نصر الله يأمل منع السعودية من الانتحار

في أوج التصعيد السعودي لإدراج تهمة الإرهاب على حزب الله في الجامعة العربية، ينبري السيد حسن نصرالله إلى الوقوف شامخاً على صدارة الأمجاد العربية التي تتسم بأبعاد إنسانية عادلة. مستخفاً في تزييف شبه العروبة البدائية بالظلم والانحطاط وراء ترامب ونتانياهو. لكنه يشير إلى السعودية بوقف إبادة أطفال العرب من باب أخوي أو ديني أو إنساني قبل أن تصيب حكامها رصاصة الرحمة.

نصر الله يشير إلى السعودية بوقف إبادة أطفال العرب من باب أخوي أو ديني أو إنساني (أ ف ب)

لعلّ ما وصفه السيد حسن نصر الله بالتفاهة التي تدور في أروقة الجامعة العربية وكواليسها، أثارت لديه مسحة حزن أمام حالة مزرية بلغت بكثير من حكام العرب ذروة الهشاشة والهوان. ربما أخذته شفقته على أحوال بني جلدته وقومه، إلى وجْدٍ في قمة الحكمة وبصيرة الهدوء غير المسبوق في كسر المناكفات اللحظية واللفظيات الجاهزة، بالذهاب إلى أعماق فلسفة المعاني ودلالاتها. ولا سيما أن السيد يثور على الغطرسة الأميركية والعنجهية الإسرائيلية المعروفتان باحتقار كل العرب والحضارة العربية على ما يفوح من بعض العرب خنوعاً وإذلالاً كما يحتقر الأسياد أخلاق عبيدهم.

السعودية التي أطاح ببصيرتها الصحراوية القاحلة غلواء الغريزة البدائية ضد إيران والمقاومة، تراءى لها التاريخ العربي والحضارة العربية حفنة فتات من تذابح الأعراق والإثنيات والمذاهب. ولم يخطر لها ولبعض النخب البائسة حولها الإطلاع على التلاقح والتمازج بين مجمل الأعراق والاختلافات التي آلت إلى ارتقاء حضارة مشتركة عريقة في التاريخ.

اتخذت لنفسها هدفاً تظنه يكفل لها الحرب، هو العدائية للفرس التي تتضمّن أيضاً العدائية لأعراق المنطقة الأخرى التركية والكردية وباقي الأقليات الإثنية والدينية، وكذلك العدائية للصفوية التي واجهت الدولة العثمانية وتجاوزتها تركيا ولم يكن للعرب فيها ناقة ولا جمل. وعلى هذا الأساس اتهمت إيران بالتمدد في الدول العربية التي نصّبت السعودية نفسها حامية لها ووصية على حماية العرق والدين. وفي السياق نفسه اتهمت حزب الله والمعارضات الأخرى بالإرهاب بوصفها أذرع إيرانية ضد العرب.

أولوية السعودية وبعض الخليج في العداء لإيران والمقاومة، شغلها عن أبسط البديهيات التي تتناقض مع الاعتماد على أميركا وإسرائيل لحل ما تراه من خلافات في المحيط الإقليمي. وأدى بها "التهوّر الأعمى"، كما تصفه صحيفة التايمز البريطانية، إلى الاستجارة من الرمضاء بالنار. تظن أن النهب الأميركي لكل الثروات السعودية، يحفّز ترامب على دعم إسرائيل في حرب عدوانية على لبنان والمقاومة. وتصوّرت أنها تسير أمام إسرائيل وأميركا في هذه الحرب كما دعاها ترامب وقبله أوباما، لكنها فوجئت أن إسرائيل لا تخوض حرباً يمكن أن تعرّضها إلى خطر وجودي حين تنساق السعودية وراء أوهامها.

ما يحلو للسعودية أن تتخيله وجودياً عربياً ض إيران والمقاومة، يجرّها إلى توطيد تبعيتها لأميركا والدول الغربية في سمسرة شراء الأسلحة وإلى الاطمئنان للقواعد العسكرية والشركات الأمنية مثل "بلاك ووتر" وغيرها تعويلاً على حماية الأمن القومي، كما يقول وزير خارجية البحرين في اجتماع الجامعة العربية. وفي هذا السبيل تتحمّس السعودية وبعض دول الخليج للضغط على الفلسطينيين من أجل مقولة جارد كوشنير (صهر ترامب) في ما يسمى صفقة القرن. وهي محاولة لتغيير ما كان معروفاً باسم المفاوضات من أجل حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي مدخلاً للتطبيع العربي مع إسرائيل، إلى إنشاء حلف عربي مع إسرائيل أملاً بالتوصل لاحقاً إلى طاولة المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

إسرائيل التي ترحب بمساعي السعودية لإنشاء حلف معها في المنطقة بوتيرة متسارعة على جميع الأصعدة، لا تأخذ الأوهام السعودية على محمل الجدّ في عدم قدرتها على التخطيط والمسؤولية، كما يوضّح مردخاي كيدار الخبير في مركز بيغن - السادات. وفي نقده لمقابلة رئيس الأركان "غادي آيزنكوت" مع إيلاف السعودية، يصف المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي استراتيجية ترامب بأنها بدائية تجاه إيران وأن السعودية لا شأن لها في إدراك ما يحيق بها.

على نقيض ما تتخيله السعودية انتماءً عربياً في تسعير الاقتتال العرقي والطائفي الإقليمي والتعويل على حماية افتراضية في أميركا وإسرائيل، ينافح السيد حسن نصر الله عن فلسفة عربية حضارية لمواجهة الظلم الأميركي والاحتلال الإسرائيلي دفاعاً عن الحقوق العربية والمقدسات وحل الخلافات الداخلية في المنطقة بالتفاهم والحوار.