تركيا والاتحاد الأوروبيّ... "باي باي" إردوغان
يعرف الجميع أن لا أحد في الاتحاد ينظر إلى تركيا تحت حكم إردوغان نظرة إيجابية باستثناء أولئك الذي يستفيدون منه بشكل أو بآخر على كلّ الأصعدة.
بعد شهرين ونيف من القمة الأطلسية التي انعقدت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس في 11 تموز/يوليو الماضي، فوجئت أنقرة بالتقرير السنوي للبرلمان الأوروبي الذي أقرّه بأغلبية 434 واعتراض 18 وامتناع 152 عضواً عن التصويت.
التقرير الذي يعتبر بمثابة التوصية للمجلس الأوروبي والقمة الأوروبية التي ستعلن عن تقريرها السنوي الخاص بتركيا أواخر الشهر المقبل، أثار ردود فعل عنيفة في أنقرة.
الخارجية التركية استنكرت قرار البرلمان وقالت عنه "إنه سطحيّ وذو رؤية ضيّقة وغير منطقي، ويحمل في طياته النوايا السيئة والقناعات المسبقة لمن أعدّوه ووافقوا عليه". ردّ الفعل التركي العنيف على مستويات مختلفة، بما في ذلك تصريحات الرئيس إردوغان، يعكس بكل وضوح خيبة أمل إردوغان من وعود المسؤولين الأوروبيّين والرئيس بايدن له قبل وخلال القمة الأطلسية التي وافق خلالها إردوغان على انضمام السويد للحلف الأطلسي، مقابل فتح أبواب الاتحاد في وجه الأتراك.
وهذا ما قاله إردوغان آنذاك للشعب التركي بعد حملة المعارضة التي اتهمته بالتراجع عن تهديداته للغرب في موضوع السويد وفنلندا، كما فعل ذلك مع زعماء الإمارات والسعودية ومصر والكيان الصهيوني من دون أي مبالاة من أتباعه وأنصاره الذين اعتادوا على هذا السلوك السياسي لإردوغان.
تقرير البرلمان الأوروبي استبعد أي تطورات مثيرة وعملية على طريق مباحثات العضوية بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، واشترط لذلك "إجراء إصلاحات شاملة وجذرية وعملية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد أن رفضت تركيا الالتزام بقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في العديد من القضايا الحقوقية، وأهمها اعتقال قيادات حزب الشعوب الديمقراطي السابقين ورجل الأعمال عثمان كافالا".
واقترح التقرير الذي يشمل جميع تفاصيل العلاقة بين الطرفين صيغة مختلفة للعلاقة مع تركيا بعيداً عن العضوية التامة، ومنها الشراكة المتكافئة، مغلقاً بذلك أبواب الاتحاد في وجه الأتراك مبدئياً حتى العام 2030، واستراتيجياً إلى ما لا نهاية. وسبق للاتحاد أن تحجّج وفي أكثر من قرار بأنّ المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا تتفق مع المعايير والمقاييس الأوروبية، هذا بالطبع إذا تجاهلنا الجانبين الديني والقومي لسياسات الرئيس إردوغان.
وأعلن معظم القادة والمسؤولين الأوروبيّين طيلة السنوات الماضية عن انزعاجهم وقلقهم من هذه السياسات التي يستغلها إردوغان في حساباته الداخلية، حيث هو يهدّد ويتوعّد الغرب قبل كل انتخابات ومنذ استلامه للسلطة نهاية 2002. وهذا ما فعله قبل الانتخابات الأخيرة حيث هدّد وتوعّد أوروبا وأميركا، وقال عنها ومعه إعلامه الموالي إنها "تغار وتحسد تركيا على نجاحاتها وانتصاراتها العظيمة في جميع المجالات".
وجاءت تصريحات إردوغان اليوم (السبت) لتعكس استمرار هذا النهج حيث قال: "رداً على موقف الاتحاد السلبي نحن بدورنا لن نتردد في قطع علاقاتنا مع الاتحاد نهائياً" .
وجاء النشيد الوطني الجديد الذي أعلن عنه إردوغان الأسبوع الماضي بمناسبة الذكرى المئوية لقيام الجمهورية التركية ليعكس هذه المعنويات العالية لدى اتباع إردوغان حيث جاء فيه: "إنه القرن التركي الذي يرتجف العالم منه رعباً". وعلّقت المعارضة على هذه الجملة وسألت إردوغان "إذا كان العالم يرتجف رعباً من القرن التركي أي أنت، فلماذا تذهب إلى بوتين والسيسي وابن سلمان وابن زايد وتتوسّل إليهم كي يصالحوك ويساعدوك مالياً لإنقاذ البلاد من أزمتها الخطيرة، وأنت السبب في ذلك".
وعودة لعلاقات أنقرة مع الاتحاد الأوروبي الذي كان عدد أعضائه خمس دول فقط عندما وقّعت تركيا على اتفاقية العضوية مع السوق الأوروبية المشتركة عام 1963 وهم الآن 27 دولة، فقد بات واضحاً أن قرار البرلمان الأخير كان بمثابة الإعلان الرسمي عمّا هو معروف لدى الجميع، وهو إغلاق أبواب الاتحاد في وجه الأتراك إلى الأبد.
وكأنّ الأوروبيّين يقولون لإردوغان: "باي باي يا إردوغان فأنت لا تليق بنا وبثقافتنا، إذ إنك لم تخطُ أي خطوة خلال عشرين عاماً على طريق الالتزام بمعايير كوبنهاغن، وخاصة تلك التي لها علاقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير". وكان قرار الاتحاد بضم جمهورية قبرص التي يمثّلها القبارصة اليونانيون فقط إلى الاتحاد عام 2004 بمثابة المؤشر الأهمّ والأخير على الرفض الأوروبي لاحتضان الأتراك داخل البيت الأوروبي المسيحي، وهم على أبوابه منذ 60 عاماً.
ويعرف الجميع أنّ القبارصة اليونانيين ومعهم اليونان لا ولن يوافقوا على ضم تركيا للاتحاد الأوروبي، طالما هم يتهمونها باحتلال الشطر الشمالي من الجزيرة. في الوقت الذي تستمر فيه الخلافات بين أنقرة وأثينا حول العديد من القضايا المعقّدة، وأهمها المياه الإقليمية والجرف القاري والمناطق الاقتصادية الخالصة في بحر إيجة، والمجال الجوي فوق هذا البحر، يضاف إلى ذلك اتهامات أنقرة لليونان بتسليح الجزر القريبة من الشواطئ التركية وهو ما يخالف الاتفاقيات الثنائية والدولية.
ومن دون أن يعني كل ذلك أن الرئيس إردوغان المعروف عنه عداؤه القومي والديني لأوروبا منذ شبابه، جادّ في حديثه عن العلاقة مع الاتحاد، طالما أن الطرفين مستفيدان اقتصادياً وتجارياً من هذه العلاقة في إطار الاتفاقية الجمركية الموقّع عليها عام 1996.
كما تستفيد أنقرة من الوجود الواسع للمواطنين الأتراك في دول الاتحاد بعد أن وصل عددهم إلى خمسة ملايين، ويرى فيهم إردوغان سلاحه النفسي للدعاية لأفكاره المطعّمة دينياً وقومياً وتاريخياً، وحتى لو أزعج ذلك العديد من العواصم الأوروبية التي تستثمر مئات المليارات من الدولارات في تركيا، التي تصدّر نحو ستين في المئة من مجموع صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
ويعرف الجميع أن لا أحد في الاتحاد ينظر إلى تركيا تحت حكم إردوغان نظرة إيجابية باستثناء أولئك الذي يستفيدون منه بشكل أو بآخر على كلّ الأصعدة الداخلية تركياً أو إقليمياً ودولياً، كما هو الحال منذ ما يسمّى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، ولاحقاً ما يسمّى بـ "الربيع العربي" الذي أدّت تركيا فيه وما زالت الدور الرئيسي!