انهيارٌ تاريخيٌ في "النفط الأميركي".. ما السبب؟ وماذا عن المستقبل؟
وصلت أزمة سوق النفط إلى ذروتها، وتجلت انهياراً دراماتيكياً في أسعاره، لا سيما الخام الأميركي، فما سبب هذا الانهيار؟ وهل سيستمر في المقبل من الأيام أم سيتم كبحه؟
بدأت مفاعيل جائحة كورونا وتأثيراتها في الاقتصاد العالمي، والخلافات السياسية التي تفتعلها الولايات المتحدة بإدراة دونالد ترامب، إضافة إلى الخلاف بين السعودية وروسيا مع الربع الأول من العام الحالي، وعدم التوصل السريع إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط، ومن ثم اتباع الطرفين لعبة "عض الأصابع"، بدأت تظهر، وتنعكس انهياراً في سوق النفط.
ولكن لماذا انهارت أسعار النفط اليوم بهذا الشكل الدراماتيكي السريع؟ ولماذا كان النفط الأميركي الأكثر تأثراً؟ وكيف سيكون الحال بعد هذا الانهيار؟
بدأت الأزمة من انخفاض الطلب على النفط مع بداية العام الحالي، وخصوصاً بسبب الأحداث السياسية والأمنية التي حفل بها مطلع العام، والتي تركز معظمها في منطقة الخليج، حيث ينساب منها خمس واردات العالم من النفط، أي ما يقارب 17 مليون برميل يومياً، ما سبب تذبذباً طفيفاً في سعر النفط، ولكن تهديد انتشار وباء كورونا، وخصوصاً أنه بدأ في الصين؛ أكبر مستهلك النفط في العالم، جعل التوقعات لأسعار النفط تتهاوى.
هنا ظهر الخلاف بين السعودية وروسيا على نسبة الخفض في إنتاج النفط، وما تبع ذلك من زيادة إنتاج النفط من كبار المنتجين، من أجل الضغط على المنافسين، وجرهم إلى تقديم تنازلات والتوصل إلى اتفاق.
كان للأمر أن يمر مرور الكرام بعد التوصل إلى اتفاق، لولا تفشي كورونا في العالم وتعطيله حركة النقل والصناعة، ما سبب تراجعاً كبيراً في الطلب على النفط، واضطرار المنتجين، وخصوصاً السعودية، إلى الإنتاج الكبير والتخزين، وهي غير المجهزة لتخزين كميات كبيرة، فاستأجرت ناقلات نفط لتخزين النفط على متنها.
ارتفعت أسعار النفط بعد التوصل إلى اتفاق بين أطراف "أوبك+" في 12 نيسان/أبريل على خفض تاريخي في إنتاج النفط بمقدار 10%، أي ما يقارب 9.7 مليون برميل يومياً على مدى الشهرين القادمين، حيث ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت لتسجل 32 دولاراً للبرميل، كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى 23.7 دولاراً للبرميل، لكن هذا الخفض ربما لم يكن بالمستوى المطلوب لتحقيق الاستقرار في السوق.
ماذا حدث حتى عاودت الأسعار الانهيار؟
سببت الأزمة السابقة زيادة كبيرة في الإنتاج، وتكدست ملايين براميل النفط، من دون وجود أمل أو سبيل لتصريفها، وامتلأت الخزانات لدى كل المنتجين، إلى أن اقترب موعد 21 نيسان/إبريل، حيث موعد انتهاء العقود الآجلة للنفط لشهر أيار، وهذا ما دفع المضاربين الصغار في سوق النفط ومستهلكي التجزئة إلى عرض عقودهم التي لن يتمكنوا من تسلّمها ولا تصريفها، فعرضوا العقود بأسعار منخفضة، وأصبح هؤلاء مضطرين للبيع حتى لو دفعوا من جيوبهم للتخلص من هذه العقود.
كان التأثير الكبير في السوق الأميركية، لأنها تضم وحدها 15% من السندات العالمية النفطية، كما تضم أكبر نسبة من المضاربين، وبسبب طبيعة تصريف النفط الأميركي، وأماكن انتشاره، حيث تبعد آبار النفط عن الموانئ المعدة للتصدير، إضافة إلى عدم وجود خزانات كبيرة تتسع للتخزين، حيث أشارت التقارير إلى أن "كاشينغ"، وهي نقطة تسليم خام غرب تكساس الأميركية، ارتفع مخزونها بنسبة 50%، وبات المنتجون يستأجرون ناقلات النفط لتخزينه في البحر، بسبب امتلاء خزاناتهم.
هل ستستمر الأسعار بالتهاوي؟
هذا الانهيار في أسعار النفط مرحلي ومؤقت، وفي الغالب سيعود السوق للاستقرار، ولكنه سيستقر حصراً دون التوقعات (دون 20$ للبرميل)، وسيبقى منخفضاً عما وصل إليه قبل اتفاق "أوبك+"، ذلك أن أسعار العقود الآجلة للخام الأميركي "تسليم أيار/مايو" هي التي انهارت إلى ناقص 37 دولاراً للبرميل (هو حدث يحدث للمرة الأولى في التاريخ)، بينما بقيت عقود "تسليم حزيران/يونيو" عند 20 دولاراً للبرميل، ما يعني أن المنتجين والمستهلكين مقتنعون بأن التأثر سيكون مرحلياً، وعند بدء مفاعيل الاتفاق بين الكبار في سوق النفط، سيعود السعر للاستقرار.
ولكن سعر النفط سيحدده عودة عجلة الحياة الاقتصادية للدوران، ومعها النقل، وسرعة هذه العودة. وهنا يبرز الدور الصيني، الذي سيكون في حال العودة القوية أكبر المستفيدين من أسعار نفط منخفضة ومعروض كبير، مع حاجة ماسة إلى البضائع في كل الأسواق العالمية.
إذاً، الأسابيع القادمة ستكون حاسمة، ففي حال انحسار وباء كورونا وعودة الحياة، ستعاود أسعار النفط الاستقرار بأسعار ستتحسن حتى نهاية العام.
أما في حال بقاء الوضع على ما هو عليه من الإغلاق وتقييد الحركة، فقد تستمر الانهيارات، وقد يحتاج أطراف "أوبك+"، ومعهم الولايات المتحدة، إلى اتفاق جديد للخفض، وبشكل كبير ومؤثر، وهذا سيُنتج حالة انهيار عالمي في الاقتصاد، وكساداً، ربما سيحتاج شهوراً طويلة للخروج منه.