هل يُغلق السيد نصر الله القوس؟
مفاعيل ذكرى "القادة الشهداء" لم تنته بعد، وسيكون للخطاب على الأرجح تتمة مرتقبة وتبعات في مقبل الأيام، خصوصاً إذا استمرّ مسار الانحدار في لبنان نحو الفوضى الشاملة.
منذ 16 شباط/فبراير الماضي فُتح قوس في سياق المواجهة بين المقاومة من جهة، وواشنطن من جهة أخرى، انطلاقاً من لبنان. لم يُغلق القوس حتى اليوم بانتظار إطلالة جديدة للأمين العام لحزب الله يضع فيها قوساً مقابلاً. خطابه الأخير، في ذكرى "القادة الشهداء"، لا يبدو أنه انتهى عند ذلك الحد. بعد يومين على توعّده من يريد دفع لبنان إلى الفوضى والانهيار أن "يتوقّع كل ما لا يخطر في باله"، جرى استهداف قاعدة العمر الأميركية في ريف دير الزور الشرقي. لم يعلن أي فصيل مسؤوليته عن العملية. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها هذه القاعدة كما أنها ليست المرة الأولى التي يبقى فيها الفاعل مجهولاً، لكن للمرة الأولى منذ دخول القوات الأميركية إلى سوريا عام 2014 يتمّ استهداف قاعدتين أميركيتين في توقيت واحد. إلى جانب حقل العمر، أكبر حقل نفطي سوري، جرى استهداف حقل كونكورد بريف دير الزور الشمالي الشرقي.
هل لهذا الأمر أي صلة بالخطاب؟
تغري الاستنتاجات بهذا التوجّه انطلاقاً من وحدة الساحات على مستوى محور المقاومة، لكن هذا ليس أكيداً. بمعزل عن أي ربط ورسائل بالنار، يبقى الاحتمال الآخر ماثلاً بقوة بأن يكون الاستهداف جرى وفق مساره الطبيعي والمتنامي منذ فترة. تواترت العمليات العسكرية في الأشهر الأخيرة ضد القواعد الأميركية في سوريا، حيث يحتل "التحالف الدولي" ما لا يقل عن 28 موقعاً عسكرياً معلناً عنه. الملفات المتشابكة في المنطقة والعالم تصبح أكثر ترابطاً في حالتي الفوضى والتصعيد.
منذ 16 شباط/فبراير توارى خطاب ذكرى "القادة الشهداء" تدريجياً وراء سيل الأحداث البارزة التي يشهدها الإقليم والعالم: الملف السوري حاضر بقوة انطلاقاً من أسئلة ما بعد الزلزال، في "إسرائيل" هزات غير مسبوقة تنذر بما هو أسوأ وتفتح الأسئلة على احتمالات الهروب من المأزق الداخلي عبر افتعال مواجهة عسكرية، لبنان الشعبي مشغول بالهم المعيشي مع بلوغ سعر صرف الدولار أرقاماً قياسية، وفي أوكرانيا بؤرة مفتوحة على احتمالات نهاية العالم.
رغم انشغالات العالم إلا أن مفاعيل ذكرى "القادة الشهداء" لم تنتهِ بعد، وستكون للخطاب على الأرجح تتمة مرتقبة وتبعات في مقبل الأيام، خصوصاً إذا استمر مسار الانحدار في لبنان نحو الفوضى الشاملة؛ فوضى يعتبرها حزب الله موجّهة ومقصودة. في هذه الحالة، وإذا تم التيقّن من أننا ذاهبون إلى نقطة اللاعودة تصبح السفارة الأميركية في عوكر شمال بيروت أقرب من حقل العمر شمالي سوريا.
هل الأمور خطيرة إلى هذه الدرجة؟
توحي عبارات السيد نصر الله بذلك، لذا لا بأس من العودة قليلاً نحو ثلاثة أسابيع إلى الخلف للإضاءة على العبارات المفتاحية التي وردت في الخطاب، والتي على أساسها تتضح معالم المسارات: إما فوضى تقابلها فوضى قد تقود إلى حرب، وإما إعادة الانضباط ضمن إطار قواعد الصراع القائم، وربما تسوية.
بالعودة إلى خطاب ذكرى "القادة الشهداء" حذّر السيد نصر الله من حصول أي تسويف في موضوع النفط والغاز من المياه اللبنانية، سائلاً أنه إذا حصل ذلك "هل سنسمح باستمرار استخراج إسرائيل النفط والغاز من كاريش؟ أقول لكم أبداً". أيضاً قال: "إذا الأميركاني أو جماعة أميركا في لبنان يخططون للفوضى وانهيار البلد أقول لهم أنتم ستخسرون كل شيء في لبنان"، مؤكداً أنّ "من يريد أن يدفع بلبنان إلى الفوضى والانهيار، عليه أن يتوقع كل ما لا يخطر في باله"، مشدداً على أنه في هذه الحالة "عليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة وفي مقدّمتها ربيبتكم إسرائيل.. كما كنا جاهزين للحرب دفاعاً عن نفطنا فنحن جاهزون لمد أيدي سلاحنا إلى ربيبتكم إسرائيل.. إن غداً لناظره قريب".
ما الذي دفع السيد نصر الله إلى التحذير؟
ربط السيد نصر الله إذاً موضوع الحرب أو التصعيد الذي قد يقود إلى حرب، بمسألتين: مخطّط جرّ لبنان إلى الفوضى الشاملة، والتسويف في استخراج الغاز. في العمق المسألتان مترابطتان. هما جزء مما يعتبره حزب الله حصاراً أميركياً على لبنان واستثماراً في الأزمة من أجل عزل المقاومة وحشرها، ودفعها على أقل تقدير إلى تقديم تنازلات. هذه التنازلات متعددة الجوانب، أحدها سياسي، مثل محاولة فرض رئيس جمهورية أميركي الهوى أشبه بـ"بروفايل" رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. جانب اقتصادي مثل الالتزام بتوصيات وأطر لا تؤدي عملياً سوى إلى تكبيل لبنان. الجانب الثالث من التنازلات المرغوبة، وهو الأهم، يتعلّق بالصواريخ الدقيقة وترسانة المقاومة من الأسلحة الكاسرة للتوازن.
توحي السياسة الأميركية في لبنان منذ مرحلة الانهيار بأن الأميركيين ليسوا على عجلة من أمرهم. الانهيار الذي وصفه بنيامين نتنياهو حينها بـ"الزلزال" وفّر بيئة خصبة لإطلاق مسارات متوازية ومتزامنة لتوجيه الطعنات إلى المقاومة على قاعدة أنّ ما لم نستطع أن نتمكّن منه بالضربة القاصمة والحاسمة نقتله بألف طعنة. هذه استراتيجية مطبّقة ضد إيران وتم تحفيزها ضد المقاومة في لبنان منذ الانهيار.
لم تصل هذه الضغوط إلى مرحلة "التجويع" رغم صعوبة الوضع الاقتصادي والمعيشي، ولم تلامس الخطوط الحمر. بقي لبنان موصولاً بالنظام المالي العالمي واستمرت التحويلات المالية. لم يشهد البلد انفلاتاً أمنياً ذا طابع عسكري أو اجتماعي. ما الذي دفع السيد نصر الله إذاً إلى إطلاق تحذير عالي الحدة؟
يوحي الخطاب بأنّ ثمة أمراً يتم التحضير له يكسر الخطوط الحمر وحالة المراوحة السلبية التي يعيشها لبنان، باتجاه تسعير الهجمة وتسريع الانهيار وصولاً إلى الفوضى الشاملة، ما يضع البلد أمام احتمالات الفلتان الأمني وانهيار الليرة والشلل الكامل على مستوى المؤسسات والخدمات. هذا من شأنه أن يضع عبئاً ثقيلاً على لبنان وعلى حزب الله تحديداً بموازاة الحرب الناعمة القائمة ضدّه وتحميله مسؤولية الانهيار ولو من باب السلاح، لكنّ الهدف الأساسي هو دفع الشعب اللبناني وشريحة واسعة من بيئة المقاومة إلى طلب الخلاص.
هل هناك شيء من هذا القبيل يجري التحضير له؟ وهل جرى التراجع عنه بعد التحذير عالي اللهجة على لسان السيد نصر الله؟
بعد كل خطاب مفصلي أو خطير للأمين العام لحزب الله، مثل خطاب كاريش الذي مهّد لإتمام تسوية مع "إسرائيل"، يُهرع وسطاء وأطراف معنيون طلباً لاستفسار أو لتهدئة أو وساطة. لم يشذّ الخطاب الأخير عن ذلك وفق تسريبات الصحافة اللبنانية. من بين هؤلاء الأطراف ثمة من ليست له مصلحة في خروج الأمور عن مسارها المضبوط. الجانب الفرنسي أبقى خطوط اتصاله مع حزب الله وهو يكافح من أجل عدم خسارة لبنان باعتباره مركز نفوذ شرقي المتوسط. هل جرى تبادل رسائل في الأسابيع المنصرمة من خلال وسطاء؟ وإلى أين أفضت الأمور؟
رمي كرة اللهب في حضن الأميركي
الفوضى والتسويف في استخراج الغاز، يقودان عملياً إلى وضع حذّر منه السيّد نصر الله في مراحل مبكرة، بما يعكس قراءة حزب الله لما يُخطّط للبنان. لا بدّ من التذكير بأن ملف الغاز اعتبره السيد نصر الله النافذة المتبقيّة والخلاص الوحيد للبنان الذي يجنّبه خيارات أكثر مرارة، وأسهب في شرح ذلك. بهذا المعنى هي ليست المرة التي يتوعّد فيها السيد نصر الله باللجوء إلى "آخر الدواء" منذ العام 2019. في المرة الأولى أعلن أن "من يخيّرنا بين الجوع والسلاح نقول لن نجوع ونحن سنقتلك". في المرة الثانية قال إن "الحرب أشرف من الوقوف في طوابير والموت على محطات الوقود". هذه المرة هدّد بأن التسويف في التنقيب أو دفع لبنان إلى الانهيار الشامل، سيؤدي كلاهما إلى رمي كرة اللهب في حضن الأميركي.
من المفيد هنا العودة إلى أهم الرسائل والمضامين التي حملها الخطاب الأخير. الإشارة الأولى إلى أن التحذير كان موجّهاً إلى الأميركيين لا إلى الإسرائيليين. استفاض السيد نصر الله في الإضاءة على الانقسام العميق الذي تشهده "إسرائيل" في متن الخطاب، لكنّ الوعيد والتهديد في نهاية الخطاب كان محصوراً بالطرف الأميركي. ماذا يعني ذلك؟
في الشكل
في الشكل، وفي سياق علم الخطاب، هو تقليل من شأن الإسرائيلي الذي بات كأنه مكسر عصا أو كعب أخيل أميركا في المنطقة، وفي ذلك دلالة بالغة الأهمية إلى اختلال توازن الردع بعد أربعين عاماً على انطلاق المقاومة في لبنان. خطاب كاريش شكّل سابقة في تهديد المقاومة ابتداء بالمبادرة إلى الحرب. في خطابات سابقة طمأن السيد نصر الله جمهور المقاومة إلى المرحلة المتقدمة من الاستعداد العسكري والتقني والبشري التي بلغتها المقاومة. لفت الإعلام الإسرائيلي حينها إلى درجة الثقة والهدوء والاعتداد التي كان يتحدث بها السيّد. لاحقاً أظهرت المقاومة جزءاً يسيراً من ترسانتها العسكرية الكاسرة للتوازن من خلال المنظومة البحرية والطائرات المسيّرة التي أفضت إلى تعجيل الأميركي بإنجاز التسوية، وربما كان يدور في ذهنه بأن ما تم التوقيع عليه، يحوّله لاحقاً إلى مجرد حبر على ورق. بنيامين نتنياهو الذي كان يعد جمهوره الانتخابي بتمزيق الاتفاق الذي أُنجز مع لبنان على المكامن الغازية بلع لسانه بعدما أصبح رئيساً للحكومة الإسرائيلية.
في المضمون
في المضمون، اختار الأمين العام لحزب الله أن يواجه الأصيل (أميركا) لا الوكيل (إسرائيل)، كأنه بذلك يطوي مراحل ويصعّد الصراع مرتقياً به إلى التصفيات النهائية، ولذلك أسباب.
أولاً يرى حزب الله، ومن خلال خطابات أمينه العام، أن الطرف الأميركي هو المخطط والمهندس والمنفذ الرئيسي لما يشهده لبنان من انهيار منذ العام 2019. صحيح أن الطرف الإسرائيلي معني بالساحة اللبنانية ويمارس فيها نشاطاً غير مرئي مستثمراً واقع الانهيار المالي والاقتصادي بدليل عشرات العملاء الذين تم كشفهم منذ حصول الانهيار، لكن الفاعل الحقيقي هو الطرف الأميركي الذي ثبت بالوقائع أنه يمنع الكهرباء عن لبنان بحجج واهية، والمُتهم بمنع تقديم المساعدات والتسهيلات والمشاريع، ولا سيما من الصين وروسيا وإيران.
ثانياً، يوحي الخطاب كما سلف بوجود معلومات حول نوايا أميركية بتصعيد الضغوط وهدم آخر ما تبقّى من مقومات الصمود لدى الدولة اللبنانية ولدى الشعب اللبناني وبيئة المقاومة، علماً أن محاولة جرّ المقاومة إلى مشكلة طائفية واقتتال داخلي برزت في أكثر من محطة منها أحداث خلدة والطيونة، لكنها فشلت حتى الآن. كان لافتاً في هذا الإطار البيان الصادر عن "مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان" في الأيام الفائتة. المجموعة التي تضم إلى دول غربية، جامعة الدول العربية وروسيا والصين، عبّرت عن قلقها من تداعيات استمرار الفراغ الرئاسي وغياب "الإصلاحات" وتفاقم الأزمات والتلكؤ عن إبرام برنامج مالي مع صندوق النقد الدولي.
تبعاً لذلك، تتزاحم احتمالات الحرب كما احتمالات التسوية ويرتفع رصيد كل احتمال مع الوقت. أي الاحتمالين مرتبط بما يمكن أن تكون أفضت إليه جولة الاتصالات البعيدة عن الأضواء. هل نتّجه إلى مرحلة تسخين متدرّجة قد تصل إلى حرب مع "إسرائيل" أو في المنطقة؟ أو نشهد عودة إلى التموضع ضمن حدود قواعد الاشتباك السابقة؟
الكلمة الفصل
يبقى الأمر مرهوناً بنوايا الطرف الأميركي، وبالخطوات التي يمكن أن يقدم عليها حزب الله. الكلمة الفصل في خطابات السيّد نصر الله المقبلة. في هذا الإطار لا بدّ من الإضاءة على جملة من المعطيات المؤثرة في تحديد الاتجاهات:
أولاً، رغم المقاربة النظرية في احتمال لجوء "إسرائيل" إلى الحرب هروباً من مأزقها الداخلي، إلا أنها بذلك تقدّم أكبر هدية للمقاومة اللبنانية التي ترتفع حافزيتها للحرب اطّراداً مع تصاعد الضغوط على لبنان. في هذه الحالة يُزاح عن كاهل المقاومة سوق أي تبرير أو تمهيد للرأي العام اللبناني والخارجي، وهي أساساً كانت ذاهبة إلى خطوات حربية متصاعدة لولا أن تم توقيع اتفاق التسوية على الخطوط البحرية. هذا عدا عن حالة عدم الاستعداد والجاهزية لدى جيش الاحتلال، والشكوك الوجيهة بعدم قدرته على تحقيق أي نتائج عسكرية يمكن أن يُعوّل عليها، بل يمكن أن تنقلب عليه. من ناحية أخرى يُستبعد جداً أن تُقدم "إسرائيل" على أي عمل من هذا النوع من دون ضوء أخضر أميركي.
خلاصة الأمر بأن المبادرة في هذه الحالة بيد المقاومة التي قال أمينها العام في خطاب سابق: "ضبوا يا أسياد الثكنة الإسرائيلية في واشنطن حكومة الفاسدين والمجرمين في تل أبيب إذا كنتم لا تريدون حرباً ثانية من نوع أوكرانيا".
ثانياً، ما زالت الظروف الدولية والإقليمية التي تلجم واشنطن و"إسرائيل" حاكمة وستبقى كذلك في الأمد المنظور انطلاقاً من الحدث الأوكراني. ليس معلوماً إذا كانت أي حرب مقبلة ستقتصر على لبنان و"إسرائيل"، وقد تتطور الأمور إلى حرب إقليمية تشمل الشرق الأوسط. يكفي في هذا السياق العودة إلى ما حذّر منه الكاتب الأميركي والتر راسل ميد في مقال نشرته صحيفة "وول سترتيت جورنال" قبل أيام من أن واشنطن قد تجد نفسها طرفاً في حرب أخرى بالشرق الأوسط، على نحو أقرب مما يظنه الساسة في البيت الأبيض. ورأى أن اندلاع مواجهة عسكرية كبرى في الشرق الأوسط سيكون نعمة لا تقدّر بثمن للرئيس الروسي، كونها ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وإلى امتلاء خزائن موسكو من عائداته، وإلى مفاقمة الضغوط على الدول الأوروبية. كما أن نشوب الحرب برأيه سيشتت جهود البنتاغون الذي سيضطر إلى تقسيم الأسلحة المتاحة بين أوكرانيا والحلفاء في الشرق الأوسط. ومن شأن تلك الحرب أيضاً أن تغيّر التوازن في تايوان لصالح الصين.
ثالثاً، لدى الطرف الأميركي ما يخسره في لبنان في حالة الحرب أو الفوضى، وبتعبير السيد نصر الله "ستخسرون كل شيء"، أما في حالة السلم فإن رهاناته تبقى قائمة نظرياً من خلال استكمال الضغوط وزرع الألغام علّه يفوز ببعض النقاط، وهذا الأمر قائم اليوم. أما إذا اتّجهت الأمور إلى مسار اللاعودة والفوضى الشاملة فليس معلوماً ما إذا كانت السفارة الأميركية ستبقى موجودة وهي تشهد منذ فترة عملية توسعة بمواصفات غير تقليدية يُفترض أن يجعلها تحتلّ مركزاً متقدماً في الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط وشرقي المتوسّط. ويُتوقّع بحسب البيانات الأميركية أن يتم الانتهاء منها هذا العام، لتصبح بذلك واحدة من أكبر السفارات الغربية في لبنان والعالم العربي.
الاستعداد للحرب
كان واضحاً السيد نصر الله في خطابات سابقة عندما أشار إلى أن ما يضمن الالتزام بالاتفاق البحري الموقّع مع "إسرائيل" هو السلاح. تنفيذ الاتفاق يعني عملياً انهيار قاعدة كبيرة في جدار الحصار غير المعلن المفروض أميركياً على لبنان. تمهيد الظروف لدفع لبنان ليصبح "دولة فاشلة" تعريفاً وتسويقاً أميركياً سوف يؤدي إلى مسوّغات لتشديد الوصاية والشروط عليه.
الاستعداد للحرب من طرف المقاومة، جدّيتها واستعدادها وعزمها على إبقاء هذا الخيار مفروضاً مهما كلّف الأمر، هي عملياً الورقة الذهبية التي تحوزها المقاومة لحماية لبنان والخروج من المستنقع، وهي ورقة لا تمتلكها "إسرائيل" اليوم. لو لم يلمس الطرفان الإسرائيلي والأميركي هذه الجدية ويصدقان استعداد المقاومة، لفقدت هذه الورقة أي فاعلية، ولما كان هناك ردع. من هنا تبقى المواجهة العسكرية مفتوحة عملياً على كل الاحتمالات مستقبلاً.
عملياً الحرب هي زلزال. عندما تُخرج الأرض ما في باطنها، لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه.