واشنطن والاتحاد الأوروبي يستخدمان الخليج كصندوق تمويل حروب في النزاعات
حاول مجلس التعاون الخليجي إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الدول الأوروبية على مدار أكثر من 30 عاماً، لكن مثل هذه الصفقة لم يتم توقيعها أبداً بسبب إصرار أوروبا على أن يكون لها اليد العليا في الصفقات التجارية.
تحدَّث رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، المعروف أيضاً بالأحرف الأول "HBJ"، إلى وسائل الإعلام مفتتحاً "الصندوق الأسود" لسياسات قطر، ومحذراً دول الخليج الغنية بالنفط والمجاورة لقطر، قائلاً إن الغرب يتطلع مرة أخرى إلى دول الخليج لتمويل مشروعات غربية من دون النظر إلى مصالحها.
أهان الرئيس الأميركي السابق ترامب ملك المملكة العربية السعودية علناً، معتبراً المملكة بقرةً حلوباً يجب حلبها مقابل أمنها. ومع ذلك، لم يتم تقديم حماية أميركية في ما يتعلق بالهجمات السابقة والحديثة على منشآت "أرامكو" النفطية السعودية. لقد استيقظ السعوديون وجيرانهم من سباتهم، وباتوا يدركون الآن أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يعاملون الخليج مثل خزانة يتم فتحها في الأزمات.
وقد تذمّر حمد بن جاسم في حسابه في "تويتر" قائلاً: "نعلم من تجربتنا أن الغرب ينسى بلداننا، ولا يتعامل معنا على أساس المساواة أو المصالح المشتركة، ولا يتذكرنا إلا عندما يكون بحاجة ماسة إلينا، وكأن بلادنا خزينة تُفتح في الأوقات الصعبة. عليهم أن يعلموا أنَّ لدينا مصالح أيضاً، ولا يجوز المساس بها، وأن هذا يجب أن يتم على أساس المصالح المشتركة".
وقد أضاف متطرقاً إلى أزمة الطاقة على خلفية الأزمة الأوكرانية والحاجة إلى نفط الشرق الأوسط: "الغرب ينسى دول الخليج، ولا يعاملها على قدم المساواة أو على أساس المصالح المشتركة، ولا يتذكرها إلا عند الحاجة الملحة. الغرب، ولا سيما الدول الأوروبية، بحاجة ماسة إلى النفط والطاقة، وخصوصاً من منطقتنا ومن دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص".
حاول مجلس التعاون الخليجي إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الدول الأوروبية على مدار أكثر من 30 عاماً، لكن مثل هذه الصفقة لم يتم توقيعها أبداً بسبب إصرار أوروبا على أن يكون لها اليد العليا في الصفقات التجارية على حساب دول مجلس التعاون الخليجي. الآن، بعد أن قطعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصولهما إلى النفط والغاز الروسي، يريد الاتحاد الأوروبي، وبشكل مفاجئ، معاملة خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي.
وكتب حمد: "دول الخليج تريد إيصال رسالة إلى الغرب، مفادها أن تعلم أننا أيضاً لدينا مصالح لا ينبغي أن تتضرر، ويجب تحقيقها على أساس المصالح المشتركة".
تريد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من منتجي النفط الخليجيين ضخ المزيد من النفط لخفض الأسعار العالمية، رداً على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فضلاً عن توفير الغاز والنفط لأوروبا المتزعزعة، ولكن، وفي اجتماع أوبك الأخير الذي عُقد هذا الشهر، قرر الأعضاء الالتزام بجدول الإنتاج الحالي وعدم زيادة الضخ، ولم يتمّ الرد على مكالمات عديدة من الرئيس الأميركي بايدن في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
خلال ما يُسمى "الربيع العربي" في العام 2011، تمت إطاحة حسني مبارك في مصر، وتمَّ انتخاب مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، الذي أُطيح لاحقاً في انتفاضة شعبية ضد الإخوان المسلمين، الذين وصلوا إلى السلطة بدعم من الولايات المتحدة.
مؤخراً، قال حمد لصحيفة "القبس" الكويتية إن جماعة الإخوان المسلمين في عهد مرسي لم تكن كفوءة، ولم تستطع إدارة دولة بحجم مصر، واستذكر اجتماعاً في الدوحة بين فريق مرسي وإدارة أوباما الأميركية. وقد فوجئ حمد والأميركيون عندما وجدوا أن فريق مرسي ضعيف جداً، إلى درجة أنهم "لم يكونوا لائقين لإدارة متجر صغير، ناهيك ببلد بحجم مصر".
وكان أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أول زعيم يزور مصر بعد انتخاب مرسي. وقد قدم لحكومة الإخوان المسلمين 8 مليارات دولار كدعم مالي.
بعد إطاحة مرسي، أعلنت القيادة المصرية الجديدة جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وسحبت القاهرة سفيرها من قطر. كما تم تصنيف الجماعة إرهابيةً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
كانت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، التي توفيت مؤخراً، عضواً مؤسساً للمعهد الوطني للديمقراطية (NDI) في واشنطن العاصمة، وكانت المديرة العامة للمعهد الديمقراطي الوطني في القاهرة في العام 2011 هي السورية الأميركية ليلى جعفر.
وقد انغمس المعهد الديمقراطي الوطني في الانتخابات للترويج لمرسي كمرشّح، ولكن، إبان الانتخابات، وجدت المحكمة في مصر ليلى جعفر وأناساً آخرين مذنبين بتزوير الانتخابات واقتراف جرائم ضد الدولة المصرية، وحُكم عليها بالسجن 5 سنوات، ولكنها غادرت البلاد تحت حصانة دبلوماسية مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، بعد أن أمضت عدة أسابيع مختبئة في السفارة الأميركية في القاهرة.
يدَّعي بايدن أنه يدعم الديمقراطية، لكنه أيّد تزوير الأصوات والانتخابات في مصر للتأكّد من أنَّ مرشح أوباما، عضو الإخوان المسلمين، تم انتخابه، شاء من شاء وأبى من أبى.
وكشف حمد في فيديو حديث عن إنشاء غرفة عمليات عسكرية لإحداث "تغيير النظام" في سوريا، شاركت فيها كل من قطر والسعودية والولايات المتحدة وتركيا والأردن، وتم تقديم كل الدعم العسكري للإرهابيين الإسلاميين المتطرفين الذين استخدموا في الهجوم الأميركي - الناتو على سوريا من خلال هذه الغرف.
ترأست قطر المجموعة في الأشهر القليلة الأولى، لكن رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان تدخل وطالب بإدارة العملية، إذ كان مقرباً من عائلة بوش في الولايات المتحدة لعقود. وقد قال بندر للمجموعة إنَّه بحاجة إلى 2 تريليون دولار لإزالة الرئيس السوري الأسد، إلا أنّ قطر شعرت بأن السعر مرتفع. وهكذا بدأ اضطراب العلاقات بين السعودية وقطر.
وقد أجرى حمد بن جاسم مقابلة مع تشارلي روز في العام 2017، اعترف فيها بدور قطر في الهجوم على سوريا، وتحدث عن وجود غرفتي عمليات عسكريتين؛ الأولى في الأردن، والأخرى في تركيا، وكانت دول الخليج قد شاركت بأمر من حليفتها الولايات المتحدة.
ومؤخراً، قال حمد بن جاسم إنَّ الولايات المتحدة والغرب يستخدمون الخليج كخزينة للمهام القذرة ولمشاريع الولايات المتحدة؛ ففي العام 2017، أغلق ترامب مشروع وكالة المخابرات المركزية "تمبر سيكامور"، وهو غرفة العمليات العسكرية التي وصفها حمد بن جاسم آنفاً.
في العام 2017، فرضت مصر والسعودية والإمارات واليمن حصاراً على قطر لعزلها سياسياً واقتصادياً، وزعموا جميعاً أن قطر دعمت الإرهاب، نظراً إلى دعمها جماعة الإخوان المسلمين التي كانت قد حظيت بدعم كامل من إدارة أوباما الأميركية.
على الرغم من أن الولايات المتحدة لديها 10 آلاف جندي في قطر، وأن الأخيرة كانت حليفاً قوياً لها في حربها على أفغانستان والعراق واليمن، فإنَّ الولايات المتحدة لم تتدخَّل دبلوماسياً لكسر الحصار عنها. كانت قطر تحافظ على أمن القوات الأميركية الموجودة لديها، ورأى حمد أن قول الولايات المتحدة عن قطر إنها تدعم الإرهاب يشكل صدمة.
طردت قطر مؤخراً بعض القادة الإسلاميين، مشيرةً إلى إنهاء دعم الإخوان المسلمين الذين خسروا محاولتهم حكم مصر وسوريا، إذ لا تزال هذه الجماعة الإرهابية مزدهرة في تركيا مع حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس إردوغان.
وقد ناقش الكونغرس الأميركي ما إذا كان سيصنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، لكن الجدل تبدد، لأن الجماعة لديها مؤيدون مخلصون بين المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. لقد أثبت الإخوان المسلمون أنهم أداة فعالة للغاية في "تغيير النظم"، وواشنطن ليست مستعدة بعد لإغلاق الباب عليهم.