إردوغان يكتشف الغاز.. والمعارضة تسأل: أين هو؟

كذّب عدد من الخبراء الاقتصاديين معلومات إردوغان عن الاكتشافات الغازية، وقالوا إن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذا الغاز قابل للاستخراج، وفق العديد من المعايير والمقاييس الفنية والاقتصادية والمالية.

  • إردوغان يكتشف الغاز.. والمعارضة تسأل: أين هو؟
    إردوغان يكتشف الغاز.. والمعارضة تسأل: أين هو؟

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منذ أيام اكتشاف احتياطي جديد من الغاز الطبيعي، قال إنه 58 مليار متر مكعب، ليصل بذلك الاحتياطي العام الذي سبق أن اكتُشف في البحر الأسود إلى 710 مليارات متر مكعب، بحسب كلامه. 

وقد رأت المعارضة أن هذا الإعلان هو محاولة جديدة منه لرفع معنويات الشعب، بعدما أثقل الغلاء والتضخم والبطالة كاهله بفعل السياسات الاقتصادية والمالية الفاشلة التي دمّرت البلاد.

وذكَّرت وسائل الإعلام بدورها بتصريحات الرئيس إردوغان ووزرائه السابقة، إذ بشّروا الشعب التركي غير مرة باكتشافات ضخمة من الغاز والبترول، ولكن لم يستخرج منها أي شيء حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من 15 عاماً على هذه الاكتشافات التي بدأ الإعلان عنها منذ استلام "العدالة والتنمية" السلطة نهاية عام 2002. على سبيل المثال، تحدث الإعلام الموالي لإردوغان في نيسان/أبريل 2013 عن اكتشاف الغاز الطبيعي وسط إسطنبول وفي ساحتها الشهيرة "تقسيم"، وذلك خلال حفريات المترو في المنطقة.

ولم يهمل الإعلام المعارض التّذكير باكتشافات الرئيس إردوغان للغاز والبترول، وقال إنّها تسبق الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما كان يحصل في الانتخابات البلدية سابقاً، في محاولةٍ منه للاستفادة من هذه الاكتشافات في حملته الانتخابيّة، وهو ما نجح به حتى الآن، كما نجح بشحن المشاعر القومية للمواطن التركي من خلال الحديث عن النجاحات العظيمة في مجالات مختلفة، مهما كان الحديث عنها مبالغاً به، وهو ما يثبت أنَّ 66% من المواطنين الأتراك لا يصدقون كلامه، وفق آخر استطلاع للرأي.

على سبيل المثال، لا يسأل أحد من المواطنين المؤيدين لإردوغان: أين الغاز المكتشف؟ ولماذا يزداد سعر الغاز المستهلك في البيوت والمصانع يومياً؟ ولماذا تستورد تركيا نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا، و10 مليار متر مكعب من إيران، ونحو 20 مليار متر مكعب من الدول الأخرى؟ 

ولا يسأل المواطن أيضاً تحت تأثير الإعلام الموالي لإردوغان: أين الطّائرات والدبابات والصواريخ والسيارات التي يبشّر بها قبل كلّ انتخابات ليضمن من خلالها دعم الشعب له؟

على سبيل المثال، بشّر الرئيس إردوغان قبل 3 سنوات بتصنيع أول سيارة كهربائية وطنية 100%، وقال عنها إنّها ستكون في الأسواق عام 2022. وقبل أسابيع، عاد وبشَّر بهذه السيارة، وقال إنّها ستكون في الأسواق في الصيف المقبل، في الوقت الّذي سرَّبت المعارضة شريط فيديو من المصنع، تبيَّن عدم وجود شيء فيه، وهو ما اعترف به لاحقاً الرئيس التنفيذي للشركة المصنعة، الذي توقّع أن تباع السيارة في الأسواق عام 2027. 

وتتّهم المعارضة الرئيس إردوغان بالكذب على الشعب التركي عندما قال إنَّ السيارة صناعة وطنية 100%، علماً أنَّ تصميمها إيطالي، والمحرك ألماني، والأقسام الميكانيكية بريطانية، والبطارية صينية، وهذه هي حال الطائرات المسيرة التي تستخدم الشركة في تصنيعها العديد من الأجهزة التي تستوردها من بريطانيا وكندا وسويسرا وأوكرانيا.

بالعودة إلى الغاز المستكشف، لم يتمّ استخراج متر مكعب واحد منه حتى الآن. وقد قال إردوغان إنَّ قيمته تصل إلى تريليون دولار، وهو ما اضطرّ الشركة الوطنية للنّفط إلى تصحيح هذا الرقم، فقالت إنّ احتياطي كمية الغاز المحتمل هو تريليون متر مكعب، في إشارةٍ منها، ولو بشكل غير مباشر، إلى أنَّ القيمة التي تحدث عنها ليست صحيحة، وهو ما لا يبالي به أنصاره وأتباعه، الّذين لا يصدقون إلا كلام زعيمهم، كما هي الحال في كلّ الأمور، وهو ما يدفع وزراءه وإعلامه إلى الحديث عن زعامته للعالم أجمع، وهو ما يسوّق له وزير الداخلية سليمان صويلو باستمرار، إذ قال قبل أيام "إن إردوغان قضى على الإرهاب والإرهابيين في تركيا، وسوف يقضي عليه قريباً في المنطقة والعالم أجمع".

الوزير صويلو الذي قال سابقاً "إن أمن دمشق وبغداد وطهران واليمن وليبيا والبلقان من مسؤولية تركيا وزعيمها إردوغان"، توقع لبلاده "أن تصبح قريباً أعظم دولة في العالم، بفضل سياسات إردوغان في الداخل والخارج".

المعارضة التي تستهزئ بتصريحات الوزير صويلو وزعيمه إردوغان، الذي قال: "إذا استلم حزب الشعب الجمهوري السلطة في الانتخابات القادمة، فسوف يدمر الأنفاق والجسور وآبار الغاز والبترول والمصانع"، تتهم إردوغان بالكذب، وتقول: "إذا كان صادقاً في أحاديثه عن اكتشاف الغاز، فلماذا يشحذ من ملوك الخليج وأمرائه ومشايخه الذين يتسابقون لإقراض تركيا المليارات من الدولارات؟".

يأتي ذلك في الوقت الَّذي كذَّب خبراء اقتصاديون معلومات إردوغان، وقالوا إن الحديث عن الاكتشافات لا يعني بالضرورة أن هذا الغاز قابل للاستخراج وفق العديد من المعايير والمقاييس الفنية والاقتصادية والمالية، وخصوصاً أن الدول المطلة على البحر الأسود لم تكتشف أو تستخرج أيّ كميات معقولة من الغاز في البحر المذكور.

ولم يبالِ أحد بتقارير الخبراء وتحليلاتهم التي لا تؤثر في مزاج أتباع إردوغان وأنصاره، الَّذين لا يدري أحد كيف يعيشون في ظل الأزمات المالية والاقتصادية الخطرة التي أوصلت البلد إلى حافة الإفلاس، بعدما زادت ديونها الداخلية والخارجية على تريليون دولار، ووصلت نسبة التضخّم إلى 200%، وهي حال الأسعار، لينعكس كلّ ذلك على البطالة التي زادت نسبها على 17%.

وبات واضحاً أن الرئيس إردوغان، بفضل 95% من الإعلام الذي يسيطر عليه، نجح في إبعاد أنظار الشعب التركي عن كلّ هذه المشاكل بفضل سلاحين مهمين، هما المقولات الدينية والمقولات القومية بذكرياتها التاريخية التي تتحدث عن "عظمة الإمبراطورية العثمانية وإردوغان وريثها، الَّذي يتحدى العالم المتآمر على الأمة والدولة التركية"، وهو، أي "هذا العالم الكافر، سبب مشاكل تركيا، من الغلاء إلى كل أنواع الفساد وأشكاله، بما في ذلك الاحتفال بعيد رأس السنة، وهو من عادات الكفّار والملحدين"، وفق كلام المشايخ من أتباع إردوغان وأنصاره.

وبفعل سفسطاتهم، ما زال نحو 30% من الناخبين الأتراك يقولون إنهم سيصوّتون لإردوغان، لأنه "يناضل ضد أعداء الأمة والدولة التركية في الداخل والخارج، وباسم القومية التركية والدين الإسلامي". ومن أجل ذلك، جعل متحف آيا صوفيا التاريخي في إسطنبول جامعاً تحدّى من خلاله العالم أجمع، باعتبار أنَّ هذا المتحف كان في الأصل الكنيسة الأم للإمبراطورية البيزنطية بعاصمتها القسطنطينية التي فتحها السلطان محمد الفاتح عام 1453.