تركيا و"إسرائيل".. هل إيران هي الهدف؟
زيارة غانتس أيضاً، في توقيتها الزمني، تكتسب أهمية إضافية لأنها صادفت أحاديث المسؤولين الإسرائيليين عن خطر المسيّرات الإيرانية الانتحارية، والتي قيل إن روسيا تستخدم البعض منها في أوكرانيا.
بعد قطيعة دامت نحو 12 عاماً عاد غرام أنقرة بـ "تل أبيب"، بعواطف جياشة أثبتتها الاتصالات والزيارات المتتالية بين الطرفين. فبعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس إردوغان بهرتسوغ في تموز/يوليو من العام الماضي، ليهنّئه بمناسبة انتخابه رئيساً للكيان المحتل، استمرت الاتصالات بين الرئيسين إلى أن زار هرتسوغ أنقرة في التاسع من آذار/مارس الماضي.
كما استمرت الاتصالات بين إردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي (السابق) بينيت، مع اتصالات وزيارات متبادلة قام بها مسؤولو الطرفين، ومنهم يائير لابيد، الذي زار أنقرة عندما كان وزيراً للخارجية في 23 حزيران/يونيو الماضي، ثم التقاه إردوغان في نيويورك في 20 أيلول/سبتمبر الماضي بصفته، هذه المرة، رئيساً للوزراء، بعد أن التقى إردوغان قيادات كل منظمات اللوبي اليهودي في أميركا.
هذا ما كان معلَناً بين الطرفين، ومن دون أن يتسرّب أي شيء بشأن اللقاءات المتكررة بين جهازي الاستخبارات قبل وبعد أن قرر الطرفان تبادل السفراء من جديد، الشهر الماضي، مع استمرار أحاديث الإعلام عن مساعي إردوغان لإقناع "تل أبيب" بنقل الغاز الإسرائيلي، (على أن يقنع لاحقاً بالأمر نفسه الطرفين القبرصي واللبناني، ثم الطرف المصري) إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.
وتأتي زيارة وزير الأمن الإسرائيلي، غانتس، لأنقرة (الأربعاء 26-10) لتدعم المسار الجديد في العلاقات بين الطرفين، وهذه المرة في مضمونها العسكري، مع أهمية التوقيت الزمني للزيارة، مع التذكير بالدعم التركي - الإسرائيلي المشترك لأذربيجان في حربها ضد أرمينيا. فطهران لا تُخفي قلقها من الوجود الإسرائيلي، عسكرياً واستخبارياً، بالقرب من حدودها مع أذربيجان، وخصوصاً مع مساعي باكو لبناء عدة مطارات قرب هذه الحدود، ومع المعلومات الصحافية، التي تتحدث عن بناء شركات إسرائيلية "مستوطنات زراعية نموذجية" قريباً من هذه المطارات. وافتتح الرئيسان التركي إردوغان والأذربيجاني علييف إحداها قبل أيام قرب مدينة زانكيلان، التي تبعد عن الحدود مع إيران نحو 60 كم.
وتصادف ذلك مع الأخبار، التي تحدثت، أمس الأول، عن اعتقال عدد من عملاء "الموساد"، الذين كانوا ينشطون في مناطق غربي إيران المجاورة لأذربيجان.
زيارة غانتس أيضاً، في توقيتها الزمني، تكتسب أهمية إضافية لأنها صادفت أحاديث المسؤولين الإسرائيليين عن خطر المسيّرات الإيرانية الانتحارية، والتي قيل إن روسيا تستخدم البعض منها في أوكرانيا، في الوقت الذي نقل الإعلام تصريحات لمسؤولين أوكرانيين تحدثوا عن عدم جدوى المسيّرات التركية، التي استخدمتها القوات الأوكرانية في بدايات الحرب ضد القوات الروسية.
يدفع كل ذلك البعض إلى الحديث عن احتمالات التعاون التركي - الإسرائيلي في مجال المسيّرات، مع التذكير بأن "إسرائيل" كانت أول من باع أنقرة الدرونات والمسيّرات، التي تم استخدامها ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي جنوبي شرقي البلاد، وشمالي العراق، حتى عام 2004. وكانت هذه المسيّرات الإسرائيلية بداية الاهتمام التركي بتصنيعها وتطويرها من جانب الشركة التي يملكها سلجوق بيرقدار، وهو صهر الرئيس إردوغان، الذي غرّد في "تويتر" مستنكراً تصريحات المسؤولين الأوكرانيين، الذين قالوا إن مسيّرات بيرقدار التركية ليست فعالة، إلّا أنه عاد وألغى التغريدة.
التعاون التركي - الإسرائيلي المحتمل في مجال المسيّرات يبدو أنه سيفتح أمام الطرفين آفاقاً جديدة تدعم النية والرغبة لدى أنقرة و"تل أبيب" بشأن مزيد من التنسيق السياسي، والآن العسكري والاستخباري، لمواجهة خطر "العدو" أو "الأعداء المشتركين" في المنطقة، على الرغم من علاقات أنقرة "الإيجابية" بطهران، مع التذكير بقاعدة مالاطيا الأميركية –الأطلسية، وهي شرقي الأناضول، وتمّ بناؤها أواخر 2011، أي بعد ما يسمى "الربيع العربي". وتحدث الإعلامان التركي والأميركي آنذاك عن أهمية هذه القاعدة، ومهمتها الأساسية رصد التحركات العسكرية الإيرانية، وإبلاغ "تل أبيب" بشأن أيّ صواريخ باليستية قد يُطلقها الجيش الإيراني في اتجاه الأراضي المحتلة، حتى يتسنى للقبة الحديدية الإسرائيلية التصدي لها، قبل أن تصل إلى أهدافها.
في جميع الحالات، وأياً يكُن مضمون مباحثات غانتس في أنقرة، فالجميع يعرف أن الرئيس إردوغان هو الذي سيضع اللمسات الأخيرة على الإطار العام الاستراتيجي للعلاقات بين الطرفين، وذلك خلال الزيارة التي سيقوم بها لـ"تل أبيب" بعد الانتخابات التشريعية هناك، في الوقت الذي يتوقع الإعلام العبري مزيداً من مواضيع التعاون في طريق التحالف، وهذه المرة على أسس متينة لن تتأثر بردود الفعل العاطفية، التي عودنا عليها الرئيس إردوغان طوال الأعوام الماضية، بحيث هدّد "إسرائيل" وتوعّدها عشرات المرات، إن لم نقل مئات المرات، خلال هذه الأعوام الماضية، إلّا أنه عاد وتوسّل إليها كي تصالحه بعد أن أغلق ملف سفينة مرمرة، وأوقف دعمه لحماس، ولم يستخدم حق الفيتو ضد انضمام "إسرائيل" إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي والحلف الأطلسي بصفة مراقب.
وجاء قرار الحكومة، الأسبوع الماضي، القاضي برفع السرية عن آلاف الوثائق العثمانية والخاصة باليهود و"إسرائيل"، والسماح للباحثين الإسرائيليين بدخول الأرشيف العثماني، ليُثبت رغبة أنقرة في مزيد من التنسيق والتعاون مع "تل أبيب". ويعرف الجميع أنها تولي هذا الأرشيف أهمية بالغة، لأنه يحتوي على كثير من الوثائق التي تُثبت عمق التعاون بين اليهود والسلاطين العثمانيين، الذين يتغنى إردوغان بأمجادهم. وكان أولهم السلطان سليمان القانوني، وآخرهم عبد الحميد، الذي قدّم ما يكفي من التسهيلات والمساعدات إلى اليهود، وأنشأوا أول مستعمراتهم في تل الربيع، وهي الآن "عاصمة" الكيان الصهيوني المحتل.
وكانت تركيا الدولة الإسلامية الأولى، التي اعترفت بـ "إسرائيل" بعد عدة أشهر من "قيامها"، كما كان إردوغان أول زعيم إسلامي تمنحه منظمات اللوبي اليهودي في أميركا "وسام الشجاعة السياسية"، وذلك بعد أشهر من انتخابه رئيساً للوزراء في أنقرة، وكان ذلك قبل 10 أيام من الغزو الأميركي - البريطاني للعراق، القاسم المشترك لكل من تركيا ومعها وإيران وسوريا، مصدر الرعب الحقيقي للكيان الصهيوني المحتل.