لا خطوط حمر.. قالها القائد وهلّل لها الشعب!
هل يعي اليمنيون كشعب استعدادهم لتجاوز الخطوط الحمر في المعركة التي يخوضونها نصرةً لغزة والقضية، وما دلالات هذا السقف اليمني المفتوح على مصراعيه في موقفه المساند لمعركة "طوفان الأقصى"؟
من يتأمل في التفاصيل الثقافية لليمني المتعلقة بنظرته إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسلامي مع الصهيونية العالمية، سيجد أن الحسابات الإيمانية تتصدر كل الحسابات السياسية والمادية الأخرى، هذا لا يعني أن اليمنيين لا يتقنون القراءة والتعامل مع هذه الحسابات، بل يوظفونها بحنكة واقتدار في سياق خدمة المعركة بجانبها السائد في ذهنيتهم وسرديتهم، لكنهم ينطلقون بداية من القراءة العميقة للصراع الأزلي والوعد المنتظر في تفاصيل الآيات والتفاسير.
يرى اليمنيون أنفسهم عبر مختلف المراحل معنيين بالدرجة الأولى بالحراك ذي الطابع القومي والديني، وقد جاءت الثورة الفتية لتحكم هذه التطلعات التي كانت حاضرة وليست حاكمة، لذا ليس من المستغرب أن ترى كبار السن حاضرين في الميادين، فقد ارتفع السقف وباتوا يرون أنفسهم جاهزين لتولي الدور الذي يقود إلى خدمة المسار القرآني في الصراع.
منطلقاتهم لكل ما سبق تأتي من عمق هويتهم الدينية والرصيد التاريخي الكبير لأدوارهم البارزة والمؤثرة في خدمة الرسالة المحمدية، وذلك محل إجماع مذاهب الأمة بتبايناتها كافة وليس روايات مختلفة، أي أننا أمام حقيقة تاريخية حاضرة في كل المراحل وتفرض نفسها على الحالة العامة والراهنة لهذا الشعب، وهو الشعب المعروف بتمسكه بالماضي بقيمه وسلوكياته المجتمعية كافة.
ليس هذا الجانب موضوع تركيزنا في المقال، ولكنه تمهيد يقودنا إلى معرفة الدوافع اليمنية المتصدرة أو التي تسعى إلى أن تتصدر الموقف، وفي الوقت ذاته القابلة والمهيأة للتعاطي مع مختلف الظروف والتقلبات في الصراع، هم يتقنون قراءة مؤشراتها الداعمة لرؤيتهم من دون أن يخفت ذلك من وهج الاندفاعة اليمنية المتفردة في تفاصيلها.
أيضاً ثمة حقيقة مهمة وهي مؤثرة وتلقي بتداعياتها على الموقف، اليمنيون مجتمع قبلي خبر الحروب والنكبات على اختلاف أجندتها وتجاذباتها، لم يعش دهراً طويلاً حالة استقرار تصبغ المدنية والثقافة الاستهلاكية على نمط حياته، ولم يعد يخيفه الموت قتلاً أو جوعاً.
لا خطوط حمر، قالها القائد وردّدها الشعب في الميادين بمشاعر مفعمة بالفرحة، دقت هذه الكلمة أوتار العاطفة الشعبية التي تظهر أنها لو ملكت الأمر فلن توفر شيئاً تملكه من دون أن تقدمه في ميدان المساندة.
وحقيقة أن الكثير من العامة لا يعرفون تماماً ما وراء هذه الكلمة من خيارات استراتيجية وأهداف محتملة، قد تكثر التحليلات والتأويلات وادعاء المعرفة بها، لكنهم يتمنون ويتطلعون إلى أن لا يبقي القائد في جعبته خياراً إلا ويطرحه على ساحة الضغط نحو وقف العدوان على غزة ونصرة شعب فلسطين ومقاومته. وقد رأوا وعايشوا قدرة وفاعلية الكادر العسكري لبلادهم، بشرياً ومادياً في الحفاظ على الخيارات السياسية إبان العدوان على اليمن، ومؤخراً ما أحدثه هذا الكادر من تغيير للمعادلات في المنطقة في أتون العدوان الصهيوني على غزة. لقد غادر اليمنيون حالة الضعف، كما غادروا حالة الدهشة نتيجة اليد العسكرية الطولى التي باتت عليها القدرات اليمنية، فقد تجاوزت أمام أنظارهم البحر الأحمر إلى الهندي جنوباً، والأبيض المتوسط شمالاً، وأحدثت أثراً غائراً في العدو.. على الأقل في مفصله الاقتصادي.
وباستثناء المعايير الأخلاقية في الصراع ونوعية القدرات، فإن اليمنيين كشعب يؤيدون هذا السقف المفتوح من المساندة، ولا يغرقون كثيراً في حسابات المخاوف أو سيناريوهات ردود الفعل المضادة، وهم يرون صبح مساء المجازر الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق أطفال غزة ونسائها ورجالها.
الاستفزاز الجمعي لمشاعر اليمنيين كل يوم يحرق صبرهم بشكل يستحيل معه التعايش مع المشهد من دون مبادرة، غير أنهم يتركون للقيادة ترتيب أولوياتها ومستوياتها وبنك الأهداف بالتكتيك الذي تراه مناسباً وفاعلاً وممكناً، وهم على ثقة تتعزز بقدرات هذه القيادة في إدهاشهم. هذا هو المشهد في الجانب الشعبي، على الصعيد الرسمي، ثورياً وسياسياً وعسكرياً، ثمة قراءة مختلفة وهناك الكثير من الأسرار القابلة للإفشاء بلسان القيادة والقوات المسلحة، مرهون حجمها ومراحلها وطول أمدها بالخيارات الأميركية والإسرائيلية في العدوان على غزة حرباً أو سلماً.