لماذا يتراجع ابن سلمان عن حلم الحرب ضد إيران؟
ولي العهد السعودي الذي يعلن أن يده ممدودة للسلام مع إيران، يتراجع عن التهديد بالحرب ونقل المعركة إلى داخل الأراضي الايرانية. لكنه في تهديده السابق كما في تراجعه الحالي، صدى لما تعلنه الإدارة الاميركية المنقلبة من التهديد بالحرب إلى استجداء المفاوضات.
في مقابلته مع صحيفة سعودية، يزعم محمد بن سلمان أن "المملكة يدها ممدودة للسلام مع إيران" وأنها تعمل ما بوسعها لمنع قيام أي حرب. ولعله في هذه الاشارة للسلام مع إيران يخاطب الداخل السعودي في الصحيفة السعودية، بأقل مما يذهب إليه دونالد ترامب في استجداء المفاوضات من دون شروط مسبقة ومن دون المطالب التي أعلنها مايك بومبيو وقت التهديد بالحرب. فترامب لم يطلب من إيران سوى ما تلتزم به بعدم انتاج قنابل نووية، بينما يشترط ابن سلمان في يده الممدودة المطالب التي تراجع عنها ترامب بشأن ما تسميه الادارة الاميركية "السلوك الايراني" في المنطقة.
في فترة التراجع الاميركي عن الاتفاق النووي والتهديد بالحرب، يبدو أن ابن سلمان غلبته أحلامه في المراهنة على غزو أميركا لإيران كما غزت العراق وأعادته إلى القرون الوسطى بحسب تعبير كونداليزا رايس، وفي هذا السياق توعّد ابن سلمان بأنه سيدخل دخول الفاتحين إلى عمق الأراضي الإيرانية، لكنه على الأرجح تعمّد أن يروج هذه الترهات في الداخل السعودي بما سماه العداء الوجودي ضد إيران الذي غذّاه بالمقولات العرقية العنصرية ومقولات الفتنة الطائفية لتبرير تخلّي ابن سلمان عن كمية غير مسبوقة من المليارات إلى ترامب.
الأوهام التي زرعها ابن سلمان في السعودية، لا تزال تفوح رائحتها في وسائل الاعلام الداخلية التي تبثّ هستيريا عظمة التفوّق الاميركي على إيران لحظة النزال المحتوم، كما يقضي "رامبو" الاميركي على الأشرار في الأفلام. لكن ترامب يكشح بعض هذه الأوهام السعودية عن العيون والمخيلة في إعلانه المتكرر بأنه لا يريد الحرب مع إيران، على الرغم من اتهامه إيران بالمسؤولية عن أحداث الفجيرة وعن ناقلتي النفط في بحر عٌمان. وعلى هذا الايقاع يردد بومبيو وراء ترامب بأن الادارة الاميركية لا تريد الحرب، بينما يزعم أن الاستخبارات الاميركية تملك الدلائل على مسؤولية إيران لكنه سيكشفها في وقت لاحق. واللافت أن صقر الصقور جون بولتون يغيب عن التصريح والتعليق في دلالة على تراجع التهديد الاميركي بالحرب وعلى خسارة ابن سلمان أكبر داعميه في الادارة الأميركية.
كما كان ابن سلمان صدى الادارة الاميركية في تهديد ايران بالحرب، يكون صداها في " مدّ اليد للسلام". لكن الرئيس الاميركي يتراجع إلى الوراء عن حافة الهاوية، بينما يتراجع محمد بن سلمان من حافة الهاوية إلى عمقها. فقد غرق بالعدوان على اليمن طمعاً بهزيمة الجيش واللجان الشعبية عنواناً افتراضياً للالحاق الهزيمة بإيران أو أملاً بأن ينقذه ترامب في طهران واليمن. وفي المعادلات السياسية والميدانية التي تنقلب على ابن سلمان لم يعد من المحتمل أن يحفظ ماء الوجه بغير الانسحاب من اليمن بالتفاوض مع الجيش واللجان.
التهديد الأمني في مياه الخليج، يأمل ترامب أن يتجاوزه بإنشاء تحالف دولي لحماية ناقلات النفط وتدويل أمن الخليج. وفي هذه المحاولة يأمل ابن سلمان حمايته من الغرق في مياه الخليج. لكن محاولة التدويل تبدو مراهنة على صيغة أخرى من الناتو العربي وحلف وارسو الجديد وغيره من المسميات التي بقيت حبراً على ورق. ففي ظل المعادلات الدولية التي برزت في شانغهاي وفي إعلان المفوضية الأوروبية، تكون حماية أمن الخليج بمشاركة إيران وروسيا والصين والدول غير المعادية لإيران أو لا تكون.
محمد بن سلمان الذي اندفع إلى الغرق في التحالف مع اسرائيل، تخيّل أن هذا التحالف يدفع ترامب إلى الحرب مع إيران. لكن ترامب يتراجع عن الحرب ضد إيران تاركاً ابن سلمان معلّقاً في أيدي اسرائيل ومشاريع الصفقات الوهمية التي تهدّد ابن سلمان بأن الغريق لا يخشى من البلل. ففي خطابه أمام مؤتمر صحيفة جيروزاليم بوست في نيويورك يقول مؤسس مركز التراث الصهيوني مايك إيفينس أن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أعربا له عن تعلّقهم بإسرائيل أكثر من بعض اليهود.