الفوارق بين رؤساء أميركا.. بايدن وترامب و"الاستثناءات"!
في منطقتنا بعض "الاستثناءات العظيمة" التي فشل كل الرؤساء الأميركيين في تجاوزها رغم كل إمكانياتهم، وقد أثبتت هذه "الاستثناءات" دائماً أنها على مستوى المخاطر والتحديات المصيرية لتقلب الطاولة على بايدن أو ترامب.
أي كان الفائز في الإنتخابات الأميركية فالجميع يعرف أن واشنطن ستبقى على نهجها التقليدي في السياسة الخارجية مع الإختلاف البسيط في أسلوب التعامل مع الملفات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمصالح الإستراتيجية لـ"إسرائيل" والصهيونية العالمية التي تلتقي مصالحها العقائدية والفكرية مع المحافظين الجدد أكثر من الديمقراطيين، وهو ما يعني أنه ليس هناك فوارق أو خلافات جدية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري فيما يخص العلاقة مع اللوبيات التي تمثل يهود أميركا وعددهم نحو 6 مليون تقريباً ويشكلون في العالم أجمع نحو 15 مليوناً.
فعلى الرغم من أن اليهود يشكلون حوالي 2% من سكان أميركا إلاّ أن 25% من الصحافيين والكتًاب ودور النشر و18% من قيادات منظمات المجتمع المدني وأكثر من 42% من مكاتب المحاماة و21% من أساتذة الجامعات و55% من المخرجين والمنتجين في شركات السينما والتلفزيون هم من اليهود، بالإضافة إلى سيطرة هؤلاء على قطاعات أخرى مهمة ليس للعرب فيها أي تواجد إلا في إطار تحركات أنظمة الخليج لكسب ودّ واشنطن ودعمها عبر اللوبيات اليهودية التي تجني أرباحاً طائلة من سلاطين وملوك وأمراء وشيوخ الخليج.
وتستغل اللوبيات الداعمة لـ"إسرائيل" غباء هؤلاء وتسعى لاستغلاله في الدفاع عن حقوق كيان الاحتلال، وخير مثال على ذلك هو سياسات الرئيس دونالد ترامب خلال السنوات الأربعة الماضية عندما قال لهؤلاء الملوك والأمراء أمام الكاميرات "عليكم أن تدفعوا مقابل حمايتي لكم".
وكان ترامب ذو العقيدة الإنجيلية دائماً في خدمة "إسرائيل" خاصة بعدما اعتنقت ابنته إيفانكا اليهودية بعد زواجها من جاريد كوشنير المسؤول عن الملف العربي/ الفلسطيني في البيت الأبيض. كما كان العديد من وزراء الدفاع والخارجية من أمثال وليام كوهين وكاسبر واينبرغر ومادلين أولبرايت وهنري كيسنجر ومستشار الأمن القومي بريجنسكي من اليهود الذين ساهموا وبقوة في دعم الاستراتيجيات الإسرائيلية دون تردد، حالهم حال العديد من كبار المسؤولين في إدارات الرؤساء الأميركيين إبان الحرب العالمية الثانية وبعدها، ومنهم الرئيس ويلسون (1920) والأهم روزفلت وترومان اللذين لعبا دوراً رئيسياً في قرار التقسيم في الأمم المتحدة عام 1947.
ومن دون الدخول في تفاصيل التداخل الصهيوني مع مصالح القوى الرأسمالية ذات الطابع الإمبريالي – الإستعماري، يكفي أن نتذكر مواقف واشنطن خلال الحروب العربية-الإسرائيلية أي 1967 و1973 والعدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان، هذا من دون أن نتجاهل ما قامت وتقوم بها "إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة في الضفة والمحاصرة في غزة بعد عام 2005.
وأعتقد أن خير مثال عملي على سيطرة اللوبيات الإسرائيلية على القرار الأميركي هو تفاصيل اللقاءات التي جرت بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وكل من نيكسون وكارتر وبوش الأب وكلينتون. في نهاية المطاف، انحازوا لصالح "إسرائيل" رغم عدالة وحقانية الموقف السوري ودفعت سوريا الثمن غالياً.
ولم تكتفِ الإدارات الأميركية بسياسات المد والجزر هذه مع دمشق، فتآمرت على القضية الفلسطينية والعربية عموماً في مؤتمر مدريد ثم أوسلو، مروراً بكامب ديفيد ووادي عربة وأخيراً شراء ذمم سلاطين وملوك وأمراء ومشايخ الخليج ومن معهم من الرؤساء والجنرالات بالمال الخليجي وتحويله إلى حساب "إسرائيل" والصهيونية العالمية.
ويعرف الجميع أن تل أبيب لا ولن تتوقف عند أي حدود طالما أن واشنطن ضمنت لها تآمر الأنظمة المذكورة التي لولا صمود وتصدي ومقاومة من تبقى من الدول والشعوب والقوى العربية والإسلامية لكانت هذه الأنظمة عبيداً على أبواب الهيكل الذي يسعى الصهاينة لبنائه على أنقاض المسجد الأقصى إن استطاعوا إليه سبيلاً.
فالجميع يعرف أن ما تهابه "إسرائيل" ومن معها إقليمياً ودولياً هو فقط حزب الله المدعوم سورياً وإيرانياً لأنه بمفرده مصدر خوف كبير "لإسرائيل" التي تعرف جيداً أنه لا أمان ولا اطمئنان لها إلا بالتخلص من هذا الحزب وحلفائه في الداخل والخارج . هذا من دون أن نتجاهل كل ما تعرضت وتتعرض له سوريا وإيران بالتحديد منذ الثورة الإسلامية، فقط لأنها وقفت وتقف وستقف إلى جانب كل القوى الوطنية الشريفة التي حدت بواشنطن إلى استنفار كل إمكانياتها طيلة السنوات الماضية للتخلص منها فلم تنجح.
بالعودة إلى بداية المقال، مع مراوحة السياسة الخارجية الأميركية واستمرار التواطؤ والتآمر الخليجي، لا بد من التذكير أيضاً بالاحتلال الأميركي للكويت وأفغانستان والعراق خلال عهدي بوش الأب والإبن واستمرار الديمقراطيين كلينتون ثم أوباما في تبنّي هذه السياسات مع فوارق بسيطة، كما هو الحال في نجاح أوباما في التوقيع على الإتفاق النووي مع إيران بضغوط روسية وأوروبية إلى أن جاء ترامب فألغاه وقدم القدس هدية للصهاينة.
فيما لم تختلف سياسات الجمهوري ترامب عن الديمقراطي أوباما في ما يسمى بالربيع العربي، وهو ما رأيناه في مراسلات هيلاري كلينتون الالكترونية التي سربها ترامب مؤخراً. وكان بايدن جزءاً من هذه السياسات التي ستتكرر من جديد في حال فوزه لأن الذي سيحكم في البيت الأبيض في هذه الحالة هو أوباما الشاب وليس العجوز بايدن (77سنة) أو نائبته كامالا هاريس التي تجهل فنون السياسة، هذا بالطبع إن لم تتعلم ذلك بسرعة من زوجها اليهودي.
ولنتذكر كيف أن بايدن عندما كان نائباً للرئيس في تشرين الأول/أكتوبر 2014، تحدث في جامعة هارفرد وقال "إن مشكلتنا الكبرى كانت حلفاؤنا في المنطقة، فالاتراك أصدقاء لنا، وكذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها، لكن همّهم الوحيد هو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وقد شنوا حرباً بالوكالة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمحاربة الأسد، وبطبيعة الحال ذهبت تلك الإمدادات لجبهة النصرة وداعش والعناصر المتطرفة التي جاءت من سائر أنحاء العالم إلى سوريا".
ولم تمنع قناعة بايدن هذه، وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في التمادي بعدوانها وتآمرها على سوريا ومعها الدول الإقليمية والدولية المعروفة التي كانت خلف كل التنظيمات الإرهابية حسب أقوال بايدن الذي استمر في تعاونه مع هذه الدول الإقليمية (طالما هي في خدمة أميركا) بما فيها تركيا التي لم يخفِ بايدن شعوره تجاه رئيسها إردوغان. وقال في حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز" في كانون الثاني/ يناير الماضي "إن إردوغان رئيس مستبد وهو يعادي الكرد وما علينا إلا أن ندعم المعارضة للتخلص منه ديمقراطياً".
وكان أسلوب بايدن هذا أقل رزانة من منافسه ترامب الذي بعث في 9 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي برسالة مكتوبة للرئيس إردوغان "داعياً إياه إلى مصالحة كرد سوريا" ليقول في ختام رسالته: "على التاريخ أن لا يذكرك بأنك كنت مع الشيطان، فلا تكن عنيفاً ومتشدداً وغبياً".
وسبق هذه الرسالة العديد من التغريدات على تويتر حيث هدد ترامب إردوغان وتوعّده بتدميره شخصياً وتدمير تركيا وهو ما فعله نائبه بنس.
لم يستطع الرئيس إردوغان الرد على هذه التغريدات والرسائل وحرص على الاستمرار في علاقات التحالف مع واشنطن التي، وكما قال وزير الخارجية الأسبق جون فوستر دالاس عام 1955 "أن تركيا سمكة في الصنّارة الأميركية، فإذا سعت للتخلص من الصنّارة فما علينا ألا أن نحركها ونمزق حنجرتها".
باختصار، هذا هو نهج الرؤساء الذين حكموا أميركا منذ جورج واشنطن وعددهم حتى الآن 45 رئيساً، مع التنبّه إلى بعض الفوارق البسيطة في السلوك الشخصي.
وكمثال أخير، عندما وقع الانقلاب الفاشل في تركيا في تموز/يوليو 2016 كان أوباما صديقاً مقرباً من إردوغان إلاّ أنه رفض تسليم فتح الله غولان المتهم بالمسؤولية عن هذا الإنقلاب للسلطات التركية. وجاء ترامب بعد أشهر فاستغل هذه القضية ودخل في مساومات وصفقات مع إردوغان حول العديد من القضايا ولكنه هو أيضاً لم يسلم غولان لأنقرة وسمح لها بالاستمرار في العلاقات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. وبالمقابل، تراجع ترامب عن موقفه المعلن فيما يتعلق بإعلان الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً، وهو ما وعد به مصر والسعودية والإمارات التي ابتزها ترامب حتى النهاية، كما اتفق مع إردوغان على التواجد العسكري المشترك شرق الفرات من دون المساس بالكرد!
ويبقى الرهان دائماً على حنكة وذكاء الدول والشعوب العربية والإسلامية ومثقفيها وعليها جميعاً وقبل فوات الأوان أن تفكر بأسلوب أكثر تعمقاً وفعالية واستراتيجية بعيداً عن المقولات والشعارات الحماسية لمواجهة مفاجآت المرحلة القادمة. لقد بات واضحاً أن هذه المفاجآت ستحمل معها الكثير من المخاطر بالنسبة إلى كل من يخطر على باله التصدي لهذه المفاجآت بالحدين الأدنى والأقصى.
فقد أثبتت كل السنوات الماضية أن واشنطن ترى في شعوبنا مجموعات من المتخلفين الجهلة الأغبياء المغلوب على أمرهم من قبل أنظمتهم الإستبدادية وليس هناك إلا بعض "الاستثناءات العظيمة" التي فشل كل الرؤساء الاميركيين في تجاوزها رغم كل إمكانياتهم كدولة عظمى ومعها خونة وعملاء المنطقة.
وأثبتت هذه الإستثناءات دائماً أنها كانت وستكون على مستوى المخاطر والتحديات المصيرية لتقلب الطاولة على بايدن أو ترامب، كما قلبتها من قبل على كل من سبقوهم حتى لو كان الثمن غالياً ومدفوعاً بدماء الشرفاء وليس بدولارات الخونة والعملاء!