الحل في سوريا.. ما الحقائق الديموغرافية؟
حديث الرئيس إردوغان عن "الحقائق الديموغرافية" يعكس بوضوح استمرار موقفه التقليدي حيال الأزمة السورية، وهو ما يتناقض مع الموقفين الروسي والإيراني.
بعد مباحثاته الفاشلة في سوتشي مع الرئيس فلاديمير بوتين بشأن سوريا، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: "إن تركيا تسعى جاهدة للتوصل إلى حل للأزمة السورية يعتمد على الحقائق الديمغرافية لسلامة الأراضي السورية"، وناشد الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة المهتمة بالملف السوري "اتخاذ الموقف نفسه".
وفي طريق عودته من سوتشي، تحدث إردوغان إلى الصحافيين الأتراك المرافقين له، وقال: "بصراحة، لم يتطرق الرئيس بوتين خلال مباحثاتي معه إلى الاشتباكات الأخيرة في دير الزور، ما اضطرني إلى تلخيص وجهة النظر التركية حول ذلك. قلت له إن قوة العشائر العربية التي تقاتل وحدات حماية الشعب الكردية تزداد باستمرار، لأنها تدافع عن أرضها، وهي صاحبة هذه الأرض. هذه الأرض ليست للمجموعات الإرهابية. موقف العشائر العربية وطني وقومي شريف، لأنها تتصدى للإرهاب. وقد أبلغت واشنطن بموقفنا هذا لأن دعم الإرهاب يزعزع أمن سوريا والعراق واستقرارهما معاً، ويستهدف وحدة الدولتين وسيادتهما".
كلام الرئيس إردوغان هذا لم يحظَ باهتمام الإعلام العربي والدولي، ولم يذكّره أحد بأنَّ القوات التركية التي تسيطر على نحو 10% من الأراضي السورية بالتنسيق والتعاون مع ما يسمى "الجيش الوطني السوري" الذي تأسس في أنقرة صيف العام 2019 هي التي تستهدف، كما يؤكد الرئيس الأسد، وحدة وسيادة الدولة السورية التي لا يسمح لها إردوغان بالاقتراب من إدلب وجوارها، التي تقع تحت سيطرة النصرة الإرهابية وفق تصنيف الدولة التركية أيضاً.
ولم يسأل أحد: ما الذي قصده الرئيس إردوغان من عبارة "الحقائق الديموغرافية للأراضي السورية"؟ يبدو أنه كان يشير إلى سيطرة الأغلبية الكردية داخل "قسد" على المناطق العربية شرق الفرات وغربه.
ولم يذكّر أحد الرئيس إردوغان بمقولات ومواقف الكرد الذين أعلنوا عن كيانهم المستقل في شمال شرقي سوريا، حيث الأغلبية الكردية في المنطقة، وفق إحصاءاتهم، وهذا ما كانوا يقولونه في عفرين وجوارها قبل أن يسيطر الجيش التركي على المنطقة ويطرد الميليشيات الكردية منها بداية 2018.
ولم يتذكر أحد أن الرئيس إردوغان، ومنذ تدخله في سوريا أواسط 2011، كان يتحدث عن حقوق التركمان، وهو الذي تبنى تشكيل المجلس الوطني التركماني السوري الذي تأسس في أنقرة التي تبنت تشكيل العديد من المجموعات التركمانية المسلحة في إطار ما يسمى "الجيش السوري الحر".
وكانت هذه المجموعات بتسمياتها التركية العثمانية، كالسلطان مراد والسلطان عبد الحميد، تطالب، وما زالت، بإقامة كيان تركماني مستقل في شمال سوريا ما دامت "التركيبة الديموغرافية" في هذه المنطقة لمصلحة التركمان وفق إحصائيات الطرف التركي الذي كان يتحدث منذ بداية الأحداث عما يسمى بخارطة الميثاق الوطني التركي لعام 1920.
وكانت هذه الخارطة ترى في الشمال السوري من ريف اللاذقية إلى حلب، ومنها إلى الرقة، ثم ولاية الموصل التي تضم كركوك والموصل وأربيل والسليمانية، جزءاً من أراضي الجمهورية التركية.
حديث الرئيس إردوغان عن "الحقائق الديموغرافية" يعكس بوضوح استمرار موقفه التقليدي حيال الأزمة السورية، وهو ما يتناقض مع الموقفين الروسي والإيراني، ويلتقي في بعض النقاط مع الموقف الأميركي الداعم لوحدات حماية الشعب الكردية التي قد ترتاح إلى حديث إردوغان عن "الحقائق الديموغرافية" للجغرافيا السورية بشقيها العرقي، وربما الطائفي أيضاً، في حال تقسيم سوريا وفق النظريات الاستعمارية المعروفة.
هذا هو ما تهدف إليه العديد من الدول والقوى الإقليمية والدولية التي ما زالت تعرقل الحل النهائي للأزمة السورية وتضغط على دمشق لإجبارها على تقديم الحد الأقصى من التنازلات تحت وطأة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب جداً من جهة، وحالات التوتر من جهةٍ أخرى، كما هي الحال في السويداء ودير الزور والأعمال الإرهابية التي تستهدف ريفي اللاذقية وحلب، وأحياناً بادية تدمر، وبغطاء أميركي وتجاهل عربي مقصود، على الرغم من "الانفتاح العربي" على دمشق قبل القمة العربية التي يبدو أنها بقيت في إطار فقرة من فقرات مسرحية "المضحك المبكي" التي اعتادتها المنطقة منذ ما يسمى بـ"الربيع العربي".
ويبدو أن هذا الربيع ما زال مستمراً، ولو بمضامين جديدة/قديمة، كما هي الحال في حديث الرئيس إردوغان عن "الحقائق الديموغرافية"، عرقياً كان أو طائفياً أو سياسياً، وكأنه يريد أن يقول إن أغلب الشعب داخل سوريا وخارجها ينظر إلى الأمور بمنظاره هو فقط، باعتبار أنها الصيغة الوحيدة للحل النهائي للأزمة ما دامت تركيا وحدها هي التي تستطيع أن تقرر مصير هذه الأزمة، سلباً كان أم إيجاباً.
ويفسر ذلك المعلومات التي بدأت تتحدث عن احتمال إقناع الرئيس الأسد بالقبول بلقاء إردوغان في موسكو أو سوتشي، بحضور الرئيسين بوتين ورئيسي، وربما بحضور زعماء آخرين، كالسيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد وتميم آل ثاني، بعد أن يكتفي الأسد بتعهدات الرئيس بوتين له.
ولا يدري أحد هل يضمن بوتين تعهدات إردوغان بالمساهمة الجدية في الحل النهائي للأزمة السورية بتفاصيلها المتشابكة مع حسابات الرئيس التركي! وكيف ذلك! يعرف الجميع أن إردوغان لن يوافق على حلها إلا بعد أن يحصل على كل ما يريده ويسعى إليه، ليس في سوريا فحسب، بل العراق وليبيا ومناطق أخرى من المنطقة العربية أيضاً، وهو ما يتطلب صفقة إقليمية جديدة تريد لها "تل أبيب" وحليفاتها أن تضمن الأمن القومي والديني والتاريخي للكيان الصهيوني على حساب شعوب المنطقة ودولها، مهما اختلفت "حقائقها الديموغرافية".