لماذا تدعم الدول الغربية "إسرائيل" (حقائق تاريخية)
العلاقة بين الإمبريالية، وخصوصاً الأميركية، و"إسرائيل"، لا يمكن توصيفها بالجيدة أو السيئة أو المتذبذبة، انطلاقاً من أن "إسرائيل" تُعَدّ ولاية من ولايات الولايات المتحدة الأميركية.
منذ بداية العدوان الصهيوني على الفلسطينيين في قطاع غزة، لم تنقطع رسائل المساندة والتأييد لهذا العدوان، ولم يبقَ هذا التأييد محض كلام فقط، وإنما تعدى ذلك وصولاً إلى المساعدة العسكرية، فاشتركت القوى الضاربة لأكثر دول العالم قوة لضرب قطاع غزة.
وعلى الرغم من تناقض ما يجري مع مبادئ الإنسانية الأولى المتمثلة بالحياة والمأكل والمشرب، فإن هذا الدعم بقي وازداد في كل يوم يمر في هذه الحرب سخاءً. ومن هنا فإن السؤال الذي يطرح: لماذا تدعم هذه الدول "إسرائيل"؟
"إسرائيل" (توصيف الكيان):
بدأت "إسرائيل" كمشروع صهيوني أساسي للإمبريالية، كقاعدة رئيسة لبسط هيمنتها على المنطقة العربية وحماية مصالحها الأساسية فيها، ثم لكبح نهوض حركة التحرر الوطني العربية، وتعويق تطوير كل بلد عربي على حدة. لكن هذه المهمة لم تكن لتنفي أطماع "إسرائيل" نفسها في السيطرة على المنطقة العربية.
وواتتها الفرصة في حرب حزيران/يونيو، التي خرجت منها "إسرائيل" وقد احتلت كامل أرض فلسطين، ومرتفعات الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء المصرية. عندئذ، مارست "إسرائيل" حلمها الصهيوني في التوسع وراء فلسطين. وفيما بعد حرب أكتوبر أخذت "إسرائيل" تتهيأ للقيام بدور جديد داخل المنطقة.
لم تعد تقتصر على كونها قاعدة ـ بالوكالة ـ للاحتكارات الدولية ولتوسع رأس المال الصهيوني وامتدادها المتمثل بالشركات المتعددة الجنسيات، بل صارت تعبر عن حاجات تطور الاقتصاد الإسرائيلي نفسه، بصعوباته الموضوعية والذاتية وتطلعه إلى التوسع ـ بالأصالة ـ داخل المنطقة العربية. فإن نمو الصناعة الإسرائيلية صار يتطلع إلى تحطيم حواجز العزلة والانطلاق إلى أسواق تشكل له مجالاً طبيعياً، وهي في الدرجة الأولى الأسواق العربية. وتجسد هذا التطور أخيراً في أطماع "إسرائيل" في السيطرة الاقتصادية على المنطقة العربية، وطموح رأسمالها إلى المشاركة المباشرة في نهب الثروات العربية عن طريق الحصول على نصيبها هي الأخرى من الأموال العربية والنفط العربي.
وإزاء هذه الاعتبارات الملحة، عمدت "إسرائيل" إلى طرح شعارات السلام وفقاً لشروطها، آملة عبر ذلك أن تحقق، بأسلوب الاستعمار الجديد، ما لم يتحقق لها بعدُ بأساليب الاستعمار القديم
وبهذا، أقيم في الأرض العربية، "فلسطين"، مشروع، هو كأي مشروع رأسمالي يحتمل الربح والخسارة، لكنه ظل يحقق جدواه الاقتصادية للدول الإمبريالية حتى الآن. وإذا كان لا بد في النهاية من أن تزول بصفتها جزءاً من الظاهرة الإمبريالية، فإن علينا، في الوقت نفسه، أن نميز بوضوح داخل "إسرائيل" بين الظاهرة الإمبريالية والظاهرة الصهيونية. فالإمبريالية يمكن وصفها، بصفة عامة، بأنها حركة الرأسماليين المستعمرين في العالم، أما الصهيونية فهي، على وجه التحديد، حركة المستوطنين اليهود في المنطقة العربية.
يقول سيمحافالابن في كتاب له، عنوانه "الصهيونية والفلسطينيون"، صادر في لندن عام 1979، إن الفكر السياسي الإسرائيلي تشكّل خلال المرحلة السابقة على قيام "إسرائيل" نفسها. وفي عملية بلورة هذا الفكر صيغت عقيدة من عدة مفاهيم أساسية، هي:
1- البناء التدريجي لتنظيمات اقتصادية وعسكرية كأساس لإنجاز الأهداف السياسية.
2- التحالف مع قوة عظمى من خارج منطقة الشرق الأوسط.
3- عدم الاعتراف بوجود كيان قومي للفلسطينيين.
4- التمييز، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، كضرورة لنهضة الحية القومية اليهودية.
5-السلام من خلال القوة.
وبهذا، فإن تصنيفنا في الماضي للشكل والجوهر لـ"إسرائيل" على أنها إمّا قوة محركة للاستعمار العالمي في المنطقة العربية، وإما مجرد أداة من أدواته، ليس دقيقاً بالمطلق، على أساس أنه لا يمكن اعتبار النظرة الأولى أن تكون صحيحة، والنظرية الثانية غير صحيحة بالكامل. وإذا كانت "إسرائيل" احتفظت لدينا لمدة طويلة بصورة أنها ربيبة الاستعمار المدللة، فإنها تحولت، في نجاحها في أداء دورها، إلى قوة استعمارية صغيرة، وخصوصاً عندما تضيف الآن إلى أساليب التوسع الإقليمي أساليب الاستعمار الجديد في السيطرة الاقتصادية داخل المنطقة العربية.
فلسطين في قلب المشروع الإمبريالي
بدأ اهتمام الأنظمة الكولونيالية والإمبريالية بفلسطين في مرحلة سيادة المزاحمة الحرة والمنافسة التجارية بين البلدان الرأسمالية الصناعية الكولونيالية حتى قبل أواسط القرن التاسع عشر. كان الدافع الأساس إلى ذلك أهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي لفلسطين بالنسبة إلى التجارة الدولية الكولونيالية، والتي كانت تُعَدّ أهم فرع اقتصادي في مجال المنافسة الكولونيالية في مرحلة المزاحمة الحرة، والصراع الكولونيالي لتأمين الأسواق الخارجية.
ففلسطين تقع في وسط الشرق العربي، وتُعَدّ أقصر طريق بري بين الدول الرأسمالية الكولونيالية في أوروبا، وخصوصاً بريطانيا ومستعمراتها في الشرق الأقصى: الهند وغيرها.
في هذه المرحلة كانت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تعاني الضعف والتخلف الاقتصادي والتأخر بالمقارنة مع الدول الرأسمالية المتطورة صناعياً. لهذا، حاولت الدول الإمبريالية، خلال مرحلة المزاحمة الحرة، التسرب إلى الإمبراطورية العثمانية، وخصوصاً أقسامها في الشرق الأدنى والتمهيد لاقتسام تركتها في هذه المنطقة المهمة. واتخذت هذه المحاولات عدة أشكال، منها: محاولة الأنظمة الإمبريالية التقرب إلى السلطنة العثمانية بهدف الحصول على الامتيازات، مثل تأمين الطرق التجارية والسماح للقوافل التجارية الرأسمالية بالعبور والمرور عبر الأراضي الفلسطينية والسورية (في تلك المرحلة كانت أقاليم فلسطين ولبنان وشرقي الاردن وسوريا تؤلف سوريا الطبيعية).
وتشير الحقائق إلى أنه "بين عامي 1839 و1854"، ومع ازدياد الاهتمام بفلسطين، أقامت الدول الأوروبية العظمى قنصليات لها في مدينة القدس، وحاولت الدول الإمبريالية تبني الطوائف المتعددة في فلسطين والتظاهر بالدفاع عن مصالحها كقناع تخفي وراءه نياتها الحقيقية في احتكار مركز النفوذ في فلسطين وخلق قاعدة مادية تستند إليها. ولعل أبرز ما يكشف النيات الإمبريالية من وراء التستر خلف شعار الدفاع عن مصالح الطوائف هو موقف الإمبريالية البريطانية تجاه الطائفة اليهودية ومحاولاتها جعلها ركيزتها الأساسية لبسط نفوذها الاستعماري.
في بداية الأربعينيات (من القرن التاسع عشر) نادى عدد من الساسة الإمبرياليين البريطانيين باستيطان اليهود في فلسطين كضمانة للدفاع عن مصالح الإمبريالية البريطانية التجارية، وتأمين حرية الطرق إلى الهند. وفي كتابه «تاريخ الصهيونية»، يُبرز الصهيوني ناحوم سوكولوف عدداً من الأمثلة والاستشهادات التي تؤكد الحقيقة والأبعادلالمطامع الاستعمارية البريطانية من وراء فكرة استيطان اليهود في فلسطين حتى قبل نشوء المنظمة الصهيونية العالمية في المسرح السياسي، بحيث يورد سوكولوف مثلاً أن وزير الخارجية البريطاني، شافتسبري بالمرستون، كتب مؤكداً في 25 أيلول/سبتمبر 1840 بشأن "المسألة السورية"، وذلك بعد أن تدخلت بريطانيا عسكرياً إلى جانب تركيا لصد قوات إبراهيم باشا (أنه يقترح إقامة مستعمرة بريطانية هناك، وأضاف أن المنطقة تحتاج إلى المال والعمل... وأن العبرانيين يترقبون العودة إلى سوريا، لذلك ـ قال ـ إذا ضمنت الدول قوانين تحقيق المساواة في سوريا وتبددت شكوك العبرانيين فعندئذ سيستنفرهم النداء فيخرجون بثرواتهم وصناعتهم... وأكد في النهاية أن استعمار العبرانيين سوريا هو أرخص وأضمن أسلوب لتزويد هذه المناطق، القليلة السكان بحاجاته).
والواقع أن هدف الاستعمار البريطاني لم يكن أبداً توفير احتياجات سكان سوريا الطبيعية والاستعانة بالاستيطان اليهودي لتحقيق هذا الهدف، وإنما كان هدفه الأساسي هو إزاحة أي قوة منافسة عن طريق مواصلة ضمان الامتيازات الإمبريالية البريطانية التجارية وطرقها التجارية مع مستعمراتها. ومن هذا المنطلق، وللحفاظ على مصالحها، وقفت إلى جانب الإمبراطورية العثمانية ضد الدولة الفتية في مصر بقيادة محمد علي وضد قواته بقيادة ولده إبراهيم .
في الفترة من عام 1831 إلى عام 1840 حاول محمد علي وابنه إبراهيم إقامة الدولة العربية الكبيرة، وامتدت هذه الدولة من مصر عبر سوريا الطبيعية حتى حدود آسيا الصغرى. ويشير بالمرستون، في رسالة بعثها إلى سفير بلاده في نابولي، بتاريخ 21 آذار/مارس 1833، أن ("هدف محمد علي الحقيقي هو إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية، وقد لا يكون لهذا المشروع في حد ذاته أي ضرر، لكنه سيؤدي إلى تقطیع اوصال تركيا وهذا ما لا نرضى عنه، وفضلاً عن ذلك فلا نرى سبباً يبرر إحلال ملك عربي محل تركيا في السيطرة على طريق الهند".
واكتسبت فلسطين أهمية خاصة في خريطة الصراع بين الأنظمة الإمبريالية بعد فتح قناة السويس في عام 1869، لكن الصراع الإمبريالي لاقتسام أقاليم الإمبراطورية العثمانية، وضمنها فلسطين، بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية والإمبراطورية الألمانية، والذي احتدم في مطلع القرن العشرين، وخصوصاً عشية الحرب العالمية الأولى وفي إبانها، أدى إلى معاهدة سايكس - بيكو عام 1916، والتي قسمت بلدان الشرق الأدنى بين فرنسا وأكجلترا وروسيا القيصرية.
"إسرائيل" والتمويل الإمبريالي لبناء الكيان
منذ الشهور الأولى لتأسيس الكيان الصهيوني، تصدت الدول الرأسمالية لمهمة تمويله (الولايات المتحدة الأميركية – السويد – سويسرا – بلجيكا – فرنسا – ألمانيا الغربية). ولهذا، يُعَدّ تدفق رأس المال الخارجي إلى "إسرائيل" أهم أساس لتطور اقتصادها، بحسب جالينا تينيكينا في كتاب عنوانه "دولة إسرائيل، خصائص التطور السياسي والاقتصادي".
كما أن الطابع الرئيس للاقتصاد الإسرائيلي هو النمو السريع بفضل الاستيراد الموسع لرأس المال، حتى أصبح في تلك الفترة معدل نصيب الفرد الواحد في "إسرائيل" من التكوين الرأسمالي أعلى معدل في العالم كله، وأصبح الاقتصاد برمته، بما في ذلك القطاع الخاص، يعتمد كلياً على المساعدات الخارجية التي تصل عن طريق قنوات تسيطر عليها "الدولة" وتصب عن طريقها في مشروعات الهجرة والتوطين والعمالة، ثم تساهم في تمويل الحياة اليومية لـ"مواطني الدولة الجديدة".
في البداية، كان الغرض من التمويل الخارجي الإمبريالي هو تشجيع الهجرة إلى "إسرائيل" واستيعاب المهاجرين إليها، وتطوير زراعتها وصناعتها. وعند كل تحدٍّ يواجه الاحتلال الصهيوني كانت الدول الإمبريالية تسارع إلى حقن الاقتصاد الإسرائيلي بالتعويضات الألمانية والمعونات الأميركية والأسلحة الفرنسية، بالإضافة إلى عقد الاتفاقيات التجارية الثنائية، والقروض والهبات في صورة مبيعات سندات وقروض للاستيراد والتصدير وقروض فائض الإيرادات الزراعية الأميركية وتشجيع الاستثمارات الخاصة المباشرة.
وبهذا، فإن السائد بخصوص تكوين رأس المال القومي يقوم به البلد ذاته، فإن "إسرائيل" تولت عنها القوى الإمبريالية الكبرى هذه المهمة الحيوية. لهذا، يجب الكشف بصورة مستمرة عن دور رأس المال العالمي في خلق ما يسمى "المعجزة الإسرائيلية". ففي "إسرائيل" تزيد الموارد الكلية على إجمالي الناتج القومي، الأمر الذي أتاح القيام بجهد استثماري مكثف أدى إلى ارتفاع معدل النمو السنوي، من دون أن يصاحب ذلك ضغط على مستويات الاستهلاك .
وبالتالي، نحن إذاً أمام ظاهرة فريدة من نوعها هي قيام دولة بأكملها كمشروع اقتصادي تموله الإمبريالية العالمية كلها. وهذا وحده كاف لبيان الالتقاء العضوي بين الصهيونية والإمبريالية.
صحيح أن التحويلات من طرف واحد، أو بلا مقابل، كانت سمة مهمة من سمات الدعم والانصهار الإمبرياليين مع الصهيونية، إلا أن الاستثمارات الأجنبية لها دلالة بعيدة وملموسة، فهي مظهر للمشاركة العضوية بين الصهيونية العالمية والإمبريالية في المشروع الخاص ببناء "دولة إسرائيل".
"إسرائيل" والانتقال إلى الامبريالية الأميركية
ارتبطت الحركة الصهيونية العالمية منذ البداية بحركة الرأسمالية العالمية ومركز القوة السياسية الإمبريالية. ففي بداية القرن الماضي علقت الصهيونية العالمية آمالها على ألمانيا ذات الرأسمالية الاقتصادية الصاعدة والمنافسة للاحتكارية البريطانية، التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها.
وبعد "وعد بلفور" وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، انتقل الولاء إلى بريطانيا العظمى التي فتحت أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية. ومنذ الحرب العالمية الثانية نقلت المنظمة الصهيونية العالمية مقرها إلى الولايات المتحدة، وأخذت تعلق عليها الآمال. ففي 11/5/1942 أقر ما سمي عندئذ "بيان بلتيمور" من المؤتمر الصهيوني الاستثنائي الذي انعقد في فندق بلتيمور في نيويورك، وكان أهم ما تضمنه البيان هو الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية، كونها السند الرئيس للحركة الصهيونية.
وبالفعل، انتقلت عندئذ زعامة العالم الرأسمالي إلى الولايات المتحدة، التي كانت بالصدفة زحفت إلى آبار البترول العربية، هذا بينما ارتبط كبار رجال المال فيها بالوكالة اليهودية منذ زمن بعيد (كون وليب وليهمان وغولدمان وزاكس وجوجنهايمولازار وروكفلر ومورغان). ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وانهيار مراكز فرنسا وبريطانيا في الشرق العربي، تدخلت الولايات المتحدة بقوة أكبر في المنطقة كلها، وكانت وراء قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين وإقامة "إسرائيل".
ومع ذلك، حرصت الولايات المتحدة في الأعوام الأولى من تأسيس "إسرائيل" على إخفاء تمويلها لها، خوفاً من إثارة عداء العرب لها. وبالتفاهم مع الولايات المتحدة تصدت ألمانيا الغربية لعملية التمويل في تلك الأعوام، سواء علناً بالتعويضات أو سراً بالسلاح، ولم تظهر الولايات المتحدة في الساحة المكشوفة إلا مع حرب حزيران/يونيو، ومنذئذ لا تخفي علاقتها الخاصة بـ"إسرائيل"، ولا التزامها الكامل تجاهها.
وبالنسبة إلى التمويل، كانت الولايات المتحدة الأميركية هي المنظم والمحرك والممول لعملية تأسيس "إسرائيل"، فبين عامي 1948 و1962 حصلت "إسرائيل" من الولايات المتحدة على مبلغ يفوق 3200 مليون دولار، استُخدمت لتجهيز المستوطنات الزراعية وتوسيعها وبناء المساكن وإنشاء الطرق والموانئ و وتجديد المواصلات وتقديم الغذاء إلى السكان.
وفيما بعد حرب حزيران/يونيو صارت الولايات المتحدة هي المصدر الرئيس للأموال الأجنبية على اختلاف أشكالها. فعلى سبيل المثال، فإن المساعدات الأميركية التي قُدمت، خلال الأعوام الخمسة التي تلت العدوان، تجاوزت ضعف ما قدمته الولايات المتحدة من مساعدات مماثلة إلى "إسرائيل"، طوال الأعوام العشرين، التي سبقت الحرب، واستمرت المساعدات في التصاعد بعد ذلك، وخصوصاً القروض الميسرة.
والحديث عن القروض الأميركية لـ"إسرائيل" حديث فيه قدر غير قليل من التجاوز: إذ إن هذه القروض ميسرة تماماً، ففترات السماح لتأجيل القروض والإعفاءات الدورية من الديون السابقة، والمبادرة إلى تقدم منح وقروض جديدة، والمعاملة التفضيلية في التعرفة الجمركية، والمعاملة الضريبية المتميزة التي تعامل بها الهبات الممنوحة لـ"إسرائيل"، كلها تجعل القروض الأميركية كأنها سندات خزينة إسرائيلية.
أما الاستثمارات الأميركية فأدّت دوراً وظيفياً مهماً لتدعيم الاقتصاد اليهودي حتى قبل قيام "إسرائيل"، إذ كان التعاون بين تلك الاستثمارات والوكالة اليهودية كبيراً. ونذكر هنا الدور البارز لشركتين أميركيتين، هما "الشركة الاقتصادية الفلسطينية"، والتي تأسست في عام 1926 و"الشركة الأميركية الفلسطينية"، والتي تأسست عام 1942. وتُعَدّ هذه الشركة الاحتكار العملاق الذي يربط الرأسمالية الأميركية بالصهيونية، فلقد قامت الشركة بتأسيس شركات متعددة داخل فلسطين المحتلة بالمشاركة مع الهيستدروت أو "الدولة" الإسرائيلية.
وإلى يومنا هذا، وحتى مع تبدل الإدارات الأميركية بين ديموقراطية وجمهورية، فإن الدعم الأميركي متواصل ومتجدد عبر قرارات وتشريعات من مجلس النواب الأميركي.
ختاماً، فإن العلاقة بين الإمبريالية، وخصوصاً الأميركية، و"إسرائيل"، لا يمكن توصيفها بالجيدة أو السيئة أو المتذبذبة، انطلاقاً من أن "إسرائيل" تُعَدّ ولاية من ولايات الولايات المتحدة الأميركية، لكنها في مكان متقدم، وهذا الارتباط العضوي لم يكن ولم يعد خفياً، وهذا ما حاولنا إظهاره في السطور السابقة.