كيف سيصافح إردوغان بايدن ويداه "ملطّختان بالدماء"؟
كلام إردوغان يثير التَّساؤلات في الأوساط السياسيّة والإعلاميّة، لأنه جاء قبل اللقاء المهم الذي سيجمعه ببايدن.
مع استمرار حملات المعارضة التي تتّهم رجب طيب إردوغان باتخاذ مواقف متناقضة تجاه "إسرائيل"، وتدعوه إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها، لم يكتفِ الرئيس التركي بمهاجمة "إسرائيل"، وبأعنف الألفاظ والعبارات، بل استهدف هذه المرة الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها بايدن أيضاً.
في خطابه الأسبوعي، بعد اجتماع مطوّل للحكومة (الإثنين الماضي)، قال إردوغان: "وقف الرئيس بايدن إلى جانب الأرمن، وأيَّد ادعاءاتهم الخاصَّة بالإبادة. والآن، يقوم ببيع الأسلحة المتطوّرة لإسرائيل لتقتل بها أطفال فلسطين ونساءها. لقد دخلتَ التاريخ يا سيد بايدن، بأفعالك هذه، بيديك الملطختين بالدماء. وقد شجَّعَتْ أميركا ومن معها الدولة المجرمة إسرائيل في العام 2017، وفتحت شهيّتها للمزيد من سفك دماء الفلسطينيين، عندما أعلنت القدس عاصمة لدولة إسرائيل".
ولم يهمل إردوغان مهاجمة النمسا ورئيس وزرائها الَّذي رفع العلم الإسرائيلي على مبنى الحكومة، وقال: "اللعنة على الدولة النمساوية التي رفعت العلم الإسرائيلي على مبنى مكتب المستشار النمساوي. إن رفع علم دولة إرهابية على مبنى الحكومة يعني دعمكم إرهاب إسرائيل وجرائمها. يبدو أن النمسا تريد أن تحمّل المسلمين مسؤولية ما تعرض له اليهود من مجازر خلال الحرب العالمية الثانية".
كلام إردوغان هذا أثار الكثير من التَّساؤلات في الأوساط السياسيّة والإعلاميّة، لأنها جاءت قبيل القمة الأوروبية، وقبلها اللقاء المهم الذي سيجمعه بالرئيس بايدن في 14 حزيران/يونيو القادم، على هامش القمة الأطلسية في بروكسل. ويتوقع الجميع لهذه القمة أن تقرر مصير ومستقبل العلاقات التركية - الأميركية التي تواجه العديد من المشاكل، وأهمها أزمة صواريخ "أس -400" الروسية.
وقد تساءل نائب رئيس حزب "الشعب" الجمهوري ولي أغبابا: "كيف سيصافح إردوغان الرئيس بايدن، بعد أن قال إنّ يديه ملطختان بالدماء، وهو الَّذي اتهمه، بدوره، في العام 2014 بدعم داعش والنصرة وأمثالهما في سوريا". وتقدَّم الحزب بطلب إلى رئاسة البرلمان لإلغاء الاتفاقية التي وقَّعت عليها أنقرة مع تل أبيب في 17 آب/أغسطس 2016، وأسقطت بموجبها كل الدعاوى القانونية التي رفعتها عائلات ضحايا الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة في المحاكم التركية والدولية، وذلك مقابل 20 مليون دولار تبرعت بها "إسرائيل" لعائلات الضحايا، وعددهم 9.
انتقادات زعيمة الحزب "الجيد"، مارال آكشانار، لمواقف إردوغان المتناقضة في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي كانت الأقوى، إذ قالت: "إن إردوغان الَّذي يهاجم إسرائيل، وهو على حقّ، لما تقوم به من مجازر ضد الشعب الفلسطيني، ينسى أن نتنياهو الذي يستهدف أرواح المدنيين والأطفال بهدف تضييق الحصار على معارضيه والتخلص منهم فحسب، إنما هو نموذج إسرائيلي له".
لم يتأخَّر إردوغان في الرد على اتهامات آكشانار، إذ قال عنها "إنها معدومة الأخلاق، ولو لم تكن امرأة لكان الرد عليها مختلفاً تماماً"، على حدّ تعبيره.
زعيم حزب "العمال" أركان باش عقد مؤتمراً صحافياً في البرلمان، واستبعد أن يتّخذ الرئيس إردوغان "أي موقف عملي ضد أميركا وإسرائيل"، وقال: "إذا كان جاداً في اتهامه الرئيس بايدن بدعم إسرائيل الإرهابية، فما عليه إلا أن يغلق القواعد الأميركية، وأهمها قاعدة "إنجيرليك"، التي استخدمتها واشنطن دائماً ضد دول المنطقة وشعوبها، وفيها 50 قنبلة نووية، وكذلك قاعدة "كوراجيك" شرق البلاد، والتي ترصد الصواريخ الإيرانيّة التي قد تستهدف إسرائيل".
الرئيس بايدن الذي لم يرد على اتهامات إردوغان، تحدَّث الناطق باسم الخارجية، نيد جويس، بدلاً منه، ودان تصريحاته بشأن "إسرائيل"، وقال عنها "إنها معادية للسامية والشعب اليهودي"، وأضاف: "ندعو الرئيس إردوغان والمسؤولين الأتراك إلى الامتناع عن مثل هذه التصريحات التي قد تؤدي إلى المزيد من العنف".
جاء الردّ التركي على هذه الاتهامات ببيان من الخارجية التركية التي اتهمت واشنطن "بتشويه جوهر مفهوم معاداة السامية، وهو مصطلح بات يستخدم لتبرير تصرفات إسرائيل وتخفيف الضغط عنها بخصوص انتهاجها سياسة التطهير العرقي والديني والثقافي".
أمّا المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، فقد قال "إنَّ ربط الولايات المتحدة بين معاداة السامية ووقوف الرئيس إردوغان إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم، وفضحه مواقف إسرائيل المخالفة للقانون والقيم الإنسانية، يمثل نهجاً مأساوياً وهزلياً، إذ لا يجوز تغطية المجازة الإسرائيلية عبر يافطة معاداة السامية".
الرئيس بايدن الَّذي أغضب الرئيس التركي سابقاً عندما اعترف بالإبادة الأرمنية في 24 نيسان/أبريل الماضي، توقَّع له السفير التركي السّابق في واشنطن نامق تان أن يرد على إردوغان "بأسلوبه الخاص"، فقد كان الرئيس بايدن قد اتهمه في نهاية العام 2019 بـ"الديكتاتورية"، وأكّد "ضرورة التخلّص منه عبر دعم أحزاب المعارضة".
قد يضع هذا الاحتمال الرئيس إردوغان أمام تحديات جديدة في العلاقة مع الرئيس بايدن والحليف الأكبر أميركا، التي تملك العديد من الأوراق ضده، ومنها الكشف عن ثروته الشخصية، والعقوبات على تركيا في المجالات العسكرية والاقتصادية والمالية، مع استمرار الدعم الأميركي لوحدات "حماية الشعب" الكردية السورية، وهي امتداد لحزب "العمال" الكردستاني التركي، في الوقت الذي ترفض واشنطن تسليم الداعية فتح الله غولن إلى تركيا، وهو الذي يحمّله إردوغان مسؤولية الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو 2016.
لا تخفي الإدارة الأميركيّة أيضاً قلقها من استمرار الحوار والتنسيق التركي مع "العدوّ التقليدي" بوتين، الذي دفع الرئيس إردوغان الشهر الماضي إلى التراجع عن موقفه "المتضامن مع الغرب وأوكرانيا" ضد موسكو في البحر الأسود أو أجبره على ذلك.
مع كلّ ذلك، يتردّد الرئيس إردوغان الذي أجرى اتصالات هاتفية بالرئيس الإيراني روحاني، وقبله الرئيس بوتين، وهما شريكاه في أستانا وسوتشي، في اتخاذ أي خطوات عملية معهما لوقف العدوان الإسرائيلي، وهو يرى في إيران منافساً قوياً له في ما يتعلّق بالتضامن العملي والفعال مع الشعب الفلسطيني، فيما لا تريد روسيا أن تحرك ساكناً في هذا الموضوع، لأن الرئيس بوتين لا يريد إحراج حوالى مليون يهودي من أصل روسي يعيشون في "إسرائيل"، وما زالوا يحملون الجنسية الروسية، ولهم امتداداتهم مع حوالى 200 ألف يهودي ما زالوا في روسيا، ولهم ثقلهم المالي والإعلامي والسياسي.
ولم يكن واضحاً لماذا لم يستغلّ الرئيس إردوغان التطورات الأخيرة ليتصل بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان، اللذين كان يسعى إلى مصالحتهما قبل الأحداث الأخيرة، في الوقت الذي يعرف الجميع أن العمل العربي والإسلامي الجادّ يتطلّب التنسيق بين هذه الدول. ومن دونها، لا يمكن التصدي لإرهاب "إسرائيل" التي تراهن على مختلف أنواع الخلاف بينها، ما دام هذا الخلاف ينعكس سلباً على وحدة الصف الفلسطيني، مع استمرار تناقضات الأنظمة العربية والإسلامية حيال القضية الفلسطينية.
ويبدو واضحاً أن الرئيس إردوغان يريد لها أن تساعده لكسب ما خسره من شعبيته داخلياً وخارجياً، بعد أن سعى إلى مصالحة السيسي على حساب الإخوان المسلمين وحلفائهم عربياً وإسلامياً، بما فيهم "حماس".
وقد أراد إردوغان للشحن الديني والقومي داخلياً أن يساعده على مواجهة الحملة التي يتعرض لها في قضيتين مهمتين جداً؛ الأولى هي الفساد المالي الذي قال عنه زعيم حزب "الشعب" الجمهوري كمال كليجدار أوغلو "إنه وصل إلى حد نهب ممتلكات الدولة برمتها"، والأخرى اعترافات أحد زعماء المافيا "بعلاقته مع أقطاب السلطة"، واتهمها "بقضايا خطرة جداً، ومنها تهريب المخدرات"، وهو ما اعتبره كليجدار أوغلو "موضوعاً خطراً جداً يهدد مستقبل الدولة التركية بكل مؤسساتها، وبعلم إردوغان".
تراهن المعارضة على مشاعر إردوغان عندما سيصافح الرئيس بايدن في لقاء بروكسل، وهو يتمنى أن لا يذكّره بما قاله عنه، كما لم يذكّر الرئيس ترامب بالرسالة التي بعثها إليه في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وأهانه فيها شخصياً، بعد أن هدَّده في حال الإقدام على أي عمل عسكري ضد كرد سوريا، ثم عاد ووافق على ذلك!