محور المقاومة يعطل الاستراتيجية الأميركية على المستويين الإقليمي والدولي
محور المقاومة نجح في تعطيل مسار التطبيع، وإيقاف التوجه نحو تصفية القضية الفلسطينية، كما كشفت عملية "طوفان الأقصى" لأنظمة التطبيع سقوط أكذوبة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُهزم، وأن هذا الكيان لا يُمكن أن يكون حليفاً يُعتمد عليه.
ظل النظام الدولي أحاديّ القطبية تقوده الولايات المتحدة منذ أن تفكك الاتحاد السوفياتي، بدءاً بسقوط نظام تشاوشسكو في رومانيا عام 1989 وحتى عام 2020، إذ بدأت الصين وروسيا كقوى عُظمى بالتوجه لإعادة تشكيل النظام الدولي وإنهاء الهيمنة الأميركية وقيام نظام متعدد الأقطاب.
لذا، السنوات العشر المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى مستقبل الولايات المتحدة كقوة عُظمى تقود النظام الدولي، وهذا ما يؤكده الرئيس الأميركي جو بايدن بقوله: "إن الإستراتيجية الأميركية تُحدد كيف ستقتنص إدارته الفرصة التي يتيحها هذا العقد الحاسم لتعزيز المصالح الحيوية لأميركا وتمكينها من التفوق على منافسَيها الجيوسياسيَّين؛ الصين وروسيا".
في إطار تنفيذها استراتيجيتها لاحتواء الصين، ارتكبت الولايات المتحدة خطأ غير محسوب من خلال إعلان حلف الناتو التوجه نحو ضم أوكرانيا إلى عضوية الحلف، في وقت لم تعد روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتن ضعيفة كما كانت إبّان تفكك الاتحاد السوفياتي الذي سمح للناتو بالتوسع شرقاً، وضم العديد من الدول الاشتراكية إلى عضويته. بهذا الخطأ، تكون الولايات المتحدة قد خسرت فرصة إمكانية التحالف مع روسيا في مواجهة الصين، ودفعت روسيا والصين إلى الدخول في تحالف قوي لمواجهتها.
تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم حرباً غير مباشرة مع روسيا في أوكرانيا، ليس دفاعاً عن نظام كييف أو حقوق الإنسان والديمقراطية، بل من أجل الحفاظ على البنية الأحادية للنظام الدولي الحالي بقيادتها، فهزيمة روسيا تعني تعزيز حضور حلف الناتو وكسب زخم كبير في عملية الانفراد الأميركي-الغربي بالصين كتهديد رئيس، وهذا ما يُفسر النجاح الروسي-الصيني حتى الآن في مواجهة التهديدات الأميركية من خلال رفع مستوى التحالف والتعاون، وهو الأعلى في تاريخ البلدين، والذي يهدف إلى تعزيز الحضور الدولي لكليهما كقوى عُظمى تسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي.
على صعيد الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد نظام إقليمي مناسب لها، بهدف استمرار نفوذها في المنطقة، والحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي ودمجه في المنطقة.
وتنفيذاً لاستراتيجيتها، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز الشراكة مع الدول المؤيدة للسياسات الأميركية، ودعم استقرار إمدادات الطاقة، وعدم السماح لأي قوة بتهديد حرية الملاحة البحرية في المنطقة، بما في ذلك مضيق هرمز ومضيق باب المندب.
قطعت واشنطن شوطاً في مسار دمج الكيان الإسرائيلي في المنطقة، وانتقاله من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة التطبيع، من خلال ما يُسمى باتفاقيات "أبراهام" للتطبيع المجاني. ولا شك في أن استمرار عملية التطبيع تشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية، وتؤدي إلى إمكانية تصفيتها والانتقال إلى مرحلة تشكيل تحالف عسكري في المنطقة بقيادة الكيان الإسرائيلي يستهدف محور المقاومة وإيران بدرجة رئيسية.
أمّا الأهداف الإستراتيجية الأميركية، فتتصادم مع الأهداف الرئيسية لمحور المقاومة التي يتقدمها تبني القضية الفلسطينية كقضية مركزية عربياً وإسلامياً، إضافة إلى إنهاء الهيمنة الأميركية على المنطقة، وبالتالي فهناك مؤشرات على احتدام وتيرة الصراع بين الإدارة الأميركية وإرادة محور المقاومة.
عملية "طوفان الأقصى": نقطة تحول تاريخي على المستويين الإقليمي والدولي
لا شك في أن عملية "طوفان الأقصى" تمثل تحولاً مهمّاً على المستويين الإقليمي الدولي، وتعطي دفعة قوية للتعجيل في إعادة تشكيل النظام الدولي الجديد وإنهاء القطبية الأحادية؛ فعلى المستوى الدولي قادت العملية الولايات المتحدة نحو تكريس جهودها السياسية والعسكرية لدعم حليفها الإسرائيلي، ما شتت التركيز الأميركي وعطل توجهاته الإستراتيجية المتمثله باحتواء الصين واستمرار استنزاف روسيا في عملياتها العسكرية داخل أوكرانيا التي بدأ التخلي الأميركي عنها، إذ وصلت درجة الإحباط لدى رئيسها فولوديمير زيلينسكي إلى أن يظهر في خطاب بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري يتسول الدعم الأميركي الأوروبي قائلاً: "إذا كنتم لا تستطيعون دعمنا مالياً، من فضلكم أعطونا قروضاً.."، الأمر الذي يُرجح تغير موازين القوى لمصلحة روسيا وحسمها المعركة مع أوكرانيا .
وتمثل التطورات في غزة فرصة سانحة توظفها الصين وروسيا سياسياً وإعلامياً لتعرية الموقف الأميركي المتطرف في دعمه الكيان الإسرائيلي الذي يرتكب أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني العزيز، وتحميل الولايات المتحدة مسؤولية المأساة الإنسانية في غزة، نظراً إلى إفشالها صدور قرار من مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار، كما تحمّل الصين وروسيا الولايات المتحدة مسؤولية الفشل السياسي والدبلوماسي في تعاطيها مع القضية الفلسطينية بسبب انحيازها الكامل إلى "إسرائيل"، وإنكارها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. إضافة إلى ذلك، فقد تسبب التغير في مواقف العديد من الدول التي كانت داعمة للموقف الأميركي بعزلة دولية لواشنطن وموقفها الخارج عن الإجماع الدولي .
تجلى عدم وجود إرادة أميركية لخوض حرب إقليمية ضد محور المقاومة؛ من خلال حرص واشنطن منذ اليوم الأول لـ"طوفان الأقصى" على تجنب توسيع رقعة المعركة، والانزلاق في حرب إقليمية، إذ بادر كبار المسؤولين الأميركيين إلى نفي صلة إيران بالمعركة، وعدم وجود أدلة لدى واشنطن تثبت دعم طهران العسكري للعملية العسكرية الكُبرى التي نفذتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، رغم أن العالم أجمع يعلم بدعم إيران للقضية الفلسطينية والمقاومة سياسياً وعسكرياً.
كما بدت الولايات المتحدة في حالة من الإنكار للمتغيرات الدولية، من خلال محاولة الظهور بمظهر القوي، وإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارته "تل أبيب" عن الدعم السياسي والعسكري اللامحدود لـ"إسرائيل"، وتبريره جرائمها بحق أبناء غزة، بذريعة حق الدفاع عن النفس، كما حذر من أي تدخل إقليمي لدعم حماس، وقامت واشنطن بنشر أساطيلها العسكرية في المنطقة، بما في ذلك الغواصة النووية "أوهايو"، في مناورة مكشوفة وفاشلة حملت رسائل تهديد و ردع مواجهة لمحور المقاومة.
كان رد محور المقاومة على التهديدات الأميركية بدخوله الحرب بعد تجاوز الكيان الإسرائيلي الخطوط الحمر، وارتكابه أبشع جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة، إذ أعلنت صنعاء دخولها الحرب، وشنت قواتها 6 عمليات عسكرية بالصواريخ البالستية والطيران المسير استهدفت مناطق عسكرية وحيوية في عمق كيان العدو الإسرائيلي، كما أسقطت إحدى أحدث الطائرات الأميركية التجسسية والقتالية من طراز "MQ9".
وفي إطار قواعد الاشتباك، رفع حزب الله من وتيرة ونوعية ومدى الضربات العسكرية للكيان الإسرائيلي المحتل على الحدود مع لبنان، وشنت المقاومة العراقية أكثر من 40 هجوماً استهدفت القواعد العسكرية في العراق وسوريا، ولا يزال لدى محور المقاومة العديد من الخيارات العسكرية التي يمكن تنفيذها، ولا سيّما بحراً وجواً.
ختاماً، يُمكن القول إن محور المقاومة نجح في تعطيل مسار التطبيع، وإيقاف التوجه نحو تصفية القضية الفلسطينية، كما كشفت عملية "طوفان الأقصى" لأنظمة التطبيع سقوط أكذوبة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُهزم، وأن هذا الكيان لا يُمكن أن يكون حليفاً يُعتمد عليه.
من جانب آخر، أثبت محور المقاومة تماسكه وإستراتيجية عمله القائمة على الإدارة الجماعية والمرتكزة على مفهوم الأمن الجماعي للمحور والمنطقة، وتمكن المحور من فرض قواعد اشتباك جديدة مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، وأصبح يُمثل آمال الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها.