إردوغان والأسد.. خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء؟
إذا اختارت السعودية والإمارات ومصر الانفتاح على دمشق، فسيجد إردوغان نفسه أمام تحديات صعبة جداً بسبب "عقدته الشخصية" من الرئيس الأسد.
في تعليقه على المباحثات التي جرت في القاهرة بين وفدي الخارجية التركية والمصرية، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان "إن تركيا ستعزّز الحوار مع مصر لتطبيع العلاقات معها"، وأضاف: "سنواصل المسار ونوسّعه، لأنَّ الشعبين المصري والتركي حافظا على قربهما من بعضهما بعضاً، على الرغم من الخلاف السياسي بين البلدين. كما أنَّ مشاعر الشعب التركي تجاه الشعب المصري إيجابية، بسبب الروابط التاريخية التي تجمع بينهما، ونحن نعمل على إحياء هذه الروابط. يؤلمنا جداً أن نرى أن الشّعب المصريّ يُجبر على أن يكون إلى جانب اليونان وشعبها. على الجميع أن يعلموا أن تركيا تتمتع باستقلالية تامة في سياستها الخارجية، ولا ترضخ لأيّ إملاءات".
بدوره، عبّر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن ارتياحه إلى مباحثات القاهرة، وتوقَّع لقاءً قريباً بينه وبين الوزير سامح شكري، وقال: "ستكون مصر رابحة في أيّ تعاون مع تركيا، وخصوصاً في ما يتعلَّق بالملفات المشتركة في سوريا وليبيا والعراق وشرق الأبيض المتوسط".
وقال زير الدفاع خلوصي أكار: "ربما شهدت علاقاتنا جموداً لعدة أسباب، ولكنَّني على ثقة بتجاوز هذا الأمر في وقت قصير. أخوّتنا وصداقتنا مع مصر ستصل إلى مستويات رفيعة جداً، وسنرى ذلك خلال الفترة القريبة القادمة. كما أنَّ تطوّر العلاقات بين البلدين سيكون مفيداً وضرورياً للغاية لكلّ من تركيا وليبيا ومصر، وستسرّ الصّديق، وتمنح الجميع الثقة، وتزعج الأعداء".
وهنا، يجب أن نطرح 3 أسئلة أو استفسارات حول التصريحات الثلاثة:
1- لماذا لم يتحدَّث الرئيس إردوغان عن السيسي شخصياً، وعن نظامه الذي هاجمه طيلة السنوات الثماني الماضية؟ ولماذا لم يذكر أسماء الذين يجبرون الشعب المصري على أن يكون إلى جانب الشعب اليوناني؟
2- كيف ستربح مصر جراء تعاونها مع تركيا في سوريا وليبيا، وهي التي كانت حتى فترة قصيرة ماضية في الجبهة المعادية لأنقرة في ليبيا، وقليلاً في سوريا؟
3- من هم الأصدقاء الَّذين سيسرّهم تطوير العلاقات بين مصر وتركيا؟ ومن هم الأعداء الَّذين سينزعجون من هذه العلاقات، على حدّ قول أكار؟
للتّذكير، إنّ الأعداء حتى فترة قصيرة ماضية كانوا يتمثّلون في السعودية والإمارات اللتين تدعمان مصر في ليبيا، كما تدعمان مجمل سياساتها الإقليمية والدولية، بما في ذلك التعاون والتضامن مع قبرص واليونان المدعومتين من فرنسا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى.
حديث إردوغان عن استقلاليّة القرار التركي بعيداً من أيّ إملاءات خارجية، جاء رداً على انتقاد بعض أقطاب المعارضة، الذين اتهموه بالاستعجال في المصالحة مع مصر والسعودية والإمارات، في إطار المخطّطات والمشاريع الأميركية الجديدة الخاصّة بالمنطقة، وهو ما يفسّر حماسه للمصالحة مع الدول الثلاث، لانعكاسات ذلك على مجمل حساباته الإقليمية، وذلك قبل لقائه المهم مع الرئيس بايدن في 14 حزيران/يونيو القادم.
وحتى ذلك التاريخ، تخطّط أنقرة لسلسلة من التحركات الإقليمية، إذ وصل الوزير جاويش أوغلو، الإثنين، إلى الرياض، بعد ساعات قليلة من لقاء أمير قطر الشيخ تميم مع محمد بن سلمان، الذي "سامحته" أنقرة على جريمة خاشقجي في إسطنبول، إذ قال المتحدث باسم إردوغان: "المحاكم السعودية أصدرت أحكامها بحق المتهمين، ونحن نحترم هذه القرارات".
وتتوقّع المعلومات أن يزور أوغلو القاهرة ليهنئ نظيره سامح شكري، وربما الرئيس السيسي، بعيد الفطر، استعداداً للقاء مفاجئ بينه وبين إردوغان، كما تتوقع زيارة مفاجئة له إلى أبو ظبي وعواصم عربية أخرى، منها الرباط وعمان، مع استمرار المشاورات المكثّفة مع أمير قطر الشيخ تميم؛ حليف إردوغان الاستراتيجي، خلال كل هذه التحركات، إذ أرسلت أنقرة جيشها لحمايته من أيّ عدوان سعودي – إماراتي مدعوم من مصر بعد حزيران/يونيو 2017. وقد أصبحت تركيا وقطر في خندق الإخوان المسلمين بعد انقلاب السيسي في حزيران/يونيو 2013، وهو الانقلاب المدعوم من الإمارات والسعودية. كلّ ذلك وسط اتهامات المعارضة لإردوغان بإقامة علاقات غامضة وخطيرة مع الدوحة منذ ذلك التاريخ، بما في ذلك بيع مصنع الدبابات ومؤسّسات استراتيجية تركية لقطر.
ويرى رئيس تحرير قناة "Tele1" الإخبارية، ماردان ينار داغ، "معنى آخر لتحركات الرئيس إردوغان السريعة للانفتاح على ألدّ أعدائه، أي السيسي وابن سلمان وابن زايد"، ويقول في البرنامج الّذي يعدّه في القناة المذكورة: "حتى لو تجاهلنا التنسيق والتعاون التركي مع الحليف الاستراتيجي واشنطن، فقد بات واضحاً أنَّ ما يسعى إليه إردوغان هو عرقلة الانفتاح العربي على سوريا بعد زيارة الوفد السعودي لدمشق واحتمال إقدام وزير الخارجيّة الإماراتي على زيارتها"، مع المعلومات التي تتحدَّث عن دور الوساطة الذي قد يؤدّيه الرئيس الأسد، بالتنسيق مع الرئيس العراقي برهم صالح، بين الحليف الاستراتيجي إيران والعواصم الخليجية، وخصوصاً الرياض.
تحليل ينار داغ يحمل في طياته العديد من التساؤلات، وخصوصاً أنَّ تركيا كانت، وما زالت، اللاعب الرئيسي في مجمل تطورات سوريا السابقة والحالية، وفي جميع سيناريوهاتها المستقبلية. ويعرف الجميع أن لا حلّ للأزمة السورية مع استمرار التواجد العسكري والأمني التركي الواسع غرب الفرات وشرقه، وفي إدلب على وجه الخصوص.
وتتساءل المعارضة: ماذا سيكون مصير عشرات الآلاف من مسلّحي الفصائل السوريّة المختلفة المدعومة من أنقرة في حال قبول الرئيس إردوغان بأيّ مشروع عربي ودولي يهدف إلى إنهاء الأزمة السّورية، ويحقق المصالحة بين دمشق وأنقرة، ومن دونها لا يمكن إيجاد أي حل لأي أزمة في المنطقة؟
ستدفع مثل هذه المصالحة المحتملة إردوغان إلى اتخاذ عدّة مواقف سريعة، منها إغلاق الملف السوري تركياً، أي إعادة 3.5 مليون نازح سوري إلى بلادهم، وبالتالي التخلّي عن النهج الإخواني قولاً وعملاً، كما هو الحال في العلاقة المستقبلية مع القاهرة، التي اشترطت عليه إيقاف كل أنواع الدعم للإخوان المسلمين، وهو مطلب الإمارات والسعودية أيضاً.
وتبقى المشكلة الكرديّة، بشقيها السوري والتركي، الورقة التي ستساهم في المزيد من التقارب أو الخلاف بين دمشق وأنقرة. وفي حال اتّفقتا، فإنَّ الأمور ستعود إلى وضعها الطبيعي بأسرع وقت يمكن، وإلا فإنّ أيّ خطوة سيخطوها إردوغان على طريق الحل في سوريا ستتبعها خطوتان إلى الوراء بسبب حساباته المعروفة.
هنا، يكون الرهان على تعامل الدول المذكورة مع تفاصيل الموقف والتحرك التركي، والتي يمكن قراءتها بين السطور في أقوال إردوغان وجاويش أوغلو وأكار، فإما تتجاهل كلّ ما قاله الرئيس التركي بحقها وتنساه، وتعود إلى عدائها التقليدي لسوريا، وهو ما سيضاعف حجم العداء بين إردوغان والأسد، وإما تتذكَّر انتماءها العربي القومي، وتعمل مع دمشق لإنهاء معاناة الشعب السوري، علماً أنها السبب في ذلك أساساً.
إذا اختارت هذه الدول الاحتمال الثاني، فسيجد إردوغان نفسه أمام تحديات صعبة جداً، بسبب "عقدته الشخصية" من الرئيس الأسد، وهو ما تتحدَّث عنه المعارضة باستمرار، وتقول "إن هدفه من المصالحة مع مصر والسعودية والإمارات هو الخروج من عزلته القاتلة إقليمياً ودولياً، من دون أن يفكّر بأيّ شكل من الأشكال في المصالحة مع الرئيس الأسد، لئلا يقال إنّه انتصر عليه"، وهو ما سيعني في الوقت نفسه هزيمة مشروعه الإخواني الذي عقد عليه آمالاً كبيرة، ليس مع بداية "الربيع العربي" فحسب، بل منذ أن قال أيضاً في العام 2004 مفتخراً: "إنه جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير".
سعت واشنطن مع هذا المشروع إلى تسويق تجربة "العدالة والتنمية" كحزب إسلامي في دولة ديمقراطية علمانية بين أحزاب ودول المنطقة التي دخلها إردوغان عبر البوابة السورية بعد العام 2003. ويبدو واضحاً أنَّه لا يريد أن يخرج منها مهزوماً، كما خرج منها الجيش العثماني في العام 1918، بعد أن بقي هناك 402 سنة منذ أن دخلها السلطان سليم في 24 آب/أغسطس 1516، وانطلق منها إلى المنطقة العربية، فدخل القاهرة في كانون الثاني/يناير 1517، وعاد منها خليفة على المسلمين.
لقد أراد إردوغان أن يكرّر تجربة السلطان والخليفة سليم بعد "الربيع العربي"، فأوصل المنطقة إلى ما وصلت إليه، وهو ما يفسّر الكلمات والعبارات التي اختارها مع وزيريه عند حديثهم عن الروابط التاريخية مع مصر الَّتي انطلقت منها حركة الإخوان المسلمين. وقد كانوا كلمة سرّه في مجمل تحركاته الأخيرة التي لن يطول أمدها ما لم تعد العواصم العربية التي يسعى لمصالحتها إلى عادتها القديمة في المد والجزر مع دمشق؛ "قلب العروبة النابض".