ما تُخفيه البروباغندا الأميركية في الأزمة في أوكرانيا
في عام 2009، بعد أن أصبح بايدن نائباً للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، كان مسؤولاً عن السياسة الأميركية بشأن أوكرانيا.
تتباين مصادر المعلومات في تقييم بداية الأحداث في أوكرانيا. تروّج معظم المصادر الغربية أن الأزمة بدأت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، عندما أظهرت صور الأقمار الصناعية حشداً جديداً للقوات الروسية عند الحدود مع أوكرانيا. أمّا المصادر الروسية فلا تتحدّث عن بداية معيّنة للأزمة، وتروّج أن تغاضي الغرب عن مطالب روسيا الأمنية منذ سنوات كان المحفّز الأساسي للتصعيد. وهنا يبقى السؤال: ما هي الشرارة التي أشعلت فتيل الصراع في أوروبا؟
في آذار/مارس 2021، أعلنت الولايات المتّحدة بداية تمارين "المدافع الأوروبي" (Defender Europe) العسكرية، والتي تضم 26 دولة من حلف الناتو والجيوش الحليفة، وشاركت فيها أوكرانيا للمرّة الأولى. ذكرت بيانات التمارين أن أحد أهدافها هو "تعزيز قدرة الدول المشاركة على العمل كشركاء أمنيّين استراتيجيين في مناطق غربي البلقان والبحر الأسود، مع المحافظة على قدراتهم في شمالي أوروبا والقوقاز وأوكرانيا وأفريقيا".
في نيسان/أبريل 2021، أعلنت تركيا أنّ واشنطن تخطّط لإرسال سفينتين حربيتين إلى البحر الأسود عبر مضيق البوسفور. كما شهد شهر نيسان/أبريل تعزيزاً غير مسبوق للقوات والأسلحة التابعة للناتو في أوروبا. ففي الـ13 من هذا الشهر اعترضت موسكو على نقل القوات الأميركية من "أميركا الشمالية عبر المحيط الأطلسي إلى أوروبا"، بعد يوم من قرار واشنطن إرسالَ 500 جندي إضافي إلى ألمانيا. حينها اتّهمت روسيا الولايات المتحدة والناتو بتحويل أوكرانيا إلى "برميل بارود"، بحيث قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ينقلان قوات إلى حدود الجزء الأوروبي من الاتحاد الروسي، ويخطّطان لنشر 40 ألف عسكري و15 ألف قطعة من الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الطيران الاستراتيجي.
في هذا الشهر، بدأت تظهر الاتهامات الغربية بشأن تركيز موسكو "غير المبرّر" لقوّاتها على طول الحدود مع أوكرانيا. هنا، من المهم الإشارة إلى أن ما يقارب 87000 جندي روسي، كانوا متمركزين عند الحدود منذ عام 2014، بموجب القرارات التي اتخذتها روسيا لإنشاء بنية تحتية عسكرية دائمة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم.
في حزيران/يونيو 2021، قال زيلينسكي، في تغريدة له في "تويتر"، إن الناتو وافق على انضمام أوكرانيا إلى الحلف. بعد هذا التصريح قال الأمين العام للناتو إن عملية انضمام أوكرانيا إلى الحلف "ما زالت في حاجة إلى وقت". وعند سؤال الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن الموضوع، رفض الرئيس الأميركي الإجابة عن السؤال، تاركاً الأمور غير واضحة بشأن القرار المتَّخَذ بهذا الشأن.
وفي الـ1 من أيلول/سبتمبر 2021 استقبل بايدن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، ووعده بتقديم "دعم أميركي ضد أي عدوان روسي". كما بدأت روسيا وبيلاروسيا، في الـ10 من أيلول/سبتمبر، تدريبات Zapad-2021، وهي مناورة عسكرية مشتركة واسعة النطاق تجري كل أربع سنوات، ووفقاً لوزارة الدفاع الروسية "شارك فيها هذا العام 200 ألف جندي روسي، بالإضافة إلى دبابات ومعدات مدرعة أخرى". وبعد انتهاء التمرين، انتشرت أعداد كبيرة من القوات الروسية في المناطق الحدودية لشمالي أوكرانيا وشرقيّها، وكذلك في شبه جزيرة القرم.
في تشرين الأول/أكتوبر 2021 أعلن الناتو نيّته إرسال مزيد من القوات والصواريخ والطائرات إلى أوروبا، والعمل على "تحسين جاهزية الرادع النووي وفعاليته"، وصولاً إلى إعلان واشنطن في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أن صور الأقمار الصناعية أظهرت حشداً جديداً للقوات الروسية عند الحدود مع أوكرانيا، وصرّحت كييف بأن موسكو حشدت 100000 جندي إلى جانب الدبابات والمعدّات العسكرية الأخرى.
وفي الـ 7 من كانون الأول/ديسمبر، حذّر بايدن روسيا من عقوبات اقتصادية غربية كاسحة إذا غزت أوكرانيا. بعدها أرسلت روسيا مطالب أمنية مفصّلة إلى حلف الناتو في الـ17 من الشهر نفسه. تضمّنت مسودّة الاتفاقية، التي أرسلتها روسيا إلى حلف الناتو، بنوداً بشأن فرض حظر على دخول أوكرانيا للناتو، ووضع حد لنشر القوات والأسلحة في الجناح الشرقي للناتو، الأمر الذي يؤدّي في الواقع إلى إعادة قوات الناتو إلى حيث كانت تتمركز في عام 1997، قبل التوسع شرقاً، وعدم دخول الجانبين في تحالفات على حساب أمن الأطراف الأخرى.
في الـ3 من كانون الثاني/يناير 2022، طمأن بايدن زيلينسكي إلى أن الولايات المتحدة "سترد بشكل حاسم" إذا غزت روسيا أوكرانيا. وفي الـ10 من كانون الثاني/يناير، اجتمع مسؤولون أميركيون وروس في جنيف من أجل إجراء محادثات دبلوماسية، كرّرت موسكو تأكيد مطالبها الأمنية، إلاّ أنّ واشنطن رفضت قبولها.
وفي الـ24 من كانون الثاني/يناير، وضع الناتو قواته في حالة تأهب، وعزّز وجوده العسكري في أوروبا الشرقية بمزيد من السفن والطائرات المقاتلة، ووضعت الولايات المتحدة 8500 جندي في شرقي أوروبا في حالة تأهب. وفي الـ26 من كانون الثاني/يناير، أرسلت واشنطن رداً مكتوباً على المطالب الأمنية لروسيا.
تضمّن الرد الأميركي قبول الولايات المتحدة مناقشة النقاط التالية: نشر أنظمة الصواريخ الأرضية والقوات النظامية في أوكرانيا، وتقليل المخاطر النووية، ونشر صواريخ كروز في رومانيا وبولندا، ونشر القوات المسلحة في أوروبا، ومبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة. إلاّ أنّ الرد الأمني ذكر أن الولايات المتحدة لن تتخلّى عن سياسة "الباب المفتوح" التي يتبعها الناتو. علّق الرئيس الروسي على الرد الأميركي قائلاً إن المطالب الأمنية الرئيسة لروسيا لم تتمَّ تلبيتها، لكن موسكو مستعدة لمواصلة المحادثات. ومع تزايد التهويل الغربي بشأن الغزو الروسي، طالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي الغرب بتجنّب إثارة "الذعر"، التي تؤثّر سلباً في اقتصاد بلاده.
بالإضافة إلى ذلك، شهد شهر كانون الثاني/يناير 2022 وصول الشحنتَين الأولى والثانية من حزمة الدعم الأمني الأميركية، والبالغة 200 مليون دولار، إلى أوكرانيا، والتي تضمّنت 170 طناً من المساعدات العسكرية. وأعلنت كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وهي دول البلطيق، أنها ستقدّم صواريخ مضادة للدروع والطائرات إلى أوكرانيا. وبتاريخ الـ17 من كانون الثاني/يناير أعلن وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أن بريطانيا ستزوّد أوكرانيا بـ "أنظمة أسلحة دفاعية جديدة".
وفي شباط/فبراير أمر البنتاغون بإرسال 3000 جندي أميركي إضافي إلى بولندا. في الـ18 من شباط/فبراير، أعلن الجيش الروسي أنه سيجري تدريبات على قواته النووية الاستراتيجية. استخدمت روسيا في هذه المناورة صواريخ نووية عابرة للقارات. كما أعلنت كندا، في هذا الشهر، حزمة قروض بقيمة 500 مليون دولار لأوكرانيا، إلى جانب 7.8 ملايين دولار مساعدات من الأسلحة الفتّاكة. تزامن هذا الإعلان مع استمرار تدفّق المساعدات العسكرية والمالية الغربية إلى أوكرانيا.
من المهم هنا المرور على خلفيّة الرئيس الأميركي بسبب ما لها من تأثير في مجريات الأحداث. يعود اهتمام بايدن بشرقي أوروبا إلى ولايته الأولى في مجلس الشيوخ في السبعينيات، بحيث قام بعدّة زيارات للمنطقة. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، وجّه الانتباه إلى دول الاتحاد السوفياتي السابق، بما في ذلك أوكرانيا، بحجة أنه يُسمح لها بالانضمام إلى الناتو ومنحها الدعم المطلوب، اقتصادياً وعسكرياً.
وفي عام 2009، بعد أن أصبح بايدن نائباً للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، كان مسؤولاً عن السياسة الأميركية بشأن أوكرانيا. وفي كلمة له في عام 2017، قال بايدن: "أوكرانيا تحارب سرطان الفساد، الذي يستمر في تقويض الديمقراطية داخل أوكرانيا، والعدوان المستمر من جانب الكرملين".
حتى في حملته الانتخابية، تعدّدت مواقفه الداعمة لأوكرانيا، والمندّدة بالمواقف "العدوانية" لروسيا. كما أنه وعد بجعل أوكرانيا أحد العناصر الرئيسة في سياسته الخارجية، وأشار إلى استعداده لزيادة المساعدات في مجال الأسلحة الدفاعية. وفي تشرين الأول/أكتوبر من عام 2020، قال بايدن "أعتقد أن أكبر تهديد لأميركا الآن، فيما يتعلق بتفكيك أمننا وتحالفاتنا، هو روسيا".
وبعد دخول بايدن البيت الأبيض، تزايدت التصريحات الداعمة لأوكرانيا. فهو الرئيس الأكثر دعماً لأوكرانيا في التاريخ، بحيث وافقت أميركا، في عام 2021، على تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 650 مليون دولار، منها 450 مليوناً مع نهاية العام. من المهم هنا الإشارة إلى أنه، قبل وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وصلت أعلى قيمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا إلى 427.92 مليون دولار عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، عمدت الإدارة الأميركية الجديدة إلى توحيد الموقف الغربي في وجه روسيا، وترويج فكرة مفادها أن روسيا هي "التهديد" الأساسي للأوروبيين.
بناءً عليه، يمكن الاستنتاج أن توقيت التصعيد الروسي الذي أدّى إلى اعتراف موسكو باستقلال جمهوريّتَي دونيتسك ولوغانسك، وإلى بدئها الأعمال العسكرية في الـ24 من شباط/فبراير، هو نتيجة الخطوات الاستفزازية الهادفة إلى توحيد أوروبا والناتو خلف الولايات المتحدة على نحو يحدّ التعاون مع روسيا، ولاحقاً الصين، من دون نيّة المواجهة، وخصوصاً أن تاريخ الرئيس الأميركي حافل بالمواقف الهادفة إلى ضم أوكرانيا إلى المحور الغربي. هذا ما دفع الرئيس الروسي بوتين إلى اتخاذ قرار التصعيد من أجل رسم الخط الأحمر بالنسبة إلى الكرملين بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو ونشر الأسلحة الغربية في الجوار القريب لروسيا، وخصوصاً أنّ واشنطن انسحبت من معاهدة الصواريخ النووية المتوسّطة المدى عام 2019.
ولم تنتهِ الأمور هنا، بل من الواضح أن بوتين وجد أن من الضروري عدم حصر الموضوع في أوكرانيا فقط، بل هو حالياً يسعى لإعادة تنظيم المجال الأمني الأوروبي. وعلى عكس ما روّجته وسائل الإعلام الغربية، التي دفعت كامل أدواتها لتروّج أن روسيا هي سبب الأزمة، يُظهر تتبّع مسار الأحداث أن موقف موسكو هو ردّة فعل على استفزازات إدارة بايدن، التي أرادت تحشيد حلفائها من أجل احتواء روسيا.