نتنياهو يمد يده إلى بايدن: استراتيجية المصالحة وتقييد الحركة

وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلّط الضوء على الأجنحة المتصارعة في الحزب الديموقراطي، وتفحص "أعداءها" و"أصدقاءها" في الحزب وفق مبدأ مصلحة "إسرائيل".

  • ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة في 27 كانون الثاني/يناير 2020 (أ.ف.ب)
    ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة في 27 كانون الثاني/يناير 2020 (أ.ف.ب)

وصف الصحافي إيرو لين، مندوب صحيفة "إسرائيل اليوم" إلى مؤتمر الحزب الديموقراطي في شهر آب/أغسطس 2020، الصراعات في الحزب بأنها "حرب أهلية"، وأشار إلى قوتين أساسيتين متصارعتين؛ الأولى بقيادة جو بايدن وكامالا هاريس، وتمثل القيادة الوسطية، والأخرى بقيادة بيرني ساندرز وأليزابيث وورن، المدعومين من زوجة باراك أوباما، وهي تمثل القوى الليبرالية والتقدّمية في الحزب والمجتمع.

إضافةً إلى ذلك، هناك قوى محافظة وتقليدية في الحزب ترى نفسها مهمّشة، وتعتبر أن رأيها غير مسموع في أجهزة الحزب. أما أوباما نفسه، فهو يؤدي دور الوسيط بين القوى المتصارعة.

وفي الوقت نفسه، أشار لين، نقلاً عن نشطاء في الحزب الديموقراطي، إلى أن المعركة الانتخابية قد تُحسم لأسباب تتعلق بموقف الحزب الديموقراطي المتطرف من قضية الإجهاض، فالحزب الديموقراطي يؤيد الإجهاض، ولو كان في الشهر التاسع، الأمر الذي يعارضه جزء كبير من مؤيدي الحزب الليبراليين.

كما لاحظ لين أنَّ استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن غالبية الرجال يؤيدون الحزب الجمهوري (56%) مقابل 40% يؤيدون الحزب الديموقراطي! أما بيرني ساندرز، على سبيل المثال، فطالب، في كلمته أمام المؤتمر، بتأميم التأمين الصحي في أميركا، واستخدام العصا ضد "إسرائيل" بسبب سياستها ضد الفلسطينيين، واشتراط الدعم المالي لها بتغيير سياستها.

من جهة أخرى، وتحت عنوان "انتصار بايدن خبر سيئ لإسرائيل"، كتب جدعون يسرائيل، وهو رئيس معهد القدس - واشنطن، في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2020، أن "بايدن يحيط نفسه بمستشارين من فترة أوباما، وهم من وضعوا سياسة أوباما تجاه إسرائيل".

وفي كتابه بعنوان "Broken values"، أشار جدعون يسرائيل إلى تغييرات "خطيرة" في برنامج الحزب الديموقراطي، وقال: "في حين خصّص برنامج الحزب في الماضي فصلاً خاصاً للعلاقة مع (إسرائيل) يتضمّن التزاماً نصياً بأمنها، حُذف هذا الفصل بعد العام 2016، وغاب نص الالتزام بأمن (إسرائيل) مقارنة بكل البرامج السابقة. إضافةً إلى ذلك، تم إبدال نص في وثائق المؤتمر يتحدث عن حل الدولتين إلى نص يتحدّث عن "حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كما (إسرائيل)". 

أيضاً، أصبح الحزب يرى العنف الفلسطيني والعنف الإسرائيلي بعين متساوية، وهو مخالف لما كان عليه الوضع قبل العام 2016، يقول جدعون يسرائيل، الذي يرى أن طاقم أوباما السابق واليسار الراديكالي المتصاعد بقوته داخل الحزب هو المسؤول عن هذه المتغيّرات.

أما أرييه هارو، وهو "مستشار مالي دولي" ورئيس طاقم نتنياهو سابقاً، فقد كتب في صحيفة "معاريف" في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 أن "ترامب سيحتضن (إسرائيل) مجدداً في ولايته الثانية، بينما سيعيدها بايدن إلى أيام أوباما ويبتعد عنها".

"إسرائيل" تميّز المتغيرات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتّحدة

إضافةً إلى المتغيّرات في الحزب الديموقراطي، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً معطيات مهمة عن المتغيرات السياسية والديموغرافية في الولايات المتحدة عامة، ودوافع المصوتين لهذه الإدارة أو تلك، وتأثير ذلك في "إسرائيل".

وتشير المعطيات الجديدة إلى أن 34% من المصوتين الأميركيين تحركهم الحالة الاقتصادية، و21% يصوتون بدافع مناهضة العنصرية، و18% يحركهم الخوف من جائحة كورونا، و11% تحركهم الحاجة إلى التأمين الصحي، و11% يحركهم الخوف من الإجرام والأمن الشخصي. من هنا، يمكن الاستنتاج أنَّ السياسة الداخلية هي التي تدفع المصوّتين الأميركيين باتجاه هذا الحزب أو ذاك، وليس السياسة الخارجية ومصلحة "إسرائيل".

وينقل يوأف كرني، مراسل صحيفة "غلوبس" الاقتصاديّة في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2020، عن ناشطين أميركيين، وخصوصاً من الحزب الديموقراطي، فيقول: "منذ سنوات طويلة، تخيّب (إسرائيل) أمل الليبراليين في أميركا. انتهى الزمن الذي كان فيه اليسار الديموقراطي يرى (إسرائيل) بنظرة رومانسية، ويتغافل عن أخطائها، لأنه يرى فيها رمزاً حضارياً غربياً، وهي ليست كذلك الآن".

أما البروفيسور إيتان جلبوع، المتخصّص بالشؤون الأميركية وبالعلاقات الإسرائيلية الأميركية، فيقول لموقع "والا" في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2020: "في العقد الأخير، حصل شرخ في العلاقات الإسرائيلية مع الحزب الديموقراطي على خلفية تغيرات متوازية. أولاً، دعم نتنياهو للحزب الجمهوري، وإهانة أوباما، ودعم المرشح السابق ميت روماني في العام 2012 علناً، وكذلك في فترة ترامب. في المقابل، توجّه الحزب الديموقراطي إلى اليسار. وثانياً، تغيرات في المجتمع الأميركي تتمثّل بتراجع نسبة السكان البيض من عدد السكان والمصوتين لصالح الأقليات التي تنحو نحو الحزب الديموقراطي. من هنا، على (إسرائيل) أن تصحّح علاقاتها مع الحزب الديموقراطي ومع هذه الأقليات".

ثمة انخفاض بنسبة 9% في عدد الناخبين البيض، مقابل تضاعف عدد الناخبين من أصل لاتيني وآسيوي مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 20 سنة. هذه المتغيرات الديموغرافية يمكن أن تؤثر سلباً في العلاقات الأميركية الإسرائيلية وفق جلبوع. نتيجة لذلك، يرى أن "إسرائيل" فقدت الدعم التقليدي والمزدوج من الحزبين، مشدداً على أن هذا الدعم المزدوج حيوي جداً لـ"إسرائيل". وعليه، يتوجب عليها من وجهة نظره إقامة علاقات مع الأقليات الإثنية، وترميم العلاقة مع الديموقراطيين.

هذا الصراع الأميركي الداخلي انتقل من أميركا إلى مؤيدي الحزبين في "إسرائيل" أيضاً. خلال مواجهة إعلامية عشية الانتخابات الأميركية بين رئيس فرع الحزب الجمهوري في "إسرائيل"، مارك تسيل، الذي يشغل منصب رئيس جامعة أريئل، ويعيش في مستوطنة "تقوع" مع أولاده الثمانية وأحفاده الـ17، ورئيسة فرع الحزب الديموقراطي في "إسرائيل" هاثر ستون، تفاخر تسيل بأنه استطاع خلال فترة رئاسته فرع الحزب الجمهوري في "إسرائيل" تحويل المصوّتين من نسبة 100% للحزب الديموقراطي إلى 80% للحزب الجمهوري و20% للديموقراطي.

وأضاف: "قالوا لنا إن نقل السفارة الأميركية إلى القدس سيسبّب اضطرابات في العالم الإسلامي، ماليزيا وإندونيسيا وإيران... ولكن لم يحصل شيء من هذا"، بينما قالت ستون: "كل ما فعله ترامب ونتنياهو كان حصاداً لعمل سابق استمر بهدوء مدة 25 سنة. وكل تراجع لهيبة الولايات المتحدة يضر بإسرائيل، وعلى الأخيرة أن تعود لتكون حالة إجماع بين الحزبين، وليست مصطفّة مع حزب ضد الآخر".

ردود ومواقف إسرائيليّة بعد صدور نتائج الانتخابات 

كانت أوّل الردود الإسرائيلية على انتصار بايدن صادرة عن الوزير السابق والمستوطن بتسلئيل سموطرتش، الذي طالب نتنياهو "بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة المحتلة الآن"، تبعه رئيس مجلس المستوطنات دفيد الحياني، وطالب نتنياهو بضم الأغوار قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، وكلاهما يهدف إلى خلق أمر واقع جديد تكون فيه السيادة لـ"إسرائيل"، فلا يستطيع بادين التراجع عنها.

في المقابل، كان هناك العشرات من مقالات المديح التي كتبتها شخصيات سياسية كثيرة، ومنها أولمرت ولبيد، ومختصون في الشأن الأميركي والعلاقات الإسرائيلية الأميركية، وسفراء أو قناصل سابقون في الولايات المتحدة، وإعلاميون، وعلى رأسهم محرر في صحيفة "هآرتس" في كلمته الافتتاحية يوم الأحد الماضي، وجميعهم يشاركون يومياً في الكتابة، بهدف التقرب من بايدن وهاريس، واللذين تم وصفهما "بأصدقاء إسرائيل الحميمين"، وأنهما أثبتا ذلك من قبل، وسيبقيان كذلك، وإن اختلفت الاجتهادات. جميع هؤلاء الكتاب ينصحون أو يطالبون نتنياهو بتصحيح العلاقة مع الإدارة الديموقراطية، "لأن في ذلك مصلحة لإسرائيل".

أولمرت هاجم نتنياهو خلال مقابلة مع صحيفة "معاريف" في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، لأنه خالف تقاليد العلاقات مع الولايات المتحدة وانحاز إلى أحد الحزبين. "العلاقات يجب أن تكون مع أميركا، وليس مع هذه الإدارة أو تلك"، قال أولمرت، ودعا إلى ترميم العلاقات مع الحزب الديموقراطي، معتبراً أن بايدن صديق كبير لـ"إسرائيل"، وقد أثبت ذلك على مدى عشرات السنوات.

أما داني ديان، قنصل "إسرائيل" السابق في نيويورك والمختصّ بالشأن الأميركي، فقد دعا، في مقال له قبل الانتخابات الأميركية، إلى ترميم العلاقة مع الحزب الديموقراطي والتجمع اليهودي الليبرالي في الولايات المتحدة.

أما بعد الانتخابات، فقد امتدح نتنياهو، خلال مقابلة له مع راديو الجيش، غالي تساهل، صباح الأحد الماضي، لتأخره في تهنئة بايدن، معتبراً أن هدف التأخر كان "محاولةً للحصول على اتفاقية تطبيع جديدة، وذلك لمصلحة إسرائيل".

ضمن أجواء التكيّف مع الإدارة الجديدة، بدأنا نسمع ونقرأ في الأيام الأخيرة تصريحات من شخصيات إسرائيلية مؤثرة، بأن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، بطلب حثيث من نتنياهو إلى ترامب، لم يكن لصالح "إسرائيل"، لأنه في المحصلة ساعد إيران في الاقتراب من تصنيع القنبلة النوويّة بدلاً من الابتعاد عنها، وذلك بسبب غياب اتفاق يمنعها من ذلك.

هذه التّصريحات ما هي إلا مقدمات لإعداد المجتمع الإسرائيلي لقبول عودة أميركا إلى الاتفاق النووي مع إيران. وليس غريباً أن يقبل مجتمع يتصرف كالقطيع موقفاً مناقضاً لموقف سابق في الموضوع ذاته قبل فترة وجيزة، لكنَّ هؤلاء الطالبين ودّ بايدن من جديد يطمحون أيضاً، وبخبث صهيوني معتاد، إلى إقناع بايدن بفتح باب التفاوض من جديد على الاتفاق النووي، لإدخال بعض التعديلات عليه، والتي تتوافق مع مصلحة "إسرائيل"، وبقاء العقوبات أداة لتحقيق هذه التعديلات، فهل يستمع إليهم بايدن؟ سنرى.

أما في موقف بايدن من المسألة الفلسطينية وتأييده إقامة دولة فلسطينية، فيطمح طالبو الود هؤلاء إلى الحفاظ على ما أنجزوه بدعم من ترامب، باعتبار أنه أصبح أمراً واقعاً، ومنه الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل السفارة إليها، وكذلك الاعتراف بشرعية الاستيطان والاعتراف بالسيادة على الجولان، واتفاقيات التحالف مع دول الخليج والسودان... وهم يدركون أنّ إقرار ذلك سيعرقل بالتأكيد أي جهد يقوم به بايدن لتحقيق برنامج حزبه، وهذا هو المطلوب!

ولا شكَّ أيضاً في أنّنا سنلحظ في المستقبل القريب جهوداً إسرائيلية في صفوف الحزب الديموقراطي واللوبي الصهيوني والكونغرس وأوساط أكاديمية في مراكز الأبحاث المختلفة، لإحاطة بايدن بمستشارين مقرّبين من "إسرائيل"، والضّغط لتعيين كبار المسؤولين، وخصوصاً ذوي الصلة في الشرق الأوسط، ممن ترضى عليهم "إسرائيل"، تحت شعار ترميم العلاقات بين الطرفين.

كانت - وستبقى - إحدى أهم الأدوات المستخدمة لتوثيق العلاقات مع الإدارات الأميركية المختلفة، بما في ذلك إدارة بايدن الجديدة، هي العلاقات الشخصية. "العلاقة بين الحلفاء عميقة، ولكن نجاحها وتطوّرها مرتبط بالعلاقة الشخصية بين الرأسين". يوجد إجماع على هذا الرأي بين أصحاب الرأي في "إسرائيل"، بما في ذلك كتّاب الرأي في موقع "n12" التابع للمستوطنين. وعليه، كان توجّه نتنياهو إلى بايدن في رسالة التهنئة المتأخرة، توجهاً شخصياً مباشراً، ومن دون رسميات.

"يا جو!"، ناداه نتنياهو، "تسود بيننا علاقات طويلة الأمد دافئة وشخصية منذ ما يقارب 40 عاماً، وأعرفك كصديق عظيم لإسرائيل. أتطلَّع إلى العمل معك على مواصلة تعزيز التحالف المميَّز القائم بين الولايات المتحدة وإسرائيل". هذا يعني أن نتنياهو أدار ظهره إلى ترامب، وأنه يحاول التقرب إلى بايدن، والهدف هو الحفاظ على ما أنجزه أو أهداه إياه ترامب كأمر واقع، وبذلك يعطّل أيّ إمكانية لتقارب فلسطيني أميركي.

لن يكتفي نتنياهو بذلك. وكان قد صرّح لمقربين منه بعد صدور نتائج الانتخابات بأنه يشعر بارتياح لعدم حصول الديموقراطيين على أغلبية في الكونغرس، وهذه هي الأداة الأهم، في نظر نتنياهو، الأمر الذي سيسمح له بتقييد مسيرة بايدن بالتفاهم مع أيّ طرف لا يريده نتنياهو، بالضبط كما فعل مع أوباما. وبذلك، يستطيع أن يبتزّ بايدن، ويجعله يبادر بنفسه إلى التقرّب من نتنياهو، وليس الابتعاد عنه.