من الجولان إلى موسكو: طفح الكيل!

هل يقبل بوتين الرسائل الإسرائيلية؟ وهل يبتلع ضفدع بينيت كما ابتلع ضفدع نتنياهو من قبل؟

  • لم يعد أصدقاء روسيا ومحبو بوتين وجمهور محور المقاومة قادرين على قبول السياسة الاسترضائية لـ
    لم يعد أصدقاء روسيا ومحبو بوتين وجمهور محور المقاومة قادرين على قبول السياسة الاسترضائية لـ"إسرائيل".

 استقبل الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الأحد الماضي، وفداً روسياً برئاسة المبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف. وقد ضمَّ الوفد نائب وزير الخارجية الروسي سرغي فرشينين وآخرين. جرى خلال اللقاء بحث مجالات التعاون بين البلدين على الصعد كافة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي والتجاري، وضرورة إعادة بناء الاقتصاد السوري بعد الحرب، وغيرها من التفاصيل التي تهم الطرفين، وهي في الواقع لا تهمّ الطّرفين الروسي والسوري فحسب، إنَّما تهم مجمل محور المقاومة أيضاً، من دول وتنظيمات وجماهير واسعة عربية وغير عربية. ومن هنا تأتي أهمية تناول هذا الموضوع هنا.

لا شكَّ في أنَّ هذه الزيارة تندرج في إطار الاستعداد للقاء مهم بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نقتالي بينيت يوم الجمعة القادم. هذا اللقاء، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، سيبحث فيه الطرفان الإسرائيلي والروسي، من بين مواضيع متعددة، الوضع في سوريا وسياسة "إسرائيل" العدوانية تجاهها بحجّة التواجد الإيراني، فهل سيستمرّ "التنسيق الأمني" بين الطّرفين، كما هو حاصل منذ العام 2015 إلى اليوم؟ وهل أصبح "مقدساً" أيضاً، في نظر بوتين، أم أنه سينتهي وإلى الأبد؟

في المقابل، وتمهيداً للّقاء المرتقب في موسكو، قامت "إسرائيل" بتنفيذ 3 غارات جوية على مواقع سورية خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي، كان آخرها الغارة الجوية التي نفَّذتها الطائرات الإسرائيلية من جهة التنف يوم 14/10/2021، حيث تتواجد القوات الأميركية المحتلة، على موقع يشكّل مكان نشاط ومبيت شبابيّ قرب تدمر في ريف حمص، وهو قريب من مطار "تي فور" المهم جداً للقوات الجوية الروسية، فهل من رسالة من هذا العدوان إلى موسكو؟ الجواب نعم. "نحن (الحكومة الإسرائيلية الجديدة) مستمرون في السياسة العدوانية السابقة، ولا تعنينا ملاحظاتكم أو تحذيراتكم أو مصالحكم، ولا يعنينا إن كان هذا الموقع سورياً أو إيرانياً، مدنياً أو عسكرياً، ولا يعنينا ما يقوله القانون الدولي". 

أضِفْ إلى ذلك أنَّ الغارة انطلقت من التنف، أي المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الأميركي المحتل، ما يعني أنَّها منسّقة مع أميركا، وربما مع الأردن أيضاً، باعتبار أنَّ الطائرات الإسرائيلية، إذا ما وصلت إلى التنف، لا بدّ من أن تمر فوق الأردن وتنسق مع القوات الأميركية، وربما لا حاجة للتنسيق مع الأردن، ولا سيّما أن الاتفاقية الدفاعية التي وُقّعت بين الأردن والولايات المتحدة في شهر شباط/فبراير من العام الحالي تسمح للطائرات الأميركية وحليفاتها (يعني "إسرائيل") بأن تستخدم الأجواء الأردنية من دون مراجعة حكومتها، ومن دون أن يكون للأردن حقّ الرفض أو حتى الاعتراض، فهل هذا واضح لسوريا التي صفّقت لعودة العلاقات مع الأردن من دون محاسبة الأخيرة على ما اقترفته من جرائم بحق الشعب السوري وكل دول محور المقاومة ومنظماتها وجمهورها؟

ليس هذا فحسب، فقبل 3 أيام من تلك الغارة الدمويّة، شارك رئيس حكومة "إسرائيل"، نفتالي بينيت، في مؤتمر مجلس مستوطنات الجولان، وأعلن خطة استيطانية جديدة بقيمة مليارات الشواقل، أهمها مشاريع إنتاج الطاقة الخضراء بواسطة منظومات شمسية على مساحة 3000 دونم، وطوربينات ضخمة، بلغت أكثر من 310، لتوليد الطاقة من الهواء بقدرة 460 جيغا واط/ساعة في السنة.

هذه المشاريع وغيرها سيتبعها بناء عدد من المستوطنات الجديدة تضاعف عدد المستوطنين عدة مرات خلال سنوات قليلة. هذا يعني أنَّ الاستيطان جارٍ، وبوتيرة عالية، "ولو تغيرت السياسة الدولية تجاه سوريا"، كما صرّح بينيت، وهذه رسالة أخرى إلى الرئيس بوتين عشية لقائه نفتالي بينيت، فهل يبتلعها بوتين ويحاول إقناع القيادة السورية بهضمها؟ 

لم يكتفِ بينيت بهذا الرسائل، ففي يوم 16/10/2021، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجولان باغتيال ابن مجدل شمس، الأسير المحرر المواطن السوري وعضو البرلمان السوري سابقاً، الشهيد مدحت الصالح، وهو في بيته الجديد في موقع عين التينة مع زوجته وأطفاله، من دون أن يكون مسلحاً أو حتى قريباً من السياج "الأمني". كل "ذنبه" أنه يبني بيتاً في وطنه، وعلى أرضه الخاصة، مطلاً على بلدته مجدل شمس التي أخرج منها قسراً بعد تحرره من معسكرات الاعتقال الإسرائيلية. 

في هذا الاغتيال عدة رسائل، أولها للمواطنين السوريين، وخصوصاً الدروز، أبناء تلك المنطقة، بأنَّ كل من يتجول في المنطقة أو يبني بيتاً سيعتبر خطراً أمنياً، وسوف يتم استهدافه، ولا سيّما أنَّ الشهيد مدحت لم يكن أول من استهدفتهم يد الإرهاب الصهيونية، فقد سبقه عدد من الشهداء في تلك المنطقة، كان آخرهم الشهيد الشيخ الشاب تحرير محمود، الذي أُلصِقت به تهمة النشاط لمصلحة حزب الله، وقد تم اغتياله في عين التينة أيضاً قبل 5 شهور من اغتيال الشهيد مدحت، ولكن كعادته، يقول أحد الأحرار، ابن مجدل شمس، يقوم المحتل الإسرائيلي باغتيال المدنيين، ثم يلصق تهمة بهم، ويروّجها قطيع الإعلام الصهيوني والمتصهين.

ادّعى المراسلون العسكريون للإعلام الإسرائيلي، نقلاً عن المخابرات العسكرية بالطبع، أنَّ الشهيد مدحت، وفقاً "للتخمينات" الإسرائيلية، "تعاون مع الإيرانيين، وشكَّل بذلك خطراً على إسرائيل، فقامت بتصفيته".  

وقال المراسل العسكري للقناة 13 أور هيلر: "لقد تم اغتيال مدحت الصالح على يد قناصين، ووفق سياسة الاغتيالات الإسرائيلية، ليس بسبب ما قام به في الماضي، إنما بسبب ما يفكّر في القيام به". إن لم يكن هذا هو الإرهاب بعينه، فما هو الإرهاب إذاً؟

في هذا الاغتيال الإرهابي رسالة صريحة عن ماهية سياسة الاغتيالات التي قامت وتقوم بها فرق الموت الإسرائيلية، يرسلها نفتالي بينيت إلى الرئيس بوتين قبل الوصول إلى موسكو يوم الجمعة القادم، وهي رسالة إضافية إلى الرسائل التي أطلقها خلال الأسبوعين الأخيرين، ومفادها أنَّ حكومة "إسرائيل" مستمرة بتطبيق سياسة حكومات نتنياهو، وأنها لا تكتفي بالمساعدة الروسية لإبعاد أي قوة إيرانية عن الجولان مسافة 80 كم، إنما تريد إبعاد أي مواطن سوري عن الجولان المحتل، عسكرياً كان أو مدنياً، وكأنها تريد خلق منطقة أمنية عازلة إضافية بين "إسرائيل" وسوريا، يُمنع على السوريين دخولها، لأنهم "مُتهمون" من قبل "إسرائيل" بالتعاون مع الجيش السوري أو إيران أو حزب الله، وسوف يتم استهدافهم. هل يقبل بوتين هذه الرسالة؟ هل يبتلع ضفدع بينيت كما ابتلع ضفدع نتنياهو من قبل؟  

شاركت أخيراً في مراسم عزاء الشهيد مدحت الصالح في بلدة مجدل شمس. وقد حمّلني الأصدقاء رسالة واضحة تقول: لا يوجد تفسير مقنع للمواقف التي يتخذها الرئيس بوتين من السياسية العدوانية الإسرائيلية في سوريا. لم يكن ولم يعد أصدقاء روسيا ومحبو بوتين وجمهور محور المقاومة قادرين على قبول هذه السياسة الاسترضائية لـ"إسرائيل". لم يعد الجولانيون قادرين على استيعاب أي تفسير أو تبرير لها.

لم تكن سياسة التنسيق الأمني التي انتهجها بوتين مقبولة لأحد، ولن تكون مقبولة أبداً، ولن يرضى أحد بأن يصبح التنسيق الأمني "مقدساً". هذه هي رسالتنا إلى الرئيس بوتين عشية لقائه نفتالي بينيت نهاية هذا الأسبوع. وعلى الرئيس بوتين أن يختار موقعه! لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، فهل من يوصل الرسالة!