أسلحة غربية في طريقها إلى مولدوفا.. أي مسار تأخذه الحرب الروسية الأطلسية؟
ما تأثيرات هذا النشر الاستثنائي لأسلحة الناتو في مولدوفا على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من جهة، وعلى مستوى الاشتباك الإستراتيجي بين دول هذا الحلف وبين روسيا من جهة أخرى؟
كان منتظراً ومؤكداً منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أن يعمد الناتو لنشر أسلحة وقدرات عسكرية نوعية في أكثر من دولة أوروبية شرقية أو في دول البلطيق الثلاث، ولا سيما أن هذه الدول تشكل خطاً عسكرياً حساساً بمواجهة الروس يمكن أن يكون دفاعياً، ويمكن في الوقت نفسه أن يكون أيضاً هجومياً.
طبعاً، تحقق هذا النشر لقدرات الناتو العسكرية ولأسلحته في هذه الدول، في لاتفيا وأستونيا وليتوانيا، وأيضاً في بولونيا ورومانيا وهنغاريا وسلوفاكيا.
وقد تجاوزت اليوم هذه القدرات، وبأشواط، تلك التي كانت في قمة التحدي والمنافسة والاشتباك بين الاتحاد السوفياتي من جهة والناتو من جهة أخرى أثناء الحرب الباردة. ولكن اللافت اليوم، والذي بدأ يظهر عملياً على الأرض وبعد مرور أكثر من 10 أشهر على بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أن هذا الاشتباك المرتفع الحساسية بين الطرفين بدأ يأخذ منحى خطيراً بعد قرار الناتو الأخير بنشر قدرات وأسلحة حساسة في مولدوفا، رداً على حركة الروس الأخيرة بنشر ترسانة جديدة من الأسلحة النوعية في بيلاروسيا (صواريخ إسكندر البالستية ومنظومة دفاع جوي أس 400).
فلماذا يمكن القول إن هذا الاشتباك الإستراتيجي بدأ يتطور نحو الخط الأحمر الخطر؟ وما تأثيرات هذا النشر الاستثنائي لأسلحة الناتو في مولدوفا على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من جهة، وعلى مستوى الاشتباك الإستراتيجي بين دول هذا الحلف وبين روسيا من جهة أخرى؟
صحيح أن الروس نشروا في الآونة الأخيرة بعض الأسلحة النوعية (المذكورة أعلاه) في بيلاروسيا، ولكنهم كانوا قد تجاوزوا سابقاً هذه الخطوة بمواجهة الناتو بنشرهم أسلحة مماثلة في مقاطعة كالينينغراد الروسية والأقرب جغرافياً إلى دول الناتو وإلى بحر البلطيق، الأمر الذي ينفي اعتبار قرار الناتو تجاه مولدوفا خطوة رد إستراتيجي على خطوة نشر أسلحة روسية في بيلاروسيا...
في الواقع، لمولدوفا اليوم أهمية جغرافية وإستراتيجية مضاعفة. أولاً، تكتسبها بسبب الحرب في أوكرانيا وموقعها كمدخل بري وميداني إلى عمق دول أوروبا الشرقية التابعة للناتو، وخصوصاً رومانيا التي تحدّ الجنوب الغربي لأوكرانيا، والتي تشترك مع الأخيرة في ملكية الموانئ الأكثر إستراتيجية على السواحل الشمالية الغربية للبحر الأسود.
وثانياً، بسبب موقع مقاطعة ترانسنيستريا (الانفصالية) مباشرة على حدودها الشمالية مع أوكرانيا والموقف الروسي المعروف من تشدده في حماية انفصالها "غير المعترف به دولياً" عن مولدوفا، إضافة إلى الوجود الروسي العسكري داخل أراضي هذه المقاطعة، وتصريحات المسؤولين الأوكرانيين الدائمة حول حساسية موقعها في هذه الحرب، ما يؤكد الأهمية التي يمكن أن تكتسبها في المعركة الدائرة في أوكرانيا اليوم (في هذا السياق كان هناك تصريح سابق لهانا ماليار، نائب وزير الدفاع الأوكراني، بأن روسيا ستستغل الآن أراضي ترانسنيستريا، الموالية لها، لاستخدامها كمنصة لشن هجمات على مولدوفا أو أوكرانيا).
الرد الروسي على أي نشر لأسلحة أطلسية في مولدوفا جاء متشدداً وحازماً، بعد أن أكّدت وزارة الخارجية الروسية، في الآونة الأخيرة، أن خطط حلف شمالي الأطلسي (الناتو) بضخ الأسلحة إلى مولدوفا "تهدد بكارثة حقيقية"، وأن "التعاون بين جمهورية مولدوفا ومنظمة حلف شمال الأطلسي في المجالين العسكري والتقني عامل يقوض أمن مولدوفا نفسها إلى حد كبير، "كما تظهر التجربة".
ورأى غالوزين أن "الضخ المتهور لهذه الدولة بأسلحة غربية أو نشر وحدات الناتو على أراضيها لا يعزز على الإطلاق أمنها وسيادتها، بل على العكس، يقرّبها من الكارثة، والتجربة الأوكرانية واضحة جداً".
لناحية موقف الناتو، من الطبيعي الاستنتاج بأن روسيا لن تترك "انفصاليي ترانسنيستريا، أصحاب القوميات الروسية"، من دون حماية، تماماً كما تصرفت في موضوع حماية هؤلاء في الدونباس من أوكرانيا وفي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية من جورجيا.
وبالتالي، سيجد الناتو ضرورة في المسارعة لنشر المناسب من الأسلحة في مولدوفا، والتي لن تكون الأسلحة الأطلسية في مولدوفا أقل من منظومات دفاع جوي استثنائية، إضافة إلى صواريخ بالستية مناسبة.
وطبعاً سوف تكون هناك قدرات استعلامية للمراقبة والرصد، بمدى يتجاوز غرب أوكرانيا وجنوبها، ليمسك كامل سواحل البحر الأسود الشمالية والغربية، حيث بوابة الدخول الجوي والبحري إلى عمق دول أوروبا الشرقية التابعة للناتو، وحيث يبقى دائماً بالنسبة إلى الناتو هاجس إمكانية توسيع الروس لعمليتهم العسكرية في أوكرانيا، انطلاقاً من تلك المنطقة الساحلية الحساسة جنوب غربي أوكرانيا.
من هنا تبقى العين على الموقفين الروسي والأطلسي حول مولدوفا، بين إكمال تنفيذ الناتو لفكرته بنشر أسلحة استثنائية في مولدوفا، وتحقيق سبق إستراتيجي بمواجهة روسيا، وموقف الأخيرة الحساس تجاه هذه الخطوة الأطلسية المتقدمة وغير العادية.
وفي وقتٍ يرتفع مستوى المواجهة بين الطرفين، لناحية ارتفاع مستوى دعم أوكرانيا بأسلحة غربية نوعية، بدأت تستهدف قواعد جوية في عمق روسيا (تم في الآونة الأخيرة استهداف مطار إنغلز في مقاطعة ساراتوف بمسيّرة أوكرانية) أو لناحية إعادة تذكير الروس للناتو بقدراته النووية غير التقليدية، وعلى لسان الرئيس بوتين شخصياً، يبدو أن هذه المواجهة (العالمية) تسير نحو التصعيد أكثر مما تسير نحو التهدئة أو التسوية.