هل يغتال الإسرائيليون نتنياهو؟
ماذا وراء الأحاديث الكثيرة داخل الكيان عن اغتيال نتنياهو؟ وهل من مؤشرات واقعية لذلك؟
لا شك في أن ضربة "طوفان الأقصى" القاصمة للأمن الإسرائيلي أدّت إلى تعثّر أجندة رئيس الحكومة بالهيمنة والقضاء على المقاومة الماضية في الفتك بجنوده. وبعدها، تصاعدت التظاهرات والاحتجاجات اليومية التي تهاجم "الديكتاتور" وأفراد عائلته، مع حالة عامة من التحريض ضدهم، إضافةً إلى ارتفاع وتيرة الخلافات بين رئيس الحكومة نفسه والكثير من القيادات العسكرية والأمنية، وهذا ما دفع زوجته سارة إلى اتهام الجيش بمحاولة تنظيم انقلاب عسكري ضده مباشرة بعد نشر نجلها يائير نتنياهو (يعيش في ميامي الأميركية بتكلفة 275 ألف دولار سنوياً على حساب الدولة) في حساباته في الشبكات الاجتماعية منشورات اتّهم فيها قادة في الجيش بتنظيم انقلاب عسكري على والده.
الخوف في كل بيت
من الواضح أن الأمر ليس مشكلة تخص العائلة وحدها بقدر ما هو أزمة عامة تؤرق الكيان برمته، فثمة "نوع من الخوف يستبد بالإسرائيليين جميعاً"، بحسب قول المحاضِرة في كلية علم الاجتماع في الجامعة العبرية في القدس البروفيسور آفا إيلوز، لكنها رأت أن "نتنياهو يستغل هذا الخوف بخبث للبقاء في سدّة الحكم. وكلما اصطدمت سياسات حكومته بالواقع الديموغرافي والعسكري للفلسطينيين، يتضاعف عنده هذا الشعور، فيعمد إلى تعميمه لإدراكه أن من يزرع الخوف يهيمن على الحلبة السياسية"، كما نشرت صحيفة "هآرتس".
وقد وصل الأمر برئيس الحكومة نفسه إلى أن يظهر في مقابلة صحافية للمرة الأولى باللغة العبرية الأسبوع الماضي على "القناة 14" التي تعد بُوقاً لمعسكر اليمين المتطرف، ويقول إنه "بات قلِقاً على حياته وعلى حياة زوجته وأولاده".
على خلفية الانتقادات الواسعة لسياسات رئيس الحكومة، طالب محامي نتنياهو باعتقال ثلاثة من قادة الاحتجاجات، في طليعتهم "فيلوندا يابور". وفور ذيوع اسمه، سارع هذا الأخير إلى الإدلاء بما في دلوه، فقال: "الحكاية بسيطة، لدينا رئيس حكومة جبان وضعيف، يخاف من شعبه، ويخاف من نفسه، يُقنع نفسه بأنه ملاك، ولكنه يكتشف أنه شيطان، وزوجته سارة (...) تخاف من الجراثيم، تخاف من الإثيوبيين، تخاف من عائلات المخطوفين... هذه عائلة تعيش مرض الخوف والملاحقة".
"الخائن والظالم"
المحاضِرة الجامعية يولاندا يافور نشرت مقالاً وصفت فيه نتنياهو بـ"الخائن والظالم"؛ وهذا ما لم يفعله أحد من قبل (لقب الخائن أطلقته الحركة الصهيونية أساساً على أدولف هتلر). إثر ذلك، شوهد الجنرال في الاحتياط غاي تسور يرفع صوته أمام الجمهور صارخاً: "نتنياهو خائن". وهذه كلمة فظيعة في الأوساط الصهيونية تعني حمّام دم حقيقياً، بخاصة لدى إطلاقها في الساحات العامة أمام حشود مبتهجة، وعلى ألسنة الصحافيين والمثقفين والمحاضرين الأكاديميين ممن يقفون على المنصات وأمام الجمهور والكاميرات، ويصفق لهم جمهورهم بحماسة.
بعد يافور كرّت السُبحة. العقيد الطيار زئيف راز وصف نتنياهو بأنه "ابن الموت"، وقارنه بالزعيم الروماني المُطاح به نيقولاي تشاوشيسكو، الذي أعدم رمياً بالرصاص. رئيس الحكومة السابق إيهود باراك المعارض لسياسة رئيس الحكومة، حذر آل نتنياهو من أن "يوم القيامة سيكون مثل الذي عرفه لويس السادس عشر وماري أنطوانيت اللذان تم إعدامهما بالمقصلة". ووزير المالية بيتسلئيل سموتريتش تلقى رسالة جاء فيها: "قل لزوجتك أن تشتري فستانًا أسود للجنازة، نحن ثمانية رجال قادمون لإخراجك من الأرض، ستموت، يوماً ما سنقتلك ونحرقك أنت وعائلتك، وسنضع رصاصة في الرأس".
أمام "طوفان الكراهية" هذا، احتجت عضو مجلس الوزراء الإسرائيلي من الحزب الديني الوطني المتطرّف أوريت ستروك، متخوّفةً من أن يكون نتنياهو هدفاً لمحاولة اغتيال، واتهمت جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشين بيت) بعدم القيام بما يكفي لضمان سلامته، بحسب الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت (واي نت).
الأمثلة على كراهية الإسرائيليين لنتنياهو باتت عديدة، وأكثر من أن تُحصى، لكن من المدهش للغاية كيف لم يلفت أي منها انتباه مُعدّي نشرات الأخبار، ولم يتوقف أحد ليتساءل عما إذا كان المعارضون ذاهبين في مواقفهم أبعد من اللازم.
هل؟ وهل؟
هذا كله يكشف عن خطر حقيقي قد يكتنف رئيس الحكومة، مع إمكانية واقعية لتكرار سيناريو اغتيال سلفه الرئيس الحكومة الأسبق الراحل إسحاق رابين عام 1995، ولا سيما أن التظاهرات والصحف باتت تضجّ بتهديدات لا حدود لها تتجاوز بالفعل الخط الأحمر، وكلها تسير في اتجاه مفاده أن دم نتنياهو أصبح مستباحاً، وسط صمت مطبق من أقطاب الحلبة الحزبية يمكن تفسيره بالموافقة على هذه التهديدات.
والأنكى أن التحريض على رئيس الحكومة يأتي من النخب، كما من العامة، حتى إنّ أيالا ميتسغر التي اختطفت على يد حماس وجرى إطلاقها بموجب صفقة، ظهرت في تظاهرة أمام منزل عائلة نتنياهو، وأعلنت أمام الجمهور: "إذا لم يعد جميع المختطفين، فإننا ننتظره بحبل معلّق، لأن هذا ما يستحقه"، فهل نصدّق أن "هذا التحريض الجاري على قدم وساق لن ينتهي إلا بالعنف"، كما تقول الكاتبة السياسية رينانا راز؟ وهل من المنطقي أن نتجاهل ما عنوته صحيفة هآرتس منذ أيام أن "إسرائيل بيتٌ من ورق... محاصر وبدأ ينهار" أو علينا أن نأخذ بما قاله وزير العدل ياريف ليفين من أن ذلك كله مجرد صراخ في الفضاء وكتابة على الجدران أو يجدر الالتفات إلى قول معاريف إنّ إسرائيل لا تحتاج إلى احتفالات وانتصارات، بل إلى تصحيح مسار... والمعنى قلب صفحة نتنياهو؟