بعد 21 عاماً من حكم إردوغان.. تركيا بلد بلا دستور
يرى المراقبون في الواقع السياسي التركي وتمزّق المعارضة عشية الانتخابات البلدية نهاية آذار/مارس المقبل فرصة إردوغان الذهبية لتحقيق ما تبقّى من أهدافه بعد تغيير الدستور ليبقى في السلطة حتى 2038.
أسقط البرلمان بأغلبيته التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية الحاكم وحلفاؤه من أحزاب اليمين، وأهمها الحركة القومية، عضوية جان أطالاي الذي انتخب في ولاية هاتاي (إسكندرون) عن حزب العمال التركي في انتخابات نهاية أيار/مايو الماضي. وجاء قرار البرلمان بحجة أنّ أطالاي لم يحضر اجتماعات البرلمان لمدة تسعين يوماً، ومن دون أن يناقش البرلمانيون سبب الغياب هذا وهو أن أطالاي في السجن، حيث رفضت إحدى محاكم التمييز إخلاء سبيله على الرغم من قرار المحكمة الدستورية العليا، ويعرف الجميع أن قراراتها ملزمة بالنسبة لكل السلطات التنفيذية والإدارية والقضائية والتشريعية، وفق المادة 153 من الدستور.
ويبدو أن إردوغان ومن معه لا يلتزمون به، بل يتجاهلونه تماماً إلّا في الحالات التي تخدم حساباتهم هم فقط.
فالدستور يفرض على رئيس الجمهورية أن يكون محايداً وغير منحاز لأي من الأحزاب السياسية، وهو ما لا يلتزم به إردوغان طالما هو زعيم حزب العدالة والتنمية.
ويشترط الدستور على رئيس الجمهورية أن يكون حاملاً لشهادة جامعية، وهو ما لم يثبته إردوغان على الرغم من مطالب المعارضة المتكرّرة. ومن دون أن يتذكّر أحد أيضاً أن الرئيس إردوغان في حالات متعددة قال إنه "لا يحترم قرارات المحكمة الدستورية العليا ولن يلتزم بها"، كما هو أكد أكثر من مرة رفضه لقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي أمرت بإخلاء سبيل صلاح الدين دميرطاش، الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي وقراراتها ملزمة بالنسبة للدولة التركية.
الرئيس إردوغان وخلال حكمه للبلاد منذ نهاية 2002 أجرى العديد من التعديلات في الدستور الذي صاغه العسكر بعد انقلاب 1980، وسيطر وفق تعديلات 2010 على القضاء، ووفق تعديلات نيسان/أبريل 2017 على كل شيء، بعد أن قام بتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، فأصبح الحاكم المطلق في البلاد والآمر الناهي في كل صغيرة وكبيرة.
هذا هو الحال في قضية عضو البرلمان جان أطالاي، فقد قال إردوغان عنه إنه "إرهابي ولن يخرج من السجن"، بحجة أن له علاقة باعتصامات ساحة تقسيم عام 2013. وكذلك هو الحال مع رجل الأعمال عثمان كافالا الموجود في السجن منذ أكثر من سبع سنوات، وأمرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بإخلاء سبيله هو أيضاً. ومن دون أن يبالي إردوغان بذلك هاجم المحكمة متهماً إياها "بالتدخّل في الشأن التركي الداخلي لصالح الإرهابيين"، على حد قوله.
وترى المعارضة في موقف الرئيس إردوغان خطراً على مستقبل الدولة التركية بمؤسساتها كافة بعد أن سيطر على هذه المؤسسات، وأهمها الجيش الذي كان حامي حمى النظام العلماني وأصبح الآن حامي حمى إردوغان، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/يوليو 2016. إردوغان بعد هذا الانقلاب أقال واعتقل أكثر من 20 ألفاً من قيادات وضباط الجيش بحجة تورّطهم في الانقلاب المذكور، ثم قام بتعيين الموالين له في المناصب القيادية للجيش، بعد أن أسس ما يسمّى بجامعة الدفاع الوطني التي حلّت محل الكليات الحربية.
وسيطر إردوغان أيضاً على جهاز المخابرات والقضاء والإعلام والمال، بعد أن حقّق للمقرّبين منه من رجال الأعمال أرباحاً خيالية، وسط أحاديث المعارضة عن قضايا فساد خطيرة تقدّر بمئات المليارات من الدولارات. وهو ما لا يستطيع أحد التحقيق فيه طالما أنّ إردوغان يسيطر على الأمن والقضاء وأجهزة الرقابة الحكومية، التي لا يتأخّر في تغيير المسؤولين فيها إذا تحدّثوا أو سرّبوا أيّ معلومات عن قضايا الفساد المذكورة.
كلّ ذلك مع الحديث عن استعدادات الرئيس إردوغان لصياغة دستور جديد للبلاد وفق مزاجه وحساباته السياسية والعقائدية، وأهمها التخلّص من النظام العلماني مع المزيد من الحريات للتيار الديني الموالي له.
وهو ما بدأ فعلاً منذ عدة سنوات، خاصة بعد ما يسمّى بـ "الربيع العربي"، الذي أدّى إردوغان فيه وما زال دوراً مهماً من خلال علاقاته ودعمه لكل المجموعات والقوى والفصائل الإسلامية "السنية" في دول "الربيع العربي"، وأهمها سوريا باعتبار أنها جارة لتركيا. وساعد ذلك إردوغان لاحقاً لتأدية دور مهم في ليبيا، بعد أن نقل إليها الآلاف من المرتزقة للقتال إلى جانب الفصائل الإسلامية الموالية لإردوغان ضد قوات خليفة حفتر المدعومة من مصر والإمارات والسعودية.
ويرى المراقبون في الواقع السياسي التركي وتمزّق المعارضة عشية الانتخابات البلدية نهاية آذار/مارس المقبل فرصة إردوغان الذهبية لتحقيق ما تبقّى من أهدافه بعد تغيير الدستور ليبقى في السلطة حتى 2038. فمن المتوقّع للدستور الجديد أن يسمح للرئيس أن يرشّح نفسه لولايتين جديدتين، بعد الاستفتاء على الدستور الجديد الذي لن يضع بعين الاعتبار السنوات العشر من حكمه حتى الآن وما تبقّى له من الولاية الحالية التي ستنتهي في 2028.
وهذه الفترة ستكون كافية بالنسبة لإردوغان كي يختار خليفته، وسط المعلومات التي تتحدّث عن منافسة حادة بين صهريه الأول وزير المالية السابق برات البابراك، والثاني صاحب مصانع المسيّرات سلجوق بيرقدار، ومن دون تجاهل حظوظ نجله بلال بل وحتى ابنته سمية زوجة سلجوق، وهو ما يتحدّث عنه الإعلام بين الحين والحين.
ويبقى الرهان على النتائج المحتملة للانتخابات البلدية المقبلة، وحظوظ إردوغان فيها قوية، بعد حالة التمزّق التي تعاني منها أحزاب المعارضة في إثر انهيار تحالف الأمة الذي كان يجمع في انتخابات الرئاسة حزب الشعب الجمهوري مع أحزاب المستقبل بزعامة أحمد داوود أوغلو، والديمقراطية والتقدّم بزعامة علي باباجان، والسعادة الإسلامي بزعامة تامال كاراموللا أوغلو، والديمقراطي بزعامة كولتكين آويصال، والجيّد بزعامة ميرال أكشنار.
وقد قرّروا معاً خوض الانتخابات بلوائح مستقلة، وهو ما يهدّد بهزيمة مرشّحي الشعب الجمهوري في الولايات المهمة، وأبرزها إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا وغيرها، وبهزيمتهم سيحقّق انتصاره الثامن عشر، حيث انتصر على معارضيه في كل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية والاستفتاءات على الدستور، ولم يبقَ أمامه إلّا أن يعلن نفسه سلطاناً بعد أن سقطت أحلامه في الخلافة التي تغنّى بأمجادها في بدايات ما يسمّى بـ "الربيع العربي"، وحقّق من خلاله الكثير من المكاسب الداخلية والإقليمية والدولية!