الانتخابات التركية.. هل يعود إردوغان إلى غرامه مع الكرد؟
يهدف إردوغان إلى إبعاد حزب الشعوب الديمقراطي عن "تحالف الأمة" الذي إن صوت الناخبون الكرد إلى جانبه في الانتخابات المرتقبة فالهزيمة ستكون مصير إردوغان من دون أي شك.
عندما قرأت مقال الدكتور أحمد الدرزي في موقع "الميادين نت" بعنوان "الكرد وقراءة التحولات الدولية" كان من الضروري إضافة بعض النقاط المهمة إلى هذا المقال، وهذه المرة من معطيات الداخل التركي وحسابات الرئيس إردوغان الشخصية فيما يتعلق بكرد تركيا والعراق والآن سوريا.
وهنا لابد لنا أن نعود قليلاً إلى بدايات ما يسمى "الربيع العربي"، عندما أطلق إردوغان حواراً سياسياً مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان بوساطة الرئيس العراقي الراحل جلال الطلباني. وكانت هناك لقاءات بين قيادات الكردستاني ومسؤولين أتراك في أوسلو، واكتسبت هذه اللقاءات طابعاً مثيراً مع المعلومات التي تحدثت عن اتصالات مباشرة مع زعيم العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، للاتفاق معه على مجموعة من الخطوات العملية على طريق الحل السياسي والديمقراطي للمشكلة الكردية في تركيا.
واكتسب هذا الحوار طابعاً مثيراً عندما سمح الرئيس إردوغان لعبد الله أوجلان بأن يخاطب الجماهير الكردية، التي كانت تحتفل بعيد النوروز في مدينة ديار بكر في آذار/مارس 2015 من خلال رسالته التي تلاها آنذاك قادة حزب الشعوب الديمقراطي.
وكانت هذه القيادات ترى في إردوغان حليفاً لها، والعكس صحيح في ظل التطورات الإقليمية، وأهمها الوضع في سوريا.
وكان هذا الوضع هو السبب في تدهور هذه العلاقة، بعد أن رفض صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي، الذي زار تركيا عدة مرات تلبية لدعوة الرئيس إردوغان المتتالية التمرد على دمشق في مقابل الاعتراف بحقوق الكرد كاملة في سوريا الجديدة بعد "التخلص" من الرئيس الأسد.
من أجل إقناع الكرد، عمل إردوغان لتعيين الكردي عبد الباسط سيدا رئيساً للمجلس الوطني السوري المعارض، وهو عيّن الكردي المستورد من أميركا رئيساً لما يسمى الحكومة السورية الموقتة.
وكان التناقض الآخر في حسابات الرئيس إردوغان الخاصة بكرد تركيا، عندما توقّع وتمنى في تصريحاته العلنية سقوط عين العرب-كوباني بيد "داعش" في الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2014، إلا أنه عاد وسمح للبيشمركة الكردية العراقية بعبور الأراضي التركية ودخول عين عرب لمساعدة المسلحين الكرد، وكان ذلك بعد اتصال من الرئيس أوباما.
وجاءت هزيمة حزب العدالة والتنمية في انتخابات حزيران/يونيو 2015 وخسر فيها الحزب الأغلبية في البرلمان لتفتح صفحة جديدة في سياسات إردوغان تجاه الكرد، أي حزب العمال الكردستاني وذراعه السورية الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الكردية.
فبعد هذه الهزيمة شهدت تركيا عدداً من الأحداث الإرهابية، نفذ بعضها انتحاريون من "داعش" وبعضها الآخر مسلحو العمال الكردستاني وفق تصريحات المسؤولين الأتراك.
ودفع ذلك الرئيس إردوغان إلى تغيير موقفه وقطع الحوار مع العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي، لأنه كان بحاجة إلى دعم حزب الحركة القومية حتى يعود ويسيطر على البرلمان. وهو ما تحقق له في انتخابات 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 ليصبح الكرد بعد ذلك من ألد أعدائه داخلياً وسورياً وعراقياً.
وجاء تحالف العمال الكردستاني وذراعه السورية الاتحاد الديمقراطي الكردستاني مع واشنطن تحت شعار محاربة "داعش" ليدفع الرئيس إردوغان إلى وضع خطط جديدة، الهدف منها السيطرة على الشمال السوري ومنع الكرد من "الوصول إلى المياه الدافئة" عبر شريط حدودي مع تركيا يمتد من القامشلي إلى عفرين وريف اللاذقية الشمالي.
وجاءت الموافقة الروسية في آب/أغسطس 2016 على توغل الجيش التركي في الأراضي السورية في جرابلس الإستراتيجية (المدينة في نقطة الصفر على الحدود مع تركيا، وتقع على الضفة الغربية لنهر الفرات، وعين العرب على ضفته الشرقية) وسيطرته على الباب وإعزاز ومناطق أخرى ليساعد الرئيس إردوغان للانتقال إلى المرحلة التالية من السيطرة على الشمال السوري في إطار مخططاته ومشاريعه السياسية والعسكرية والإستراتيجية والتاريخية.
وهو ما تحقّق له لاحقاً بسيطرة الجيش التركي على عفرين في نيسان/أبريل 2018، ثم على الشريط الممتد من تل أبيض إلى رأس العين في تشرين الأول/أكتوبر 2019 ليكون بذلك نحو 600 كم من الحدود السورية مع تركيا تحت سيطرة الجيش التركي وحلفائه من مسلحي ما يسمى الجيش الوطني السوري الذي أسّس في أنقرة صيف 2019.
ورافق كل ذلك حملة إعلامية وسياسية تبناها الرئيس إردوغان شخصياً، واستهدف من خلالها حزب العمال الكردستاني، وحزب الشعوب الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب الكردية، واتهم الرئيس ترامب غير مرة بتقديم جميع أنواع الدعم لها.
ووضع إردوغان الرئيسين المشتركين لحزب الشعوب الديمقراطي وعدداً من البرلمانيين ومعظم رؤساء البلديات والمئات من كوادر الحزب في السجون اعتباراً من أواخر 2016، من دون أن يهمل إردوغان أعداءه التقليديين من أحزاب المعارضة، وفي مقدّمها حزب الشعب الجمهوري، واتهمها جميعاً بالخيانة والعمالة والإرهاب لأنها تتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي "الإرهابي"، الذي أدى دوراً أساسياً في انتصار مرشحي المعارضة في الانتخابات البلدية في آذار/مارس 2018 بعد أن صوت الكرد لهؤلاء المرشحين، وخصوصاً أكرم إمام أوغلو في إسطنبول.
وجاء تفجير إسطنبول في 13 الشهر الماضي ليفتح نقاشاً جديداً في الأوساط السياسية والإعلامية، بعد أن حمّل إردوغان ووزراؤه العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية المسؤولية، لينطلقوا منها في تهديداتهم باجتياح الشمال السوري من جديد في مناطق مختلفة منها تل رفعت ومنبج وعين العرب، حيث تسيطر الوحدات الكردية على الوضع هناك.
ومع الاعتراض الروسي والأميركي والإيراني على أي عمل بري تركي، لم يهمل الرئيس إردوغان هذه القصة فسخّرها خدمة لحساباته الداخلية قبل الخارجية. فعلى الرغم من اتهامات إردوغان ووزرائه حزب الشعوب الديمقراطي بالإرهاب، لم يتردد في إرسال وزير العدل بكير بوزداغ إلى مقر الحزب ليلتقي قياداته وقبل تفجير إسطنبول بفترة قصيرة.
ولم يتردد كذلك وزير الدفاع خلوصي آكار في مصافحة البرلمانيين الكرد خلال مناقشة الموازنة العامة في البرلمان الأسبوع الماضي. ويرى بعض المحللين في هذه المبادرات محاولة أخرى من إردوغان لإقناع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بضرورة العودة إلى الحوار الذي انقطع صيف 2015.
ويعرف الجميع أن ما يهدف إليه إردوغان من هذه المساعي هو إبعاد الحزب المذكور عن "تحالف الأمة" الذي إن صوّت الناخبون الكرد إلى جانبه في الانتخابات المقبلة فالهزيمة ستكون مصير إردوغان من دون أي شك، بعد أن أثبتت كل استطلاعات الرأي أن شعبية الحزب المذكور قد تجاوزت 12%، أي نحو 7 ملايين ناخب من أصل 60 مليوناً، وهم الذين سيقررن مصير الانتخابات المقبلة.
وهي الحقيقة التي يراهن عليها إردوغان قبل أن يضع أي حسابات جديدة فيما يتعلق بتهديده وحدات حماية الشعب الكردية شرق الفرات أو غربه، ما دامت هذه الوحدات الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي وحزب الشعوب الديمقراطي هي جناحه السياسي الممثل في البرلمان التركي بـ 55 عضواً بعد أن أسقطت العضوية عن 12 منهم، ووضع بعضهم في السجون بمن فيهم الرئيسان المشتركان للحزب صلاح الدين دميرطاش وفيكان يوكساكداغ وآخرون.
وهنا تتحدث المعلومات عن عدد من السيناريوهات التي قد يلجأ إليها إردوغان في المرحلة المقبلة، وأهمها: المصالحة مع الشعوب الديمقراطي، بعد أن فشل في تهديده بالتوغل شرق الفرات، ومحاولته تشكيل تحالف كردي سوري جديد شرق الفرات يكون مدعوماً من مسعود البرزاني وضد الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، أي حزب العمال الكردستاني.
وما عليه في هذه الحال إلا الدخول في مساومات صعبة ومعقدة مع قيادات حزب الشعوب الديمقراطي، وهي همزة الوصل بين إردوغان وقيادات العمال الكردستاني في شمالي العراق.
ويعرف الجميع أن قيادات العمال الكردستاني ستسعى بدورها لاستغلال نقاط الضعف لدى إردوغان مع الاعتماد على الدعم الإقليمي والدولي لها، ناسية أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية هي التي اختطفت زعيمها من العاصمة الكينية نيروبي وسلّمته إلى أنقرة في 14 شباط/فبراير 1999 وهو في السجن منذ ذلك التاريخ على أمل الخروج منه في إطار صفقة جديدة مع إردوغان.
ويعرف الجميع أنه لن يتردد في التحالف مع الكرد لضمان فوزه في الانتخابات المقبلة، حتى لو كلفه ذلك التخلي عن نهجه ومقولاته القومية، خصوصاً مع تراجع شعبية شريكه وحليفه حزب الحركة القومية، وتستبعد الاستطلاعات له أن يتجاوز العتبة الانتخابية، وهي 7%.
هذا من دون أن يغيب عن الأنظار أن لحسابات إردوغان هذه، فيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، علاقة مباشرة بمخططاته الخاصة بالأزمة السورية بالمصالحة مع الرئيس الأسد أو من دون ذلك. فقد سبق لإردوغان ووزرائه أن اتهموا موسكو بالعمل لتحقيق المصالحة بين وحدات حماية الشعب الكردية والدولة السورية، ناسياً أن واشنطن بدورها قد توسطت وما زالت تتوسط بينه وبين الوحدات المذكورة.
ويبدو واضحاً أن قرارها مرهون بإرادة قيادات العمال الكردستاني في شمالي العراق، وهي بدورها تعتقد أنها في موقع القوة، أولاً بسبب عشرات الآلاف من المسلحين شرق الفرات، وثانياً بسبب استمرار الدعم الأميركي والغربي لهؤلاء المسلحين المدججين بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة.
وتعتقد القيادات المذكورة أن حاجة إردوغان إلى أصوات الكرد في الانتخابات المقبلة قد يساعدها على عقد صفقة جادة تساهم في إخراج عبد الله أوجلان والقيادات الكردية الأخرى من السجن.
على أن يبقى الواقع المفروض شرق الفرات كما هو، ما دامت المصالحة بين دمشق وأنقرة مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات في تركيا، كما أن حل الأزمة السورية مؤجل بسبب المعطيات الإقليمية والدولية، وأهمها: استمرار تآمر الأنظمة العربية على الشعب والدولة السوريين اللذين تعرّضا وما زالا لأكبر هجمة همجية لم يشهد التاريخ البشري لها مثيلاً، وباعتراف رئيس مجلس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، وشرح لنا في غير حديث أدوات هذه الهجمة، وهم ما زالوا كذلك!