مؤتمر الحزب الجمهوري يتوّج ترامب وينتحر!
من ميّزات مؤتمري الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديموقراطي، أن نشاطاتهما تخضع لنظام وسيناريو محكم لتفادي المفاجآت والظهور بأحلى صورة أمام الجمهور.
انقسام الحزب
وما لبث الحزب الجمهوري "التقليدي" أن فاز بأغلبية مجلسي الكونغرس، رغم خسارته لمنصب الرئاسة، الأمر الذي حفّز قادة الحزب للابتعاد عن تيار حزب الشاي، بعد استنفاذ غرضه في الحشد والإعداد الجيّد للانتخابات. حافظ التيار الجديد على وحدته بالرغم من نفور قادة الحزب، وبرزت المرشحة السابقة ساره بيلين وتحالفها مع أشد التوجهات يمينية، لا سيما في المجال الإعلامي، وأثبت جدارته بفوز عدد من رموزه الانتخابات التمهيدية، منهم السيناتور تيد كروز. ترسّخ تيار حزب الشاي عميقاً في بنية الحزب منذئذٍ، مستنداً إلى عدد من الممثلين في الكونغرس يرمز إليهم بالإفراط في التشدد والتعصب.
بالمقابل أيضاً اكتسب التيار خبرة غنية في تعبئة وتنظيم الجمهور الانتخابي والتواصل معه، بخلاف الممثلين التقليديين في الحزب الذين يرمز لهم من داخل المؤسسة الحاكمة. وفي هذا السياق، صعد دونالد ترامب لمركز الصدارة ولابتعاده عن مركز صناعة القرار في واشنطن. يضاف الى كل ذلك فشل متواصل لقادة الحزب الجمهوري في التصدي لسياسات الرئيس أوباما وافشالها، الأمر الذي عزز مناخ عدم الثقة بالممثلين التقليديين عن الحزب. يشار إلى أن مؤسسة الحزب الجمهوري كانت تعوّل على المرشح جيب بوش بتصدّر المشهد الانتخابي، في بداية الأمر، بيد أن أداءه الكارثي في الانتخابات التمهيدية كان نتيجة لعزوف قواعد الحزب الجمهوري وكراهيتها للقادة التقليديين، ومن بينهم السيناتور المتشدد ليندسي غرام.
وترددّ ان القاعدة الإنتخابية كانت تنظر بعين العطف على المرشحين تيد كروز والدكتور بن كارسون كأفضل ممثل عن قناعات القاعدة الانتخابية.
وبرز دونالد ترامب من خارج السياق منافساً فرض نفسه، وأسهمت براعته الخطابية التي تلامس الغرائز وتمنيات القاعدة الإنتخابية في ازاحة المرشحين الآخرين من السباق، بل خاض سباقاً لا يتسق مع التوقعات والسيناريوهات التقليدية خاصة في مجال الآلة الانتخابية. وأثبت خطأ الاستطلاعات التقليدية ولم يعرها أي اهتمام يذكر. توّج المؤتمر الحزبي دونالد ترامب، رغم محاولات الآخرين الالتفاف عليه، والانتحار السياسي الذي ارتكبه تيد كروز. وأضحى ممسكا بمراكز القوة داخل الحزب، أقله منذ الآن وحتى الانتخابات الرئاسية. مستقبل الحزب، هيكلياً وقيادياً، لن تتكشّف معالمه إلاّ بعد فرز نتائج الانتخابات في شهر تشرين الثاني / نوفمبر المقبل. سيصبح نجم ترامب أكثر لمعاناً إنّ توفرت ظروف فرضية أساسية، فوزه بالانتخابات الرئاسية ومحافظة الحزب الجمهوري على أغلبيته النيابية في مجلسي الكونغرس.
ويدخل التاريخ السياسي من أوسع أبوابه مذكّراً ببروز وفوز رونالد ريغان على خصمه ومرشح المؤسسة آنذاك جورج بوش الأب. خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية ستؤدي إلى تعريض مستقبل الحزب للتكهّنات والانقسامات حتماً، وتحفّز قياداته التقليدية إعادة النظر لاستعادة قرار التحكم بالحزب.
بعض العارفين بخبايا قيادات الحزب يروجون أن استعادة الحزب ستكون ميّسرة "لو" اتخذ تيد كروز منهجاً سياسياً ذكياً في المؤتمر، وسيصعد نجمه ويتوّج رئيسا للحزب. علاوة على المراهنة السابقة على كروز، هناك وجوه واعدة وفق قياسات قادة الحزب، منها: حاكم ولاية ويسكونسن سكوت ووكر؛ حاكم ولاية تكساس السابق ريك بيري؛ وحاكم ولاية إنديانا مايك بنس.
من المسلّم به أن تلك الأسماء ستتردد كثيراً في حال خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية، والإعداد لجولة الانتخابات المقبلة عام 2020.
مشاهدات من المؤتمر
لعل أبرز دليل ما قام به مندوب ولاية فرجينيا والمدّعي العام السابق، كين كوسنيللي، الذي سارع لرميّ بطاقته الرسمية أرضاً أمام الكاميرات، السبب خسارة فريق تيد كروز إقرار قضية إجرائية حساسة. من غرائب المشهد عودة كوسينيللي لقاعة المؤتمر بعد فترة وجيزة دون إبراز هوية عضويته لدخول القاعة التي تخضع لرقابة وإجراءات أمنية متشددة تحرم أي فرد لا يحمل البطاقة دخول القاعة.
الغائبون
مؤتمر الحزب في عصر ترامب تميّز بتغيب عدد لا بأس به من أبرز القيادات السياسية، يتصدرّهم الرؤساء السابقين جورج بوش الأب والإبن، ومرشح الحزب السابق ميت رومني، وأحد اركان الحزب الرئيسة جون ماكين.
خارج قاعة المؤتمر
أعداد رجال الشرطة والأمن فاقت عدد المتظاهرين بفارق كبير. تميّز المؤتمر هذه المرة بسلاسة العلاقة بين الشرطة والمتظاهرين، بل وفرّت الشرطة بعض الخدمات الضرورية للمتظاهرين، وتحلّت بتسامح غير معهود.
المتظاهرون أيضاً وفوا بوعودهم بالتظاهر السلمي ونبذ العنف.