نتنياهو بين "طوفان الداخل" و"طوفان الأقصى"
بنيامين نتنياهو يراوغ من أجل بقائه من جهة، ومن أجل عدم تقديم أي انتصار إلى الديمقراطيين الأميركيين، الذين يخوضون معركة رئاسية شرسة في وجه الجمهوريين. هو يسعى لإهداء ما سيتحقق لدونالد ترامب، الذي يعده بهدية التطبيع مع الدول العربية.
"في المِشمِش"... أبسط وأشمل تعبير عبَر فيه الفلسطينيون رداً على كلام بنيامين نتنياهو، الذي "سيقاتل حماس حتى القضاء عليها". فمن سيُلغي من التاريخ الحاضر أم المستقبل؟ الفلسطيني، وهو الذي عاش التنكيل والترهيب والاحتلال والتهجير والشتات والاضطهاد والقمع، في طبيعته إنسان جهادي ينجح في الساحات والميادين والقتال من نقطة صفر بالمتاح وبالأجساد، بينما اليهود، في الكتب السماوية، لجأوا منذ أيام النبي موسى إلى الاغتيالات، فقتلوا الأنبياء واستخدموا الحيل، عبر كل أساليبها، فكانوا أقلية لا تقاتل ميدانياً. الإسرائيليون اليوم يمارسون "الطقوس" ذاتها بأدوات متطورة، عبر سلاح الجو والتصفيات الجسدية بالنار.
من هذه الوقائع والقواعد يدرك الجميع أن ما يقوله نتنياهو لا أفق له، فكيف يقضي على مجتمع كامل، وكيف سيُنجز مشروعه الخاص؟ والأهم، من سيثق بادعاءاته، وهو المسؤول المفترض، والذي لم يخرج ويعتذر أو يتحمل مسؤولية إخفاق "إسرائيل" في السابع من أكتوبر.
هذا التاريخ أثبت فشل المؤسسات الأمنية والاستخبارية والسياسية في تقدير الأمور. فالفشل الإسرائيلي جاء صادماً لكل من كان يرى في هذا الكيان المارد الأقوى الذي يمتلك مختلف الحصانات. وعلى رغم كل ذلك، فإن نتنياهو خرج "كاذباً" متأزّماً. هو لم يمتلك الحد الأدنى من الجرأة لتقديم أي فرصة إيجابية، في الأقل إلى أهالي الأسرى، الذين يقولون إنهم "لا يريدون الانتقام الدموي، بل صفقة من أجل الحياة"، بل خرج ليقدم استعراضاً وسردية معبر فيلادلفيا، ليقول لهم بصراحة: "من أنتم"؟ أنا الذي أقوم بحمايتكم".
اليوم بالذات، وصلنا إلى ذروة الصراع وأقساه. نتنياهو يتعنت في مسألة المفاوضات. وهو متأزّم ولديه دائماً أعذار لمواصلة الحرب، اختارها بتصميم معلّق على محور فيلادلفيا. واضح هو موقف حركة حماس بشأن موضوع الانسحاب الإسرائيلي من هذا المعبر، والواضح أكثر أن نتنياهو سيلعب لعبة النار في اللحظات الأخيرة التي ستفصله عن الانتخابات الرئاسية الأميركية. واستمرار الحرب يعني أنه يجرّ "إسرائيل" إلى مشهدين ونتيجتين، إما عودة الأسرى في توابيت وإما أحياء. وعاجلاً أو آجلاً، ستتوقف الحرب، ولن يقضي نتنياهو على حماس، ولا على الفصائل الفلسطينية. لن يقتل كل الفلسطينيين.
في المحصلة، يواجه نتنياهو شارعاً منتفضاً، يلاحظ تراجعاً خطيراً في قيمة تحمل المسؤولية، في المستويات السياسية والعسكرية والمدنية في "إسرائيل". الاستقالات بالجملة من المواقع العسكرية، وآخرها نية قائد سلاح البر في الجيش الاستقالة، وأبلغ رئيس الأركان بذلك "لدوافع شخصية". الانقسام القائم داخل تلك الأجهزة الأمنية، وفي المواقع السياسية، يشكل خطراً على شرعية بقاء نتنياهو إسرائيلياً، فهو يسير بلا استراتيجية. فتح أبواب الحرب في كل اتجاه، فهو ذهب الى غزة ولم يحسمها. قتل ما يزيد على 50 ألف فلسطيني، وذهب إلى الشمال وبقي عالقاً فيه، أمام مشهد تهجير الآلاف من المستوطنين، وهو لا يملك مفتاح الحل. واتجه نحو الضفة، فأصبحت في غضون 48 ساعة قنبلة متفجرة وهي آخذة في التمدد، وهو لن يخرج منها آمناً. هو يبحث فعلياً عن مزيد من الأزمات، الأمر الذي سيقوده إلى مواجهة مفاجآت لم يكن ينتظرها. سيفقد الحاضنة الشعبية قريباً في مقابل الحاضنة التي تزيد المقاومة الفلسطينية قوة.
من الواضح أن بنيامين نتنياهو يراوغ من أجل بقائه من جهة، ومن أجل عدم تقديم أي انتصار إلى الديمقراطيين الأميركيين، الذين يخوضون معركة رئاسية شرسة في وجه الجمهوريين. هو يسعى لإهداء ما سيتحقق لدونالد ترامب، الذي يعده بهدية التطبيع مع الدول العربية.
من اليوم إلى موعد تلك الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر أيام وليالٍ حالكة أمام رئيس الوزراء، الذي يصفه الكثيرون بـ"الأمير الإسرائيلي الداعشي"، فالكيان مقبل على متغيرات كبيرة قد تحدث من بيئته، وربما "طوفان الداخل" سيكون أقصى معنوياً عليه من "طوفان الأقصى". إنه سباق النجاة إلى حين فوز ترامب، فهل يضمن ذلك؟