إردوغان والسيسي.. من ينتصرْ في ليبيا يَكْسَبِ المنطقة
تسعى أنقرة بحسب أوساط الليبية إلى كسب عائلة القذافي إلى جانبها وإبعاد هذه العائلة والقبائل الموالية لها عن خليفة حفتر وضمّها إلى التحالف المدعوم منها غربي البلاد.
مع استمرار التحركات المصرية في الساحة الليبية، بحيث استضافت القاهرة كلاً من خليفة حفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح (14 أيلول/سبتمبر)، ليلحق بهما (16 أيلول/سبتمبر) رئيسُ الوزراء عبد الحميد الدبيبة، المحسوب على تركيا، جاءت زيارة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي للدوحة، حليفة إردوغان، في 15 أيلول/سبتمبر، لتثير عدداً من التساؤلات بشأن مصير مسار المصالحة الوطنية ومستقبلها، والرهان على موعد الانتخابات المقرَّرة في 24 كانون الأول/ديسمبر القادم.
وتتحدَّث المعلومات عن مَساعٍ مكثَّفة تبذلها أنقرة من أجل تأجيل هذا الموعد إلى أن يتسنّى لها ترتيب أوراقها في الداخل الليبي بعد المواجهات الساخنة بين المجموعات المسلَّحة والموالية لها في طرابلس وغربي البلاد عموماً.
كما تتحدّث المعلومات عن اتصالات سرية تُجريها أنقرة بوساطة وزير الداخلية السابق فتحي باش آغا (يُمضي معظم أوقاته في إسطنبول) بسيف الإسلام القذافي، وهو ما أثبتته مساعيها لإخلاء سبيل الساعدي القذافي (ومعه أربع شخصيات مهمة من عهد والده) ونقله في طائرة خاصة إلى إسطنبول، حيث التقى "مسؤولين" أتراكاً قبل أن يتوجَّه إلى القاهرة، التي تقيم فيها عائلته (بمن فيها أحمد قذاف الدم)، مع المعلومات التي تتحدَّث عن احتمالات كشف المكان الذي دُفِن فيه معمر القذافي، والسماح لعائلته بنقل رُفاته لاحقاً إلى مسقط رأسه في سرت. ويرى بعض الأوساط الليبية في مساعي أنقرة لكسب عائلة القذافي إلى جانبها، محاولةً منها لإبعاد هذه العائلة والقبائل الموالية لها عن خليفة حفتر، وضمّها إلى التحالف المدعوم منها في غربي البلاد.
وترى أوساط أخرى أن هذا التكتيك التركي هو محاولة من إردوغان لضمان استمرار الوجود العسكري التركي في ليبيا، بعد أن بات واضحاً أن المجموعات الإسلامية الموالية لتركيا لم تعد مقبولة في الشارع الشعبي الليبي، وهو ما سيعني خسارتها في انتخابات 24 كانون الأول/ديسمبر. والبعض يتحدّث عن احتمالات تزويرها، بعد أن أصدر البرلمان قانون الانتخابات الجديد، وسيتم بموجبه انتخاب الرئيس مباشَرة من الشعب.
في الوقت الذي ما زال الغموض يسيطر على الواقع العسكري بعد أن تجاهلت حكومة الدبيبة، ومعها المجلس الرئاسي، قراراتِ اللجنة العسكرية المشتركة، والتي أوصت بتجميد الاتفاقيات العسكرية التي وقّع عليها فايز السراج، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا قبل انتخابات كانون الأول/ديسمبر. ولم يكتفِ الدبيبة بهذا التجاهل، بل قام بتعيين قيادات عسكرية جديدة في المواقع الحسّاسة، وقال الإعلام الليبي إن أغلبية هذه القيادات تمَّ الاتفاق عليها مع أنقرة، وبينها صلاح الدين نمروش (مقرَّب جداً إلى تركيا)، الذي تم تعيينه قائداً للمنطقة الغربية، وصلاحياته تمتد حتى الحدود مع تونس، القريبة من قاعدة الوطية، التي توجد فيها القوات التركية. ورافقت هذه التعييناتِ تحرُّكاتٌ واسعة من أجل نقل أكبر كمية من الأسلحة والعتاد الحربي من تركيا إلى طرابلس، في الوقت الذي يزداد عدد الجنرالات الذين يتوافدون على اسطنبول باستمرار، وفي مقدمتهم اللواء محمد الحداد، الذي عيَّنه فايز السراج في آب/أغسطس العام الماضي رئيساً للأركان، ويُقال إنه يُشْرِف على عملية تدريب الكوادر العسكرية الليبية على الأسلحة والمعدات القتالية التركية، وهو ما يُثْبت عزم أنقرة وإصرارها على البقاء في ليبيا، مهما كلَّفها ذلك، لأن خسارتها هناك ستعني نهاية الحلم العثماني في الشمال الأفريقي، بعد هزيمة "الإخوان" وانتكاساتهم في مصر وتونس والمغرب والسودان، وقبلها جميعاً في الجزائر.
في المقابل، لا تتجاهل المعلومات أهمية التحرُّكات التي تقوم بها القاهرة من أجل تحقيق التفوُّق، سياسياً وعسكرياً وشعبياً ونفسياً، على أنقرة البعيدة عن ليبيا، ليس جغرافياً فقط، بل قومياً أيضاً. ومن دون أن يُهمل السيسي تذكير الليبيِّين، وخصوصاً آل القذافي، بدعم تركيا للعدوان الأطلسي على ليبيا بداية آذار/مارس 2011، على الرغم من كل أنواع الدعم الليبي لتركيا في عدد من المجالات، بما فيها التدخل العسكري في قبرص عام 1974.
وجاءت الاتفاقيات، التي وقّع عليها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، المحسوب على أنقرة، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة (15 أيلول/سبتمبر)، لتمنح مصر مزيداً من الامتيازات والأولويات في عملية إعمار ليبيا، وهو ما سيكلّف نحو 120 مليار دولار، بالإضافة إلى مشاريع أخرى ستنفِّذها شركات مصرية، بقيمة 33 مليار دولار. تسعى أنقرة، منذ فترة طويلة، وعبر علاقاتها الواسعة والمتشابكة بعدد كبير من المسؤولين الليبيين في طرابلس، والبعض منهم من أصول عثمانية، وقدَّر عددهم إردوغان بمليون (من أصل 6.8 ملايين، هم مجموع سكان ليبيا) للحصول على حصة الأسد في هذه المشاريع.
ومن دون أن يُهمل إردوغان تحالفاته الدولية في تصدِّيه للدور المصري المدعوم من فرنسا، سيستغلّ إردوغان خلافات باريس مع واشنطن ولندن، ويكسب هاتين العاصمتين إلى جانبه، بعد أن ضمن دعم إيطاليا، التي وجدت لنفسها موطئ قدم جديداً في مستعمرتها السابقة. وعبر التنسيق والتعاون مع أنقرة، نجحت في إقامة تعاون عسكري وتطويره مع مالطا، القريبة من ليبيا.
وجاء حديث وزير الخارجية الفرنسي لو دريان عن مساعي باريس بالتنسيق مع برلين وروما لعقد مؤتمر دولي عن ليبيا في 12 تشرين الثاني/نوفمبر لمواجهة التحركات التركية عشية الانتخابات الليبية.
ويرى البعض أيضاً في مساعي أنقرة للمصالحة مع الإمارات، ودور حليفتها قطر في ذلك، تكتيكاً جديداً من الرئيس إردوغان لإبعاد أبو ظبي، ومعها السعودية، عن القاهرة، أو ضمان حيادها في الأزمة الليبية.
وإلى أن تتَّضح صورة المنافسة التركية- المصرية في ليبيا، يبقى القرار للشعب الليبي، الذي عانى الأمرَّين بعد إطاحة العقيد الليبي، وتحوَّلَ إلى ضحية الصراعات الإقليمية والدولية، التي اسْتَعْدَت القبائل والعشائر، وحتى العائلات الليبية، بعضها على البعض الآخر، من أجل تحقيق أهدافها البشعة في هذا البلد العربي، الذي يواجه أكبر تحدياته. فإمّا أن يضع حداً نهائياً لخلافاته وصراعاته الداخلية، وإمّا أن يبقى عُرضةً لمؤامرات إقليمية ودولية، أثبتت أنها لا تريد لهذا البلد الأمن والسلام. وهو ما لا ولن يتحقّق إلاّ عبر قرار مواطنيه الشرفاء والأوفياء في أوّل انتخابات مقبلة. ومن خلال نتائجها الديمقراطية فقط، ستصل ليبيا إلى برّ الأمان، بعيداً عن حسابات الآخرين الذين أثبتوا أن ما يهمهم ليس إلاّ مصالحهم، وكلّها على حساب الشعب الليبي. وباع البعض منه ضميره للأجنبي، أيّاً تكن تسميته، إقليمياً أو دولياً!