من أوروبا الاستعمارية: لتخرج من فلسطين الحروب وصهاينتها

في عام 1099، قامت حركة دينية أوروبية تسمى "الصليبية" بفرض نفسها بالقدس في فلسطين، تحت مسمى إمبراطورية القدس اللاتينية؛ وفي عام 1948، قامت حركة أوروبية مستخدمة الدين اليهودي، وهي الصهيونية، وفرضت نظاماً استعمارياً في فلسطين، يسمى "إسرائيل".

  • شهيدان فلسطينيان لدى اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس ومحاصرة منزل صباح اليوم
    من أوروبا الاستعمارية: لتخرج من فلسطين الحروب وصهاينتها

شعوب عدة أوروبية وغير أوروبية احتلت فلسطين، وقد تم استعمارها من قبل حركتين أوروبيتين: الصليبية والصهيونية، وهاتان ليستا شعوباً.

استعمار فلسطين: الحركة الصليبية والصهيونية.

الثالوث التوحيدي، اليهودية والمسيحية والإسلامية هو إرث خلّفته السامية، أي ما هو اليوم العالم العربي؛ أصول هذا الثالوث لم تنحدر فقط من تنوع السلف العربي، فهو أيضاً في جوهره وجذوره وجذعه العقائدي واحد، كل مكوّن استمرار للآخر...

لم يكن يهودياً ولا مسيحياً ولا مسلماً من توسع في العلم، فما انتشر في العالم كان عقائد هؤلاء الدينية، ومن الضروري توضيح ذلك للأنانية النهمة الأوروبية التي تنكر الآخر، وبنكرانها للآخر تصبح جاهلة بالتعريف؛ فهي تؤسس تصورها العلمي وبطريقة هيكلية على إبادة تامة للمعرفة "Epistemicidio" (التدمير المبرمج لتراث مجموعة عرقية وعلومها، بهدف استيعابها ضمن الرؤية الشاملة الأوروبية للعالم)، وللقيام بهذا، لا تعتمد فقط على وسائل الإعلام الكبيرة، بل على الكهنوت الأكاديمي الفكري المتعالي من أجل تبرير الاستعمار الحالي.

اليوم، أوروبا علمانية بامتياز، لقد استغرق الأمر قروناً ودماء للوصول إلى هذه القناعة... لكن، رغم الوضوح والثقافة والنضج والحساسية العلمانية، تدعم أوروبا اليوم قيام دولة قومية للدين اليهودي، أوروبا غير قادرة على التمييز بين اليهودي والشعب، غير قادرة على التمييز بين عربي ومسلم؛ يُدهش الأوروبي عندما يقال له بأن هناك عرباً مسيحيين ويهوداً؛ حتى إن هناك ملحدين أوروبيين يرون اليهود كشعب، هناك آخرون من اليسار يرون هذا الاستعمار ("إسرائيل") استعماراً عرقياً، إن هذا الجهل مبرمج، يستند إلى الكلام الفصيح الذي يصب في خدمة تزوير التاريخ.

أكبر حملات الاضطهاد ضد المسيحيين حصلت في أوروبا المشركة، كذلك تلك التي تعرض لها اليهود كانت في أوروبا المشركة، وفي أوروبا التوحيدية.

كانت أوروبا تتباهى بتعدد الآلهة، والمسيحية، بصرف النظر عن كونها دخيلة، كانت بالقدر نفسه لا تمت بصلة لعلّة وجودها، ولهويتها الثقافية، ولكينونتها الأسطورية الدينية، كانت مواجهة حقيقية.

يغيب عن المستنيرين الأوروبيين والغربيين غير الكفوئين، أنه كانت هناك مذبحة نفذها أوروبيون ضد أوروبيين، أحدهم كان مشركاً، والآخر كان مسيحياً توحيدياً؛ هذا المسيحي لم يكن سامياً، لقد كان أوروبياً اعتنق عقيدة دينية مصدرها الحضارة السامية، ولم تتهم أوروبا حينها بأنها معادية للسامية بسبب مجازرها ضد المسيحيين الأوروبيين.

بعد ذلك، احتضنت أوروبا العقيدة المسيحية التوحيدية... لقد سقطت السماء... وأقول هذا لأنه أدهشني هذا التحول إلى المسيحية التي كرهوها كثيراً... 

أصبحت المسيحية الأنثروبولوجيا الدينية الأوروبية الجديدة، ورغم ذلك لم تعتبر أوروبا نفسها سامية، بل عززت انتماءها الأوروبي؛ ولكن فيما بعد نشأت حركة دينية في أوروبا "الصليبية". عام 1099، غزا الصليبيون فلسطين، وتحديداً القدس، وأسسوا إمبراطورية القدس اللاتينية، واحتلوا بيت لحم، الناصرة، عكا، الرملة، حلب ودمشق في سوريا، الإسكندرية في مصر، وغيرها... مدفوعين بشعور "استعادة أماكنهم المقدسة".

في عام 1099، قامت حركة دينية أوروبية تسمى "الصليبية" بفرض نفسها بالقدس في فلسطين، تحت مسمى إمبراطورية القدس اللاتينية؛ وفي عام 1948، قامت حركة أوروبية مستخدمة الدين اليهودي، وهي الصهيونية، وفرضت نظاماً استعمارياً في فلسطين، يسمى "إسرائيل".

كانت "الحركة الصليبية" إحساس الكينونة الأوروبية وبوصلتها؛ والصهيونية اليوم هي شعور وفخر أوروبيين؛ نعم، أنا أتحدث عن أوروبا نفسها المعادية لليهودية والمسيحية، والتي تعرِّف نخبتها عن نفسها اليوم بأنها الحضارة اليهودية -المسيحية.

إذا كان صحيحاً، أن "الحروب الصليبية" كانت لمنع توسع الإسلام، ومن أجل قتل اليهود، ولكنها كانت أيضاً في خدمة الاحتياجات الإمبريالية والاقتصادية: فقد أنشئت المراكز المصرفية، وتمت السيطرة على الطرق البحرية من موانئ البندقية، وجنوى، وبيزا؛ كان الدين العباءة التي تم التلطي بها في ذاك العصر؛ إنه كمن يتحدث عن الديمقراطية اليوم، التي هي العباءة العلمانية في عصرنا؛ وسواء كان دينياً أم علمانياً، فإن الضمور الإمبراطوري والاستعماري لا يتوقف.

كما أن عائلات بأكملها رافقت الحملات العسكرية لـ "الحركة الصليبية"، وكان يغمر هذه العائلات شعور ديني عميق، ورغبة من القلب "لاستعادة مقدساتهم"، وكانت الدعوة إلى حرب مقدسة توراتية، والموت فيها كان يعني بالنسبة لهم دخول الجنة السماوية، والمشاركة فيها كانت باعتقادهم كفيلة بغفران الذنوب كلها. 

في عام 1948، كان يغمر الصهاينة اليهود الأوروبيون الذين قدموا من أجل استعمار فلسطين، شعور ديني عميق ورغبة من القلب "للعودة إلى الأرض التي وعدهم بها الله، والعودة إلى أرض أجدادهم".

مثلما هزم عالم المشرق ظلامية الحركة الصليبية الأوروبية، المطلوب اليوم من العالم العربي-الفارسي-الكردي إطاحة جبروت الفاشية الاستعمارية الأوروبية الصهيونية لـ "إسرائيل".

من السادي والفاحش والمزيف القول بأنه باسم السلام يجب الاعتراف بما يسمى "إسرائيل"؛ الاستعمار نقيض للسلام، وعلى السكان الأصليين القيام بما يتوجب عليهم تاريخياً وهو محاربة المستعمر.

هناك مسؤولية أخلاقية وحقوقية صعبة يجب التطرق إليها، لها علاقة بما يسمى السكان الإسرائيليين، رغم أنهم ولدوا هناك، فإن تسميتهم بالإسرائيليين تعني منحهم صفة استعمارية، هم ولدوا على أرض فلسطينية تاريخياً، ولدوا في فلسطين؛ ويمكن لأي مواطن في العالم، إذا رغب في ذلك، التقدم بطلب للحصول على الجنسية الفلسطينية؛ وكما حصل مع والديّ الفلسطينيين اللذين فرا إلى فنزويلا، وتقدما فيما بعد بطلب للحصول على الجنسية الفنزويلية.

الفاشية الصهيونية الدولية هي أعظم قوة في العالم؛ دعونا نتخلى عن الجبن الخلاق، ولنتحمل تحدي عصرنا التاريخي، ونعمل على إلغاء نظام "إسرائيل" الاستعماري.

من الإهمال والاسترخاء الغربي، "السلام" هو راية الخداع؛ حذار من إحياء ما هو مزيف، وحذار من الأفيون الفكري الذي يخدم عملية تجميل الفاشية الصهيونية.  لدينا موعد مع التاريخ ودين للبشرية؛ تحرير فلسطين هو تحرير للعالم؛ دعونا نتخلى عن الحماقة والفساد والطفولية الفكرية. الشعوب في عصر الظلامية ثارت على الاستعمار، ولا يمكن أن نقبل اليوم في زمننا التاريخي المعاصر المفارقة الاستعمارية المسماة "إسرائيل".