خطة الولايات المتحدة لردع الصين تنذر بتقديم الصراع على تايوان
نظرة خاطفة على الوضع الاستراتيجي الأميركي في آسيا تمنحنا فكرة عن كيفية التطويق الجارية للصين. تطويق قد يؤدي ببكين إلى الإسراع في استعادة تايوان.
سباق التسلّح في شرقي آسيا يتخذ بعداً يزداد خطورة يوماً بعد يوم. فالولايات المتحدة بالمشاركة مع مجموعة دول تمتد من اليابان وكوريا الجنوبية إلى أستراليا وبريطانيا، ضالعة في تنفيذ خطة السنوات العشر لتطويق الصين والذريعة حماية تايوان من الغزو.
وبات مسلماً بأن واشنطن تشعر بخطورة الصين على عرشها كحاكمة للمنظومة الدولية. وهو العرش الذي فازت به في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي هذه اللعبة، اليابان المهزومة بالنووي الأميركي ستمثّل شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة، والفلبين التي قاتلت الاحتلال الأميركي لنيل الاستقلال تفتح أراضيها وقواعدها للترسانة الأميركية، من دون قيد أو شرط. حتى فيتنام التي دمرتها الولايات المتحدة بكل أنواع الأسلحة المحرمة دخلت مع الولايات المتحدة في علاقات متنوّعة تشمل التنسيق الأمني البحري.
البداية تنطلق من تقرير الاستراتيجية الدفاعية القومية الأميركية "ناشيونال ديفينس ستراتيجي" الأخير الذي صدر عن البنتاغون في أواخر العام الماضي. وهو تقرير يصدر مرة كل أربع سنوات، ويتحدث عن الصين كمزاحم استراتيجي مهدد لمكانة الولايات المتحدة على المدى القصير، وأن الصين ذات النهضة الشاملة، "تتغول على جوارها بما يخدم طموحاتها بالهيمنة". والصين ترغب في إطاحة النظام الأميركي وفي إنشاء نظام عالمي مختلف، "مبني على نظرتها وأسلوبها في الحكم". والصين وهي" تسرّع بناء قواتها العسكرية وتحدّثها بشكل مقلق للولايات المتحدة، إذ تبني وتنشر ما يعادل بحرية بريطانية كاملة كل أربع سنوات".
وأورد التقرير أيضاً أن الصين "لا تراعي القانون الدولي في توسيع رقعة هيمنتها البحرية". كذلك "تختبر صواريخ أكبر وأبعد مدى في تلك المياه، وتستحوذ على مصائد أسماك واسعة … وتبني الجزر، وتنتهك الأجواء الإقليمية بمقاتلات، لا سيما فوق تايوان".
يخلص التقرير إلى أن "الزمن قصير ولا يسعنا التهاون مع هذا الطموح الصيني الذي يهدد مكانة الولايات المتحدة أكثر من أي تهديد آخر". ويضيف، "لا بد من العمل سريعاً ومعالجة هذا الخلل في مهلة لا تتعدى عشرة أعوام".
تكرر الولايات المتحدة أن الصين تنوي ضمّ تايوان بالقوة في موعد لا يتعدى عام 2027. وفي ذلك مخالفة لاتفاق الصين الواحدة على أساس عدم استخدام القوة مع تايوان. وبالتالي، سارعت واشنطن في التنسيق مع الدول المجاورة على غرار ما تفرضه حرب أوكرانيا على دول حلف "الناتو" الأوروبية من زيادة في الميزانية العسكرية والتكامل مع الولايات المتحدة في المواجهة مع روسيا عبر أوكرانيا. وهذا النموذج يتكرر حرفياً في المحيط الهادئ وفي بحر الصين الجنوبي. ونظرة خاطفة على الوضع الاستراتيجي الأميركي في آسيا تمنحنا فكرة عن كيفية التطويق الجارية للصين. تطويق قد يؤدي ببكين إلى الإسراع في استعادة تايوان.
الولايات المتحدة منتشرة بقوة في شرقي آسيا، فهناك ثمانية آلاف عسكري في جزيرة غوام، ولديها 100 قاعدة عسكرية في اليابان تضمّ 21 ألف عسكري. فضلاً عن 24 ألفاً آخرين على جزيرة أوكيناوا.
وفي كوريا الجنوبية يصل عديد القوات الأميركية إلى 23 ألفاً. أضف إليها القاعدة البحرية الكبرى في سنغافورة، تشانغي..
التقرير يوصي بـ"الردع المتكامل". الردع الذي يجعل الصين "تلزم حدّها"، وفق التعبير المستخدم. ويتحدث البنتاغون عن الشراكة مع الحلفاء كمركز للعقيدة الردعية الجديدة. تكامل بين الولايات المتحدة والدول الحليفة كاليابان وكوريا الجنوبية، وسنغافورة والفلبين وفيتنام وأستراليا بشراكة مع بريطانيا.
اليابان، التي تخسر أمام الصين على المستويين الاقتصادي والعسكري تتحدث بالحدة نفسها في نظرتها وعقيدتها الدفاعية عن الخطر الصيني المحدق. وتفتح جزرها الممتدة حتى حدود تايوان، للبحرية الأميركية عدا عن زيادة ميزانيتها وإعادة بناء قواها الذاتية. وخصصت مؤخراً جزيرة "ماغيشيما" كقاعدة عسكرية، وأعطت لصيادي الأسماك تعويضات شهرية للابتعاد عنها نهائياً لما تخفيه من أسرار عسكرية.
وأدخلت اليابان صواريخ بعيدة المدى على جزيرة "أمامي" الواقعة إلى الجنوب من "ماغيشيما". وتشتري صواريخ كروز من الولايات المتحدة لتنشرها فيها. ولا يغيب هنا ذكر جزيرة "أوكيناوا" التي تضم عشرات الآلاف من القوات الأميركية. ولليابان قواعد عسكرية في "أوكيناوا" وهي تنشر الكثير من الصواريخ الثقيلة بعيدة المدى إلى جانب صواريخ كروز المجنّحة وأجهزة القتال الإلكترونية الحديثة.
ويمتد زحف اليابان جنوباً بنشر صواريخ مضادة للسفن في جزيرتي "مياكو جيما"، و"إيشي غاكي" القريبتين من تايوان. اليابان نشرت 600 من قواتها في الجزيرة الأخيرة حيث تستطيع منها ومن الجزر السابقة اعتراض البوارج والطائرات الصينية. كذلك نشرت في "يوناغوني"، الجزيرة الأقرب إلى تايوان، وسائل تجسس ورصد وتشويش إلكتروني كنقطة اعتراض وإنذار مبكّر في سلسلة استعداداتها ضدّ الصين.
الولايات المتحدة واليابان أجرتا مناورات مشتركة في هذه الجزر مؤخراً. وتمثّل هذه الجزر بما تضمّه من أجهزة دفاعية تعدّ الأكثر تطوراً في الغرب، جداراً يتولى مهمة اعتراض أي صواريخ استراتيجية تنطلق من الصين والتحذير منها بمجرد تحركها. والأسلحة الموضوعة على هذه الجزر، فضلاً عن تلك التي رفعت الموازنات الحربية لشرائها، صناعة أميركية بنسبة 97 %. الأمر الذي يجعل صناعة السلاح في الولايات المتحدة المستفيد الأول من التوتر في المنطقة. وتراهن الولايات المتحدة واليابان على أن يكون مجرد وجود هذه الترسانة الضخمة من الاستعدادات الدفاعية رادعاً للصين لكي لا تغزو تايوان، صاحبة أفضل مصنع أشباه موصلات في العالم.
وفي المقلب الآخر، تلعب الولايات المتحدة على الخلاف الكبير بين الصين من جهة والفلبين وفيتنام من جهة ثانية على المياه الإقليمية المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. ورغم أن الولايات المتحدة لها تاريخ طويل من العداء مع الفلبين التي استعمرتها لعقود طويلة بعد الحرب العالمية الأولى، فإن مانيلا سمحت بنشر تسع قواعد عسكرية أميركية في شمال الجزر، أي في أقرب مسافة من تايوان والصين.
الولايات المتحدة لا تكتفي بذلك، بل أقحمت أستراليا معها في تحالف يضم بريطانيا في قوة بحرية مؤلفة من غواصات نووية كبيرة، هو تحالف "أوكوس". هذه الصفقة مؤلفة من ثلاثة عناصر تشمل حسب معهد "كارناغي"، اتفاقاً ببيع أستراليا بين 3 و5 غواصات من طراز فيرجينيا بدءاً من 2032. وإنتاج طراز جديد من الغواصات بالشراكة بين أستراليا وبريطانيا يدعى "أوكوس" ليدخل الخدمة بحلول 2040. وثالثاً تعمل الدول الثلاث لتوسيع طاقة الإنتاج من الغواصات. الصفقة ضخمة جداً وستكلّف أستراليا وحدها 368 مليار دولار.
لذا، لا يخلو أي خطاب صيني روسي من ذكر هذه الصفقة كتحد استراتيجي ونشر للسلاح النووي بانتهاك واضح لمعاهدة منع الانتشار النووي. وأستراليا فتحت للقاذفات الاستراتيجية الأميركية استخدام قاعدة "تيندال" الجوية في شمال البلاد. وهذه القاذفة، فضلاً عن الغواصات، قادرة على نقل صواريخ ذات رؤوس نووية.
وفي الخلاصة، يتكوّن تحالف استراتيجي غربي في المحيط الهادئ، تهيمن عليه الولايات المتحدة، ربما يتجاوز حلف "الناتو" في الغرب. وهدفه المعلن، هو منع الصين بما تملكه من قدرات علمية واقتصادية وبشرية وعسكرية من كسر الهيمنة الأميركية في المنطقة وما وراءها. هذا التحالف أنتج سباق تسلّح ربما أكبر مما ساد في حقبة الاتحاد السوفياتي. وفي ظلّ الخوف القائم من فقدان المكانة، ربما تؤدي خطة الاحتواء الأميركية من أجل منع الحرب على تايوان، إلى التعجيل بوقوعها. ففي مقابل التحالفات الغربية الآسيوية، توطد الصين علاقاتها مع كوريا الشمالية وروسيا التي أجرت معها مناورات بحرية ضخمة مؤخراً، في عرض قوة يعبّر عن جدّية المواجهة المحتملة، وعدم الاستخفاف بخطورة الخطط التي ترسم لها.