"سوخوي 35" إلى إيران.. هل تسرّع في اعتداء إسرائيلي أم في إنجاز الاتفاق النووي؟
يجب التركيز ومتابعة الموقف الإسرائيلي، فهل يمضي نتنياهو في مغامرته بالاعتداء على إيران، أم يضع تحفظاته على عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي جانباً، مسهلاً هذه العودة؟
في الظاهر، لا يبدو للمتابعين الجديّين أن هناك ارتباطاً مباشراً بين تنفيذ تل أبيب اعتداءً مفاجئاً على طهران، يسبق حصول الأخيرة على قاذفة استراتيجية مثل"سوخوي 35" الروسية، وبين إعادة تحريك عجلة الاتفاق النووي وتخطيه التعقيدات الأخيرة. فبالنسبة لهؤلاء المتابعين، الاعتداء الإسرائيلي على إيران مرتبط بقرار واشنطن تسهيله ودعمه أو بالتحفظ عليه ومنع حصوله، وأيضاً يرتبط بإمكانية نجاح هذا الاعتداء وبتداعياته، وفي مقدمتها تدحرج المواجهة في كل منطقة الشرق الأوسط، على الأقل.
ولكن مع اقتراب اكتمال صفقة استلام وامتلاك إيران عدة أسراب من القاذفة الروسية سوخوي 35 (من الجيل الرابع ونصف)، ربما الكثير من المعطيات ستتغير، بالنسبة لإيران وبالنسبة لـ "إسرائيل"، والتي سوف تخلق هذا الارتباط الذي يراه المتابعون اليوم مفقوداً، بين الاعتداء على إيران وبين إنجاز الاتفاق النووي بسرعة. فما هي مميزات هذه القاذفة (سو 35)، والتي يمكن أن تحدث هذا التغيير الاستراتيجي؟ وأين تكمن أهمية امتلاك إيران-20 نسخة منها في المرحلة الأولى– بحسب أغلب المعطيات؟
في البداية، لا يمكن إجراء عرض لمميزات أي سلاح وخاصة للقاذفات الاستراتيجية، بشكل مجرد ومنعزل عن السلاح أو القاذفة التي ستواجهها من قبل الطرف المعادي، وهنا، أغلب المعطيات تذهب باتجاه المواجهة المرتقبة بين القاذفة الأميركية أف 35، والتي تمتلكها "إسرائيل" وتعتمد عليها بقوة، وبين القاذفة سوخوي 35 الروسية، والتي ستكون عماد القوة الجوية الضاربة الإيرانية في وقت غير بعيد.
بحسب مقال للخبير العسكري ديف ماجومدار في مجلة "ناشيونال إنترست"، فإن فرصة النجاة تبقى ضئيلة جداً لسرب من 4 مقاتلات أف 35 الأميركية بمواجهة العدد نفسه من سو35 الروسية، حيث أنه، برأي الخبير، القاذفة الروسية تعتبر أكثر تقدماً وتحتوي على معدات إلكترونية وملاحية أكثر حداثة، وكون الـ أف 35 قاذفة شبحية بالكامل، غير القاذفة سو 35، فإن حجرة الأسلحة الحاملة للصواريخ في القاذفة الأميركية، ستقيّدها لناحية نقل وحمل واستعمال أنواع وأعداد من صواريخ القتال والمواجهة الجوية، الأمر الذي يمكن للقاذفة الروسية أن تتجاوزه، فتعطيها هذه الميزة، إمكانية التفوق في المواجهة المباشرة جواً، مع تفوق في عدد الأهداف الأرضية التي يمكن أن تستهدفها.
طبعاً، وبكل موضوعية، هذا لا يعني أنه يجب تجاوز قدرات أف 35 الأميركية في التقنيات المتقدمة جداً وخاصة في خوذة الطيار أو في إمكانية المناورة القتالية من دون الحاجة إلى مدرج، الأمر غير المتوفّر بالنسبة للسوخوي الروسية. ولكن، من الضروري الانتباه إلى ميزتين لمصلحة السوخوي وهما: أن المقاتلة أف 35 "أحادية المحرك"، وفي المقابل فإن سو 35 "ثنائية المحرك"، كما أن سرعة السوخوي تبلغ 2778 كلم في الساعة، وسرعة أف 35 تبلغ 1975 كلم في الساعة.
ولتعطي هاتان الميزتان للسوخوي، تفوقاً حساساً في أي مواجهة مع القاذفات الأميركية إذا كانت مع القوة الجوية الإسرائيلية، وهنا بيت القصيد في هذه المقارنة، وفي أهمية امتلاك إيران هذه القاذفة، وفي تأثير هذا الامتلاك على المواجهة، وبالتالي، على النقطة الأساس المطروحة وهي: هل يسلك الاتفاق النووي بطريقة جدية أكثر بعد هذه الصفقة لطهران؟ أم تسرّع هذه الصفقة من حصول اعتداء إسرائيلي على إيران قبل إكمالها؟
في الواقع، عدة أبعاد يمكن أن تتم الإضاءة عليها في هذا الموضوع وهي:
الأبعاد السياسية والاستراتيجية
إنّ تسليم موسكو طهران عدداً كافياً من قاذفاتها "المميزة "سوخوي 35" في الوقت الذي تعاني منه إيران ومنذ قيام الثورة الإسلامية، من حظر غربي واسع على القدرات الجوية والقاذفات تحديداً، وارتباطاً بذلك، على التجهيزات والتقنيات التي يمكن أن تستعمل في صناعة القاذفات، فإن الموضوع لافت ومهم، خاصة أن موسكو تعلم جيداً أن مهمة هذه القاذفات الرئيسية– وليست المهمة الوحيدة طبعاً– هي مواجهة الاعتداءات الجوية الإسرائيلية، الأمر الذي يضع روسيا في موقع وموقف أقرب إلى طهران من تل أبيب.
وهذه نقطة حساسة، تؤشر إلى أبعد من منح إيران قاذفاتها الاستراتيجية، لتصل إلى العلاقة السياسية القريبة بين موسكو وطهران، والتي بدأت تقوى مؤخراً، لعدة أسباب وفي مقدمتها، الحرب مع الناتو وموقف إيران الداعم لموسكو فيها، مقابل موقف "إسرائيل" السلبي من العملية الروسية في أوكرانيا، وهنا تحديداً، يجب النظر إلى أهمية موقف موسكو، والذي سيكون سلبياً حتماً، من أي اعتداء إسرائيلي مفاجئ على طهران.
الأبعاد العسكرية
إضافة إلى مميزات السوخوي، لناحية السرعة أو لناحية الحمولة من الصواريخ، أو لناحية المحرك الثنائي، فإن نقطة الحسم في هذه المواجهة ستكون في المناورة الجوية التي هي لمصلحة إيران، حيث أن العمق الإسرائيلي هش وضيق، بمعنى أن تأثيرات الصواريخ الباليستية الإيرانية التي ستُطلق من داخل إيران، أو الموجودة لدى حزب الله في لبنان أو في سوريا، مع مسيّرات الطرفين طبعاً، ستكون مؤذية على القواعد الجوية ومدارج القاذفات الإسرائيلية، والتي قد تخرج من الخدمة مباشرة بعد انطلاق المواجهة الواسعة.
وهذا الأمر محمية منه إيران، نظراً للعمق الواسع بين قواعدها الجوية، والتي ستكون قادرة على الاستمرار في إدارة مناورة المواجهة الجوية، أكثر من "إسرائيل"، والتي عليها العمل والمناورة في مسرح بعيد جداً وغير محمي من وسائل الدفاع الجوية الإيرانية، حيث لا يمكن التكهن بقدراتها الغامضة حتى الآن، لتبقى المناورة الجوية الإسرائيلية فوق إيران، مقيّدة بالحاجة الماسة إلى التزود بالوقود جواً، والذي، رغم إمكانية إيجاد حل أميركي له(للتزود جواً بالوقود)، فإنّ الفارق في هذه المواجهة الجوية، ستفرضه السوخوي 35 وسيكون لمصلحة إيران.
انطلاقاً من هنا، يجب التركيز ومتابعة الموقف الإسرائيلي بعد اليوم، فهل يمضي نتنياهو وبدفع من شركائه المتشدّدين في الحكومة، في مغامرته بالاعتداء على إيران، تحت تبرير "إيجاد حل للتهديد النووي الإيراني" كما يدّعي، قبل اكتماله وامتلاك طهران سلاحاً نووياً، فيصطدم بتغيير جذري في عناصر المواجهة بين طهران وتل أبيب، مع وصول السوخوي إلى إيران، لتكون مغامرته خطيرة وغير مضمونة وتحمل النسبة الأكبر من إمكانية الهزيمة والفشل أكثر من نسبة النجاح؟
أم يدرس قراره بطريقة منطقية وواقعية أكثر، ويضع تحفّظاته وملاحظاته على عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي جانباً، مسهّلاً هذه العودة، خاصة أن الاتفاق النووي كما تطرحه طهران، يضمن عدم امتلاكها لسلاح نووي مع حصولها أولاً على ضمانات ثابتة لحماية الاتفاق، ومع حصولها على كامل حقوقها المسلوبة من قبل الأميركيين؟
ومع تعادل إمكانية حصول الاتجاهين؛ اعتداء إسرائيلي لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، أو عودة أميركية ثابتة إلى الاتفاق النووي من دون اعتداء إسرائيلي، يبقى في تقديرنا خيار الاعتداء مستبعداً حالياً، حيث جاءت النقطة الأقوى لاستبعاده، في مضمون القرار الروسي بتزويد إيران بالقاذفة الاستراتيجية سوخوي 35.