طائرة إسرائيلية في مطار أتاتورك تحمل الكثير من المعاني

المفاجأة الأخيرة أن صورة العلمين التركي والإسرائيلي جنباً إلى جنب قد تمّ التقاطها بشكل مقصود لتكون إشارة لمَن يريد أن يتلقّاها.

  • طائرة إسرائيلية في مطار أتاتورك تحمل الكثير من المعاني
    طائرة شركة "إلعال" الإسرائيلية التي حطت في مطار أتاتورك التركي

قبل شهر تقريباً أرسلت تركيا مساعدات طبية إلى "إسرائيل" انعكست بشكل إيجابي على موقف تل أبيب من أنقرة وفق المقالات التي نشرت في  وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. في الساعات الأخيرة فوجئ الجميع بمشاهد طائرة العال الإسرائيلية وهي تحطّ في مطار أتاتورك المُخصّص حالياً لهبوط طائرات الرئيس رجب طيب إردوغان حصراً بعد أن تم إغلاقه العام الماضي. هذه الطائرة كانت هي الأولى التي دخلت الأجواء الإسرائيلية بعد إغلاق مكتب العال في إسطنبول عام 2010 بعد الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة المتوجّهة إلى غزّة نهاية أيار/مايو 2010. 

قيل إن الطائرة جاءت لنقل معدّات وأجهزة طبية من تركيا إلى أميركا وليس إلى أية دولة أخرى، الأمر الذي شكّل المفاجأة الأهم في معناها. هذا الاختيار له معنى إضافي إذ سبقه الحديث عن وساطة أميركية بين أنقرة وتل أبيب، وتتحدث المعلومات عن استعداد واشنطن بل تشجيعها على تعزيز هذه العلاقة بعد فتور دام أكثر من عشر سنوات بسبب حادث سفينة مرمرة. 

المفاجأة الأخيرة أن صورة العلمين التركي والإسرائيلي جنباً إلى جنب قد تمّ التقاطها بشكل مقصود لتكون إشارة لمَن يريد أن يتلقّاها خاصة وأنها جاءت قبل أيام من الذكرى السنوية العاشرة لعدوان الجيش الإسرائيلي على سفينة مرمرة ومقتل عشرة من المواطنين الأتراك الذين كانوا على متن السفينة. وهنا تتحدّث المعلومات عن اتصالات سرّية بين الطرفين كتلك التي أثمرت في حزيران/يونيو 2016 عن  الاتفاق الإسرائيلي- التركي حول سفينة مرمرة والتي تمّ إغلاق ملفها بعد أن تبرّعت تل أبيب بمبلغ عشرين مليون دولار لعائلات الضحايا مقابل إسقاط كل الدعاوى القانونية التي أقامتها (العائلات) في المحاكم التركية والدولية ضد قيادات الجيش الإسرائيلي. 

وقد سبقت هذا الاتفاق إشارات إيجابية من أنقرة لتل أبيب، فلأول لم تستخدم تركيا في 4 أيار/مايو 2016 حق الفيتو ضد انضمام "إسرائيل" إلى منظمة التنمية الاقتصادية OECD كما لم تستخدم هذا الحق ضد قرار حلف الأطلسي بالسماح لـ"إسرائيل" بفتح ممثلية لها في مقر قيادة الحلف في بروكسل. 

هنا بدأت المعلومات تنقل سيناريوهات مختلفة عن مستقبل العلاقة التركية- الإسرائيلية في ضوء المُعطيات الحالية والمستقبلية. فقد تحدّث البعض عن تلاقي حسابات الرئيس إردوغان مع تل أبيب، فالطرفان يعاديان الرئيس السوري بشار الأسد ولا يريدان له أن ينتصر ويقضي على المجموعات المسلحة ويفرض السيادة على كامل الأراضي السورية،  كما لا يريدان أن يكون لإيران تواجد عسكري فعّال ومؤثر في سوريا. 

وأما عن التوقيت الزمني للتلاقي التركي-الإسرائيلي فقد كان هو أيضاً مهماً كونه يتزامن مع حديث عن فتور في العلاقات الروسية- التركية، والسبب في ذلك اختلاف وجهات النظر حول الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا وحجم التواجد الإيراني في سوريا أيضاً، إضافة إلى ما يتم تداوله عن صفقات أو خلافات تركية- روسية في ليبيا وسوريا، الأمر الذي يهمّ إردوغان ومجمل حساباته الاقليمية بما في ذلك علاقته مع تل أبيب التي قد يحتاج إليها لكسب ودّ وتأييد منظمات اللوبي اليهودي له في مساعيه للحصول على مساعدات أميركية ودولية هو بأمسّ الحاجة إليها الآن لمواجه الأزمة المالية الخطيرة، هذه الأزمة التي يستغلّها معارضوه لتضييق الحصار عليه داخلياً وخارجياً. 

وتدفع هذه المُعطيات بعض الأوساط للحديث عن مصالحة تركية قريبة مع تل أبيب التي أرسلت بدورها  إشارات إيجابية إلى أنقرة في ما يتعلق بأزمة الغاز الطبيعي شرق الأبيض المتوسّط بعد الاتفاق التركي- الليبي حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وقد يدفع ذلك "إسرائيل" وتركيا إلى التوقيع على اتفاق مماثل يعرقل كل المشاريع الحالية والمحتملة لاستخراج الغاز ونقله من شرق الأبيض المتوسّط، أي قبرص ومصر و"إسرائيل" ولاحقاً لبنان وسوريا إلى أوربا عبر اليونان وإيطاليا، أو عبر تركيا لينافس هذا الغاز الغاز الروسي هناك. 

ومن دون أن يغيب عن الأنظار أن "الغرام" التركي- الإسرائيلي يتزامن مع الذكرى السنوية العشرين لانتصار المقاومة والشعب والدولة اللبنانيين على الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، كما يتزامن مع الدرس التاريخي الذي لقّنته إيران للامبريالية الأميركية وحليفاتها في المنطقة عبر إرسالها لخمس ناقلات للنفط إلى حليفتها فنزويلا المُحاصرة من أميركا. للتذكير أيضاً أن رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو كان  يتردّد بكثرة على إسطنبول وهو غائب عنها منذ فترة ومن دون أية معلومات عن السبب.

تجاهل الإعلام الموالي للرئيس إردوغان لخبر التحدّي الإيراني في فنزويلا قد يحمل الكثير من المعاني التي تتضمن في طيّاتها ملامح المرحلة القادمة بكل مفاجآتها التي يريد لها إردوغان أن تساعده في التصدّي لحسابات أعدائه في السعودية والإمارات ومصر، وجميع هذه الدول تسعى معاً إلى مزيد من التقارب مع "إسرائيل" عبر صفقة القرن أو من دونها.