟ من جهتها، تنفق أستراليا عشرات المليارات على غواصات نووية، بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا، لتهديد الصّين، تحت الشعار الديمقراطية في تايوان، وهي شعارات اعتدنا سماعها، وتتوارى خلفها أهداف اقتصادية إمبريالية.
طبعاً، الصين ليست الدولة الوحيدة التي تتعرَّض للهجمات الغربية الرافضة لنموّها الاقتصادي ولمنافستها في صناعات مهمّة، كذلك هو الحال مع روسيا وإيران، اللتين لا تنفك الولايات المتحدة وحلفاؤها تعوّق مشاريعهما وتشوّه نياتهما، ما يجعلنا نشكّك في رغبة الغرب وحلفائه في التعاون لحماية الكوكب.
المطلوب اليوم هو وضع مواجهة تغيّر المناخ في قمة الأولويات، متفوقاً على الصراعات السياسية الاقتصادية وسباقات التسلح، أي تغيّر الطريقة التي يُدار بها العالم بشكل جذريّ، وهو أمر مستبعد جداً، لكنَّها الوسيلة الوحيدة حتى لا ترتفع درجة حرارة الكوكب أكثر من درجتين قبل العام 2100 مقارنة بما كانت علية قبل الثورة الصناعية - وهو ارتفاع يعتبر قابلاً للاستيعاب - أي التعاون الجاد وتعزيز المرونة والقدرة على الصمود في مواجهة الأخطار المرتبطة بالمناخ والكوارث الطبيعية في جميع البلدان، وتعزيز القدرة على التكيّف مع تلك الأخطار، وبشكل أساسيّ الاعتماد على الطاقة النظيفة بأكبر قدر ممكن، إذ يجمع خبراء الأمم المتحدة وعلماء المناخ على أنّها العامل الأكثر فاعلية لتقليل الاحتباس.