من شرم الشيخ إلى النقب.. إعادة تعويم "المشاريع المتعثرة" والتحالف ضد إيران
مهما كان أمر الزيارات واللقاءات والمناقشات العربية – العربية، وعدد الحضور العربي في لقاء النقب وهويته، فالأمر لا يعدو أكثر من مشهد مؤلم مذل.
تشير التصريحات الإيرانية والأميركية إلى اقتراب التوقيع على الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، ما يؤكد الفشل الذريع لحكومة الكيان الإسرائيلي - حتى الآن - في محاولاتها لإيجاد "حلٍ جذري" ينسف الاتفاق برمته أو إبرامه كما تريد وتشتهي، لكنها لن تتوقف عن محاولاتها لإلحاق الضرر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، عبر تكثيف جهودها لاستغلال علاقاتها ومشاريعها القديمة – الجديدة مع بعض الدول العربية، وجمعها في إطار تحالفٍ صريح وواضح ومعادٍ لإيران.
من أجل ذلك، حرصت على تحسين علاقاتها مع القاهرة، وقام رئيس الوزراء نفتالي بينيت بزيارتها لعقد لقاء جديد مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد أيام قليلة من الاتفاق على زيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة بين مطار بن غوريون وشرم الشيخ.
وتعد هذه الزيارة الثانية لبينيت إلى مصر خلال الأشهر الستة الماضية، بعد زيارته الأولى في أيلول/سبتمبر 2021. وقد كانت من الأهمية باعتبارها أول زيارة يقوم بها مسؤول إسرائيلي رفيع منذ 10 سنوات، وعبرت عن دفء علاقاتهما، وخصوصاً أن بينيت فضل قضاء ليلته في شرم الشيخ، في إشارة إلى أهمية "الثقة" والتعاون الأمني بين القاهرة و"تل أبيب".
وباعتبار أنّ الاهتمام الأمني المشترك بينهما لا يمكنه استثناء الأمن في قطاع غزة، الأمر الذي سمح لهما بمناقشة الوضع المتفجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي ينذر بتصعيد جديد في ظل استمرار السياسات الإسرائيلية الاستفزازية واستمرار الحصار والمصادقة على بؤر استيطانية جديدة، فقد تم التأكيد خلال اللقاء على الجهود المصرية – الأردنية "لمنع تصعيدٍ جديد للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
كذلك، تمت مناقشة الملف الإيراني والأوضاع في سوريا تحت العنوان الأمني ذاته، بتأكيد المتحدث باسم مكتب الرئيس المصري، بأنهما "بحثا أهم القضايا الإقليمية والدولية، ووضع نظام عملٍ مشترك لحماية الأمن القومي، وتعزيز قدرات الدول العربية لمواجهة التهديدات الإقليمية المتزايدة".
يبدو أنّ لقاء شرم الشيخ كان ثنائياً، وتطور خلال وقتٍ قصير إلى إعلان المكتب الصحافي للرئيس المصري بأن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في طريقه إلى مصر، الأمر الذي يشير إلى موافقة أو رغبة لدى نفتالي بينيت بضمه إلى اللقاء ليصبح ثلاثياً، في إشارة واضحة إلى نية "إسرائيل" الحصول على دعم مصر وأبو ظبي لسياساتها الإقليمية، على الرغم من أن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات أزعجت الجانب الإسرائيلي، على الأقل في هذا التوقيت، فعودة العلاقات العربية مع سوريا ستفشل تماماً المخططات الإسرائيلية، في وقتٍ يفكر الإماراتيون في إحداث تغيير في المواقف الإسرائيلية تجاه سوريا والجولان المحتل ومزارع شبعا اللبنانية.
يبدو أن لقاء شرم الشيخ الثلاثي لم يكن مفتوحاً أمام وسائل الإعلام، واقتصرت التقارير على إعلان مناقشة القادة للعلاقات البينية على خلفية التطورات الأخيرة في العالم والمنطقة، وسبل تعزيز العلاقات على كل المستويات، وتداعيات التطورات العالمية، وخصوصاً ما يتعلق "بالطاقة واستقرار الأسواق والأمن الغذائي".
ومع ذلك، انطلق الإعلام الإسرائيلي ليتحدث عن أن جوهر محادثات شرم الشيخ تمحور إسرائيلياً حول سلوك إيران، ومعارضة سياساتها في المنطقة، وخطورة هجمات الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة الإيرانية التي تخرج من أراضيها ومن غير مكان (اليمن)، بما في ذلك الوضع الذي قد ينشأ بعد توقيع الاتفاق النووي في فيينا.
وأشارت تقارير إسرائيلية أخرى إلى أن أهم أسباب اللقاء يعود إلى اهتمام الإدارة الأميركية بإنشاء نظامٍ أمني إقليمي تدعمه جيوش الولايات المتحدة و"إسرائيل" وبعض الدول العربية. وبناء عليه، قامت مؤخراً بنقل "إسرائيل" إلى منطقة القيادة المركزية الأميركية، والتي تغطي الدول العربية، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة.
وخلصت هذه التقارير إلى القول إن هناك حاجة ماسة للتعاون الإسرائيلي مع هذه الدول العربية، والتي تفرضها أيضاً هجمات الطائرات من دون طيار الأخيرة على الإمارات والسعودية من قبل حلفاء إيران، أنصار الله، في اليمن، الذين يحتلون موقعهم في لائحة "الأعداء المشتركين".
وفي السياق ذاته، تحدث مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن اللقاء الثلاثي بأن رئيس الوزراء نفتالي بينيت قدم رؤيته لنظام دفاعٍ جوي إقليمي للشركاء العرب، بما في ذلك بطاريات دفاع جوي إسرائيلية ليزرية جديدة. وبذلك، تكون "إسرائيل" بصدد إجراء مناقشات حول إنشاء تحالفٍ عسكري جوي مشترك ضد إيران، وسط ترحيب وزارة الخارجية الأميركية بالقمة الثلاثية، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست".
ما لم تكشفه القمة الثلاثية، بات معلناً من خلال لقاء نفتالي بينيت وأنتوني بلينكن الأحد 27 مارس/آذار، إذ عبّر الأول عن أمله بأن تسمع واشنطن الأصوات القلقة في المنطقة بشأن حرس الثورة الإيراني، وأكد الآخر "ضرورة عدم امتلاك إيران السلاح النووي، سواء تم الاتفاق معها في فيينا أم لا"، وقال: "سنواصل العمل معاً، ومع شركائنا الآخرين، لمواجهة النشاط الإيراني المقوض للاستقرار في المنطقة، كما شهدنا مؤخراً في هجمات الحوثيين على البنى التحتية المدنية في الإمارات العربية المتحدة والسعودية، وهي أنشطة إرهابية مدعومة من إيران".
من خلال هذه الأجواء و"قمة العقبة" المشبوهة، يبدو واضحاً التفاف واشنطن و"تل أبيب"، وعودتهما إلى اتفاقات التطبيع، ودفع "صفقة القرن" نحو الأمام، وخديعة "السلام" مقابل الازدهار، مع فارق تغيير عراب الصفقة سابقاً الأميركي جاريد كوشنر وولي العهد السعودي، واستبدال الوزير بلينكن وقادة دول التطبيع العربي بهم.
ومن المثير للسخرية أن يعتبر العراب بلينكن أن لقاءات وزراء إسرائيليين مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية هي "خطوة مشجعة"، وأنه بحث مع الجانب الإسرائيلي كيفية جعل شهر رمضان المقبل هادئاً في القدس، لكم أن تتخيلوا العراب الأميركي يجوب أحياء القدس ويوزع الماء والطعام على الفلسطينيين الصائمين بعد الإفطار.
على الرغم من دبلوماسية الغباء التي يتحلى بها نفتالي بينيت، فقد حاول خلال المؤتمر الصحافي بعد لقائه بالوزير بلينكن أن يستخف بعقول مستمعيه، ويؤكد أن "تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع دول المنطقة، وتركيزها على تعزيز اتفاقيات أبراهام، ونقلها إلى المرحلة التالية، سيكون من خلال صب مضمون اقتصادي وثقافي وأمني فيها".
مهما كان أمر الزيارات واللقاءات والمناقشات العربية – العربية، وعدد الحضور العربي في لقاء النقب وهويته، فالأمر لا يعدو أكثر من مشهد مؤلم مذل، يبدو فيه الكيان الإسرائيلي كمن يجمع بيادق رقعته، ويختار لهم مربعاتهم وتكتيك تحركاتهم، من أجل فوز "الملك الصهيوني - الأميركي" بتصفية القضية الفلسطينية، ودفع عجلات المشاريع المتعثرة، بدءاً من مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، مروراً بـ"صفقة القرن"، واتفاقيات التطبيع، وتحديد إيران عدواً مشتركاً بشكل رسمي وعلني، والمضي قدماً لتشكيل تحالفٍ عسكري "ناتو عربي - إسرائيلي" بقواتٍ برية وقدراتٍ جوية، ومن خلفه مصانع السلاح الإسرائيلي - الأميركي، وصبغ التحالف بألوان اقتصادية وثقافية وأمنية صهيونية، تذوب فيها هوية دول التطبيع ومصالحها، وتستعمل موادها الأولية لإعادة رسم جغرافيا سياسيةٍ جديدةٍ في المنطقة، واستعراض وحدتها الدبلوماسية ضد إيران ودول محور المقاومة، تحت العناوين والأهداف المخططات الإسرائيلية القادمة، وعلى رأسها مشاريع النفط والغاز، ومرور أنابيبها بين فكي الكماشة التركي والإسرائيلي، على الرغم من غياب تركيا عن مشهد "العقبة".
بات من الواضح الاستعجال لبلورة الحراك الإقليمي الجديد، بغياب روسيا المنشغلة بالحدث الأوكراني، وقبل احتمال توقيع العودة إلى الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، وتأثير هذين الملفين في الإقليم والمنطقة والعالم.